Adab Sharciyya
الآداب الشرعية والمنح المرعية
Editorial
عالم الكتب
Número de edición
الأولى
Ubicación del editor
القاهرة
Géneros
Sufismo
وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ مِنْ نَدْبٍ وَنِيَاحَةٍ وَتَسَخُّطٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ الْمَحْتُومِ، وَالْجَزَعُ الَّذِي يُنَاقِضُ الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ٨٤] .
قَالَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَخَاهُ مَاتَ فَجَزَعَ الْحَسَنُ جَزَعًا شَدِيدًا فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَا سَمِعْت اللَّهَ عَابَ عَلَى يَعْقُوبَ ﵇ الْحُزْنَ حَيْثُ قَالَ ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ٨٤]
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ أَنَّ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ مُسْتَحَبٌّ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ بِخِلَافِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ حَظِّهِ مِنْهُ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا بَكَى عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ» وَإِنَّ هَذَا لَيْسَ كَبُكَاءِ مَنْ يَبْكِي لِحَظِّهِ لَا لِرَحْمَةِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّ الْفُضَيْلَ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ ضَحِكَ وَقَالَ: رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَرْضَى بِمَا قَضَى اللَّهُ بِهِ حَالُهُ حَالٌ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الْجَزَعِ، فَأَمَّا رَحْمَةُ الْمَيِّتِ وَالرِّضَاءُ بِالْقَضَاءِ وَحَمْدُ اللَّهِ كَحَالِ النَّبِيِّ ﷺ فَهَذَا أَكْمَلُ.
وَقَالَ فِي الْفُرْقَانِ: وَالصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرِّضَا قَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى الْمُصِيبَةِ لِمَا يَرَى مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهَا، وَلَا يَلْزَمُ الْعَاصِيَ الرِّضَا بِلَعْنِهِ وَلَا الْمُعَاقَبَ الرِّضَا بِعِقَابِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُؤْمِنُ يَصْبِرُ عَلَى الْبَلَاءِ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْعَافِيَةِ إلَّا صِدِّيقٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اُبْتُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا وَابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: الرَّجُلُ كُلُّ الرَّجُلِ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى الْعَافِيَةِ وَهَذَا الصَّبْرُ مُتَّصِلٌ بِالشُّكْرِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقِيَامِ بِحَقِّ الشُّكْرِ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّبْرُ عَلَى السَّرَّاءِ شَدِيدًا لِأَنَّهُ مَقْرُونٌ بِالْقُدْرَةِ، وَالْجَائِعُ عِنْدَ غَيْبَةِ الطَّعَامِ أَقْدَرُ مِنْهُ عَلَى الصَّبْرِ عِنْدَ حُضُورِ الطَّعَامِ اللَّذِيذِ.
1 / 4