أيها الناس! إن لله عبادا قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأنفسهم عفيفة، وجوانحهم خفيفة، صبروا الأيام القلائل؛ لما رجوا في الدهور الأطاول، أما الليل، فقائمون على أقدامهم، يتضرعون إلى ربهم، ويسعون في فكاك رقابهم، تجري من الخشية دموعهم، وتخفق من الخوف قلوبهم، وأما النهار، فحكماء علماء أتقياء أخفياء، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تخالهم من الخشية مرضى، وما بهم مرض، ولكنهم خولطوا بذكر النار وأهوالها، لهم -والله- كانوا فيما أحل لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم، وكانوا أبصر بقلوبهم لدينهم منكم لدنياكم بأبصاركم، ولهم كانوا بحسناتهم أن ترد عليهم أخوف منكم أن تعذبوا على سيئاتكم، {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}.
وكان يقول: ابن آدم! لا يغرنك من حولك من هذه السباع العادية: ابنك، وحليلتك وخادمك وكلالتك: أما ابنك، فمثل الأسد ينازعك ما بين يديك، وأما حليلتك فمثل الكلبة في الهرير والبصبصة؛ وأما خادمك فمثل الثعلب في الحيلة والسرقة؛ وأما كلالتك، فوالله لدرهم يصل إليهم بعد موتك أحب إليهم من أن لو كنت أعتقت رقبة، فإياك أن توقر ظهرك بصلاحهم؛ فإنما لك منهم أيامك القلائل، وإذا وضعوك في قبرك، انصرفوا عنك، فصرفوا بعدك الثياب، وضربوا الدفوف، وضحكوا القهقهة، وأنت تحاسب بما في أيديهم، فقدم لنفسك {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد}.
Página 124