============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف بسر، وذلك من علامات الولاية، والأولياء يعيشون بذلك ويحيون به حياة طيبة، فهم أعز خلق الله بعد الأنبياء صلوات الله عليهم اجمعين، وعلومهم أعز العلوم.
وقد روي عن خالد بن معدان قال ، قال رسول الله : إن من العلم شيئا مكنونا أو مدفونا لا يعلمه إلا العلماء بالله عز وجل، إذا تطقوا به لم يحلوه لأهل الغرة فلا تحقروا عبدا آتاه الله علما فإن الله عز وجل لم يحقره لما استودعه علمه، فالمكنون والمدفون هو علم السر وهو موهية من الله عز وجل غير مكتسبة بكتب ولا دراسة ولا حفظ ، يتبع ذلك حقائق الاجتهاد والتحرك باستعمال علم الظاهر بالطاعات، وذلك علوم المعارف واستنباط دقائق المعاني من صفاء الفكر وإخلاص الذكر، فخص الله عز وجل أولياءه بالحكمة وعلوم تحقيق الولاية، لأن ذلك علامة الأصفياء وحقيقة الأتقياء وسيرة الأولياء الذين حفظوا أعينهم عن المحارم وغضوها، فعوضهم الله عز وجل بحقيقة في نظرهم حتى صار نظرهم عبرة، وحفظوا السنتهم من الكذب والبهتان والغيبة، فحبسوها بطول الصمت فأورثهم الله بترك الكذب صدقا، وبترك البهتان والغيبة ذكرا، وخولهم (38) بالصمت الدائم فكرا، فأبدل الله عز وجل لهم في كل حاجة عوضا عما آمسكوا عن حظها، واستعملوا العلم في ردها، واشتغلوا بمحاسبة حركات الجوارح تعبدا وتسيرا في عزيز طريق الخاص ، فأخذوا عن الله عز وجل أدب السير إليه بحفظ الجوارح وفراغ القلب، وساروا إلى الله عز وجل حتى صاروا في حقيقة الخصوصية، فبدلوا في الحواس مكان إمساكها إرسالا، أما العين فأمسكت عن المحظور فأرسلت بالعبرة، وأما اللسان فأمسك عن الفضول واليهتان فأرسل بالحكمة، وكذلك سائر الجوارح بمثلها، فإذا الحقيقة اشتملت عليهم فحفظتهم بوجدها وحمتهم بغيرتها وأرسلهم بحكها حتى صار نطقهم حكمة وصمتهم فكرة ونظرهم عبرة، فبالحق نطقوا وللحق سكتوا وبالحق نظروا إلى ما أباح الله عز وجل لهم، فاعتبروا به وغضوا عن غيره، فنطقهم حكة. 21 والحكمة لأهل الخصوص من أهل الباطن والأسرار، خولهم الله عز وجل ذلك ليحببوا بها الخلق إلى الله عز وجل، والعلم الظاهر مبذول يوجد بالاكتساب بالكتب والحفظ والدرس، وعلم الباطن من مواريت تحقيق علم الظاهر واستعماله والاخلاص 24 فيه، وعلم السر موهبة يتبعها الاكتساب والمحاسبة وحفظ النفوس عن ملاذ حظها وشهي لذائذها.
وكل ذلك حكمة، فنها ظاهر ومنها باطن ومنها سر، فبالظاهر عرفوا حقائق الأمور 27 ن . ...
Página 35