Libro sobre la conducta del médico
كتاب أدب الطبيب
Géneros
وإذا كان ذلك واجبا على سائر الناس، نافعا لهم بأسرهم، فذلك للطبيب أنفع، وعليه الاهتمام بذلك أوجب، لأن المقصر فى ذلك من سائر الناس، إنما يدخل الضرر عليه، وعلى عائلته فقط. فأما الطبيب، فإنه إذا عدم مصالحه، عدم صواب رأيه، لتقسم فكره لطلب حاجته، فيدخل من ذلك الضرر على تدبيره الأصحاء والمرضى. فلذلك ينبغى لمن احتاج إلى تدبيره، أن يعينه على مصالحه، ويجتهد له فى كفايته، لتكون نفسه هادئة، ساكنة، وعقله منصرف إلى مصالح الناس.
ولأجل ذلك، ينبغى للطبيب، ألا يدبر صحيحا، ولا مريضا، إلا بعد خلو فكره، وإعطائه لنفسه وجسمه ما يحتاجان إليه من مصالحهما. فأما نفسه، فسكونها هو بما قدمناه من الأمن من الفاقة، والأمور المفزعة. وأما جسمه، فبأن تكون سائر حواسه قد أخذت بحظها النافع لها من محسوساتها، وذلك بأن لا يكون جائعا، ولا عطشان، وقد استعمل من الطيب ما يوافقه، ولا يشتاق معه إلى ما يشتمه من الطيب فى منازل الناس.
ومثل ذلك القول فى باقى حواسه، لتكون بذلك نفسه مسرورة، وعقله صافيا، وحواسه نقية من كل كدر، فيصفو له بذلك رأيه، وتصح مشورته.
وإذا كان قد اتضح لك مما قيل — أيها الطبيب السعيد — وجوب حفظ مصالحك، وإعدادك لجميع منافعك، كوجوب ذلك على مدبرى السفينة، من إعداد مراسيها، وقلوعها، وحبالها، ورجالهم، وتيقظهم قبل سيرهم، وقبل هجوم هول الريح عليهم، فقد لزمك أن تعلم ما تعده لنفسك، ولغيرك، ممن تريد حفظه، وعلاجه، إذ كانت الأمور النافعة فى ذلك، لا يمكن اتخاذها بأسرها، وقت الحاجة إليها، كما لا يمكن عمل الدرياق وقت حاجة الملسوع إليه. فيجب أن تكون الدرياقات، وغيرها من الأدوية، معدة للمرضى، والأغذية، والأشربة، وغيرها من المصالح، معدة للأصحاء والمرضى. ففيما ذكرته من هذه الأمثلة الجزئية، الدالة على المعانى الكلية، كفاية لذوى الفطن والقرائح.
فأما من لم يكتف بهذه الجمل، فالتمس تشخيص جميع ما بعده، فإن ذلك ممتنع، لأجل اختلاف أمزجة المحتاجين. ولكنى آخذ به فى تعريفه أنواع تلك الجمل التى لم يكتف بها، فإنها أبسط، وهى جامعة لما التمسه من علم الأشخاص، فأقول:
إن جميع ما ينبغى أن يدخر، ويقتنى، قبل فوت وجوده، نوعان: أحدهما تحثه جميع مصالح النفس، وآدابها، وذلك مأخوذ من معدنين: أحدهما الكتب الشرعية. فإنها جامعة لآداب النفوس، ومصالح الأخلاق، ومقومة للإنسان. فعليك بها أولا، وخذ نفسك وولدك بحفظها، بعد درسها على العلماء بها، ثم تأمل لغتها، وتدبر معانيها، فإنك تظفر 〈منها〉 بما أنا حاث لك عليه من آداب النفس.
Página 170