Libro sobre la conducta del médico
كتاب أدب الطبيب
Géneros
فأما إن أهمل النظر فيه، 〈أ〉و فى واحد من هذه الأشياء، أو فى أكثر من واحد، كان الضرر الداخل على الإنسان، فى نفسه وجسمه، بحسب ذلك، وخاصة إن جعل شاربه غرضه من شرب الخمر والنبيذ الالتذاذ به، وطلب السكر منه، ودوام ذلك، فإنه سيؤول به الأمر من المضار العاجلة إلى ما يكثر تعديده، ووصفه. وأنت إن افتقدت المضار والعيوب التى يجلبها على من داومه بكثرة، وجدتها ظاهرة، يعرفها من ليس هو طبيبا بسهولة، عندما يجعلها باله. فكم من جسم صحيح قد أمرضه! وكم صنوفا من الموت قد أحدثها! وكم أدمغة قد أفسدها، فذهب بحفظها، وأساء تمييزها، وكدر تخيلها! وكم أعصاب قد يبسها، وأعضاء قد أرعشها، وحواس قد أضعفها! وكم صنفا من التغايير الرديئة يحدث للنفس فى نومه! فكيف إذا تمادى بصاحبه الإدمان على كثرته، لأنه ينقل شاربه، بعد سروره، إلى الطرب واللعب، كلعب الصبيان، ثم ينقل الإنسان إلى ظنه بنفسه الشجاعة، فيحمله على التهور فى المهلكات، ويصور له القبائح بصورة المستحسنات، ثم آخر أمره يؤول بصاحبه إلى العجز عن الحركات المستقيمة، إلى الحركات المضطربة، حتى ربما قذف وبال بين الحضور، وهو لا يعلم، فتصير منزلته فى وقته ذلك منزلة الأطفال الذين تجرى هذه الأفعال منهم مجراها من البهائم، بغير عقل ولا تمييز! فهذه جمل من عيوب شرب الخمر، وجمل من منافعه، ولك أن تفهم منها من فروعها ما لم أر للتطويل بذكره وجها.
وبعد ما ذكرته، فقد بقى أن أقول لمن أراد استعماله: فمنافعه أن تنظر فى اختلاف أصنافه، فإن الخمر الأسود، الغليظ، القابض، هو مضاد للأبيض، الرقيق، المائى. فأما الأحمر المائل إلى الصفرة، فهو متوسط بينهما. وأعنى بأن الأسود مضاد للأبيض فى أفعاله لأن الأسود، لغلظه، لا ينفذ عن المعدة بسرعة، بل يبطئ فيها، وهو يغلظ الدم ويغذو. فأما الأبيض، فيفعل أضداد هذه الأفعال، وهو أشد إدرارا للبول، لسرعة نفوذه، وأقل إسخانا للبدن. وإذا كان الأمر فى هذين الطرفين كذلك، فأفعال المتوسط بينهما متوسطة أيضا. ولأن من الخمور ما هى متوسطة أيضا بين هذا الأوسط وبين الأطراف بمراتب كثيرة مختلفة — فمنها ما هو قريب من المتوسط، ومنها ما هو قريب من الأطراف — فلذلك ينبغى أن تميز أصنافها، وتقيسها بالمتوسط الذى هو أعدلها، لتعلم طبعه، وتأثيره فى أجسام الأصحاء والمرضى.
ويتبع الخمر من الأشربة ما عمل من الزبيب. فإنه أقرب إليه مما عمل من التمر، وغيره من المسكرات على اختلاف صنعتها. فقس جميع تلك بما ذكرته من أمر الخمر! وأنت تقدر على تعرف فعلها فى الجسم من اختلاف طعومها.
وكذلك فافعل فيما لا يسكر من الأشربة، لكنه ينفع فى حفظ الصحة، ومعالجة الأمراض، كالمشروبات المستخرجة من الثمار، كماء الرمان، وماء التفاح، وماء السفرجل، ونظائر ذلك، وما يركب من هذه، وما يعمل أيضا من السكر والعسل، وغيرها من الأشربة المختلفة أصنافها، المتغايرة أفعالها.
فلذلك يجب أن تأخذ نفسك فى تعرف أصنافها، وتقصى وجوه تراكيبها، وما تؤثره فى صنف صنف من الأمزجة، لتستعمل منها ما احتجت إلى استعماله على ثقة. واعن بمعرفة شراب العسل، وأصناف تراكيبه! فإنها كثيرة، بحسب الحاجات إليه، والحاجات إليه فى حفظ الأصحاء، وفى معالجة المرضى، عظيمة جدا.
Página 48