ولكن المتفائلين يقولون: إننا نتغير إلى أحسن، ونرتقي، إذا كان وسطنا راقيا يعلمنا ويهذبنا وينير عقولنا ويقوي صحتنا.
والمتفائل لذلك اشتراكي، ارتقائي، إنساني، يؤمن بالمساواة بين الشعوب، وبمساواة المرأة للرجل، وبالمستقبل الذي سينهض على العلم، ولا يسلم بأن الأسود دون الأبيض في الكفاءات؛ لأن كل ما هناك من فرق أن الأبيض وجد وسطا حسنا فارتقى به في حين وجد الأسود وسطا سيئا فانحط به. •••
وفي الأدب متشائمون ومتفائلون أيضا؛ أي محافظون واشتراكيون.
الأدب المحافظ ، الأدب المتشائم، هو أدب الجمود والتقاليد، وكراهة التغيير، وكراهة المرأة، والخوف من المستقبل، وهو الأدب الذي يجد المبررات للاستعمار وللتفاوت بين الطبقات.
والأدب الاشتراكي هو أدب التغير والتطور، والإيمان بالمستقبل، ومكافحة الفقر والجهل والمرض، ومكافحة الاستعمار والاستبداد.
هو أدب الشعب الذي يكتب بلغة الشعب.
ولننظر نظرة عاجلة في مسرحية «أهل الكهف» التي ألفها الأستاذ توفيق الحكيم كي نحكم: هل هي أدب متشائم أم أدب متفائل؟
فهذه المسرحية تنهض على أسطورة شاعت بين المسيحيين حوالي القرن الثالث، حين كان الرومان الوثنيون يضطهدونهم، وتتلخص في أن بعض المسيحيين فروا من الاضطهاد إلى كهف ناء واختبئوا فيه، ثم جاءت المعجزة، فإنهم كانوا ينوون قضاء ليلتهم، أو بعض الليالي، مختبئين، ثم يعودون إلى المدينة عندما تنحسر موجة الاضطهاد، ولكنهم ناموا نحو ثلاثمائة سنة وتسع سنوات، ثم استيقظوا وبعثوا أحدهم كي يشتري لهم طعاما من المدينة وهم جميعهم على توهم بأنهم لم يناموا غير ليلة واحدة، ولكن هذا المبعوث عاد يخبرهم بأن نقوده التي يحملها لشراء القوت لم تقبل؛ إذ إن هناك نقودا أخرى لها سكة أخرى، ثم يخرج الآخرون فيعرفون بعد عناء أنهم كانوا نياما، وأن النوم طال إلى نحو 50 أو 100 سنة، وأن الدنيا تغيرت، وهم لا يستطيعون أن يعيشوا في العصر الجديد؛ لأن ناس هذا العصر قد نشئوا على عادات وأفكار غير ما ألفوه في حياتهم، ولذلك آثروا الموت على الحياة، وعادوا إلى الكهف كي يموتوا.
وواضح أن القصة تشائمية، مع أن منطقها كان يدعو إلى التفاؤل، هنا مسيحيون تضطهدهم الوثنية، فيفرون إلى كهف للاختباء، ثم يستيقظون فيجدون أنهم قد حظوا بمعجزة؛ إذ ناموا نحو نصف قرن أو أكثر، ولكنهم بدلا من أن يفرحوا لأن الدنيا قد تغيرت وفق ما أرادوا، وأن الوثنية قد زالت وجاءت المسيحية - ديانتهم هم - مكانها، بدلا من أن يفرحوا بهذا الانتصار حزنوا لديانتهم، وآثروا الموت على الحياة؛ لأنهم وجدوا ناسا وعصرا غير ناسهم وعصرهم.
فأي سخف أكبر من هذا؟ هل ينتحر الإنسان؛ لأنه فقد ثروته وأصدقاءه ووسطه ؟!
Página desconocida