وكتب إليه -رحمة الله عليه-: احذر يا أمير المؤمنين أن تكون فيما ملكك الله من أمر عباده كعبد ائتمنه مولاه، واستحفظه ماله وعياله، فبذر المال، وسرح العيال، وأفقر أهله، وأتلف ماله.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الله -جل ثناؤه- أمر أنبياءه أن يزجروا عباده عن الخبائث، وينهوهم عن الفواحش، فكثرت بهم إذا من قبلهم من جميل الفيض لهم.
اذكر يا أمير المؤمنين قلة أشياعك عند ربك، وأنصارك عليه يوم حشرك، فتزود ليوم الفزع الأكبر.
واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذي أنت فيه، وبه يطول مقامك، وعنه يفارقك أحباؤك، يلقونك فيه وحيدا، ويسلمونك إليه فريدا، فتزود يا أمير المؤمنين ليوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، واذكر إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور، يوم تكون الأسرار ظاهرة، وقد نشر الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فاعمل الآن وأنت في مهل قبل حلول الأجل، وانقطاع العمل، واحذر يا أمير المؤمنين أن تحكم في عباد الله بحكم الجاهلين، أو تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين؛ فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ولى ظالما، أو أعانه، فقد ولى الإسلام ظهره))، فاتق الله أن تبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، ولا يغرنك قوم يتنعمون ببؤسك، ويأكلون الطيبات بذهاب طيباتك، ولا تنظر يا أمير المؤمنين إلى قدرك اليوم، وانظر إلى قدرك غدا، وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الرب، في مجمع من الملائكة والرسل، وقد عنت الوجوه للحي القيوم.
Página 113