لكن زميله اعترض، وأصر على أن كعبيها الحمراوين كانا يسببان الفتنة لكثير من رجال القرية.
وظل العراك بينهما طول الليل، وهي راقدة وجهها ناحية الأرض، تضغط بأنفها وفمها على الأرض، تكتم أنفاسها وتتظاهر بالموت، وقد يشتد عذابها إذا اتضح أنها لم تمت، وقد يشفع لها الموت، وأنها لم تسمع شيئا مما دار بينهما، ولا يمكن لأحد من الإنس أو الجن أن يسمع ما يدور في القبر بعد الموت، وإذا حدث وسمع، فلا بد أن يتظاهر بعدم السماع، أو بعدم إدراك ما أدركته. وأخطر ما أدركته هو أن الرجلين ليسا ملكي القبر، وليسا ملائكة من أي نوع، فلا يمكن للملاك أن تغيب عنه الحقيقة التي عرفها كل إنسان في القرية له عينان، ذلك أن كعبيها لم يكونا أبدا حمراوين مثل كعبي بنت العمدة، وكانا دائما مثل وجهها وكفيها مشققين سوداوين بلون تراب الطريق.
ثم انتهى العراك قبل الفجر دون تعذيب، وشكرت الله حين انقطع عنها الصوت، وبدأ جسمها يخف ويعلو كأنها ستطير، وظلت محلقة كأنما في السماء، ثم سقط جسمها وارتطم بأرض طرية رطبة، وشهقت: الجنة.
ورفعت رأسها بحذر شديد، فرأت المساحة الهائلة من الخضرة، والشجر أوراقه كثيفة ومن تحتها الظل.
رفعت نصفها الأعلى كله من فوق الأرض، ورأت الأشجار تمتد أمام عينيها إلى ما لا نهاية، وهواء نقي يدخل صدرها، ويطرد التراب والغبار ورائحة الروث.
بحركة خفيفة نهضت حتى انتصبت تماما فوق قدميها، واستطاعت أن ترى البيت وسط فروع الشجر مبنيا بالطوب الأحمر، وأمام عينيها كان المدخل.
دخلت مسرعة تلهث، تصعد السلم العالي وتلهث، وأمام حجرة النوم توقفت لحظة تلتقط أنفاسها، قلبها يرفع ضلوعها إلى أعلى ويدق وصدرها يعلو ويهبط.
كان الباب مغلقا، فمدت يدها بحذر شديد ودفعته، ورأت أعمدة السرير الأربعة تدور حولها الستائر الحرير، ومن تحت الأعمدة الأربعة رأت السرير العريض ومن فوقه زوجها، جالس فوق السرير كالعرش، وعن يمينه امرأة، وعن يساره امرأة ثانية، وكلاهما ترتديان ثوبا شفافا، يشف من تحته البشرة البيضاء كالشهد، وعيناهما واسعة مليئة بالنور كعيون الحور.
ولم يكن وجه زوجها ناحيتها فلم يرها، وكانت يدها لا تزال على الباب، فشدته إلى الوراء وانغلق، وعادت إلى الأرض مرة أخرى وهي تقول لنفسها: ليس في الجنة مكان لامرأة سوداء.
القاهرة، 1984
Página desconocida