أنه أفشى في العالم الإنجليزي روحا إنسانيا يكره الاستعمار، واستغلال الأمم الصغيرة، وتشريح الحيوان الحي، وضرب التلاميذ، وقتل الحيوان للطعام. (5)
أنه جعل التطور مادة من مواد البرنامج الاجتماعي لإصلاح البشر. ورفع القيم البشرية فوق القيم الاجتماعية في معنى الرقي والتقدم. (6)
أنه أثبت في أذهان الطبقة القارئة المستنيرة أن التقاليد والأخلاق عادات وعرف، لا أكثر ولا أقل. وأنها بعيدة لهذا عن أية قداسة تحول دون تغييرها.
هذه خلاصة مقتضبة. ولكن على القارئ المصري أن يذكر أن «برنارد شو» رجل غربي، يؤمن بأوروبا، ولا يؤمن أقل الإيمان بآسيا. بل هو إلى حد ما يؤمن بالسلالات الأوروبية، وأنها زبدة البشر. وقد عطف على بعض المبادئ الفاشية لاتجاهها البيولوجي وأنها تعمل لتطور النوع البشري بتعقيم الناقصين.
وبكلمة أخرى نقول إنه أبعد الناس عن «غاندي»؛ لأن هذا يكره الآلات وما جرته من مظاهر الحضارة العصرية، ويدعو إلى العودة إلى سذاجة الإنتاج اليدوي، والمعيشة القروية. ولكن «برنارد شو» يؤمن بالآلات والحضارة العصرية.
الدرامة الاجتماعية
كان «برنارد شو» أول من جهد لتعميم الدرامة الاجتماعية في المسرح الإنجليزي، فقد دعا أولا إلى دخول الدرامة الإبسنية، وكان بوقا عاليا لهذا المؤلف النروجي «إبسن» الذي اكتسحت دراماته الخاصة المثقفة في أوروبا. ثم شرع هو منذ 1890 يؤلف للمسرح ويعالج المسائل الاجتماعية، فله دراما عن البغاء وعلاقته بالأحوال الاقتصادية، وأخرى عن الإيمان بالمسيحية، وأخرى عن الحرب ... إلخ.
وهو في بعض هذه الدرامات يهدم ولا يبني. وقد يعتذر عنه هنا بأن الهدم نصف البناء، وأنه لا يمكن البناء إلا بعد أن تزول بقايا القديم ، وينظف المكان للجديد.
وقد سبق أن قلنا عن «برنارد شو» إنه يمثل الانتقاض على القرن التاسع عشر والثورة على عقائده ومؤسساته، ففي هذا القرن نرى الإيمان بالديمقراطية التي هي النتيجة المحتومة للثورة الفرنسية. ونرى أن الرواج الصناعي قد بعث في النفوس آمالا بالنجاح، فزاد الإيمان بالفردية والاستقلال الذاتي. ولكن درس الأحوال والتقلبات الاقتصادية وقف المفكرين العصريين على علل كثيرة في النظام الاقتصادي الحاضر.
وعندما نقرأ «برنارد شو» نجد أنه يمثل روح العصر في هذا التزعزع الذي يشمل كل شيء تقريبا، فقد تزعزع إيماننا بأشياء كثيرة، ووهنت عقائدنا أو انمحت، ولكنا لم نضع مكانها إيمانا جديدا. وهذا الجهد الذي نراه عند كثير من العلماء مثل «برجسون» في القول بالبصيرة بدلا من العقل، أو عند «جيمس جينز» في القول بأنه يشرف على الكون عقل رياضي عظيم؛ كل هذه المحاولات لإيجاد إيمان جديد إنما هي برهان على تزعزع العقائد القديمة ورغبة النفس الجامحة إلى الاستناد إلى شيء لأنها لا تطيق الخواء.
Página desconocida