============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقاثق التصوف الأسباب، وقطعوا عن قلوبهم جميع الأنساب، واشتغلوا بذكره عن الأذكار، وعبدوا الله في الطوية بحقائق الأسرار فأول قصدهم أنهم أحكموا الظاهر من العلوم من الأمر 3 والنهي واستعملوها بابلجهد والطاقة والإخلاص والصدق، فأورثهم الله عز وجل علما بغير تعلم، وقد قال النبي علله : من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ، ففطنوا الأمور ونبهوا= الى حقائق انفردوا بها (24) عن سائر الخليقة، فنسوا بوجدان قلوبهم 6 جميع المخلوقات، واختاروا الله عز وجل على ما سواه ، وأشاروا إلى تجريد التوحيد، وذلك أنهم لم يطلبوا مع الله ثوابا دون لقاء الله عز وجل والنظر إلى وجهه جل جلاله، وذلك إشارة الصوفية الذين لا يريدون في الدارين مع الله عز وجل شيئا ، ولا يشتغلون 9 بالعطاء عن المعطي، فوافقوا الله بالحقيقة، فأشار الحق إليهم بإشارة أهل التجريد، فأخذوا حقيقة الاشارة عن الله عز وجل وانفردوا وتشمروا وتجردوا لإجابة الحق بحقيقة المعنى، فرفعوا بذلك جميع العوارض الشاغلة ونسوا حاضر الدار في جنب لقاء الواحد 12 القهار، ثم أشاروا بموافقة إشارة الحقيقة إلى فناء حظوظهم من الدنيا والآخرة، وإنما يحقق ذلك فيمن لا يشغل ظواهره بظواهر غوائل الدنيا، ولا يميل بسره إلى بهجتها، ولا يسال من مولاه غيره ولا يؤثر عليه ثوابه وعطاءه، وكيف يسكن من ادعى حقيقة التجريد 15 إلى شيء غيره، وكيف يتعلق بشيء وقد ادعى نفي الأشياء ورفع حظه من الدنيا والآخرة إلا من الله عز وجل؟
وإنما أشار الصوفية إلى نفي الأسباب من الدارين لأن جميع المخترعات والمخلوقات 18 من المستحسنات والمستلذات من الدنيا والآخرة خلقت لحظ الخلق ، قال الله عز وجل : (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلد الأعين}، وإنما ذلك وضف لثواب أوليائه من مرارة بما وجدوا في الدنيا من الصبر على مخالفة حظوظ النفس وغرورها وغوائلها وآفاتها، ورأوا أن 21 كل حظوظهم مشغلة عن الله عز وجل، وأن حظوظ أنفسهم في الرغبة والركون إلى الدنيا والتنعم فيها، فتعلقوا بالله عز وجل وقطعوا المشاغيل وجاهدوا أنفسهم وخالفوا هواها، وأيقنوا أن النفس تدعو إلى مخالفة الله تعالى، فزهدوا في جميع حظوظهم، فأورتهم الله 24 عز وجل حقيقة من السر، فبذلك نسوا جميع حظوظ الدارين، فصاروا في سجن الحق وفي قيده، ثم بتور المواريث وسابق الهداية نظروا إلى الدنيا الفانية وشهواتها الردية () يشتغلون: يشتغلوا ض 19) تشتهه: تشتهي ض 22) المشاغيل، كذا، والصحيح: المشاغل 19) القرآن الكريم 71/43.
... .
Página 22