حسنك وجمالك، بهذا الشقاء؟ فنظر إلي نظر متعجب، ثم قال: شقائي بهذا، أعزك الله، أحلى طعما وأحمد عاقبة، في الأولى والآخرة، من تنعمك. فقلت: وما الدليل على قولك؟ قال: لأنك تذل، ولا أذل.
وتخدم ولا أخدم. وتطمع ولا أطمع. وأغدو وأروح خلي البال قليل الاشتغال، وصاحب السرير -
فضلا عنك - في الأهوال. ثم قام فكتب على ساج العبارة بالقلم الذي كان في يده هاذين البيتين:
أساءل عن حالي ويرثى لمنظري حبيبي، وهذا في هواك قليل
سأصبر حتى ترعوي وترق لي وينهج من طرق الوصال سبيل
ومضى وتركني، فقمت إلى موضع الكتابة وقرأت الشعر وحفظته وعلمت أنه شاب عاشق غريب
متأدب.
حدثني أبو الفضل بن أبي نوح الكاتب قال: كنت بالبصرة، وقد وردها أبو محمد الحسن بن محمد
المهلبي، في أيام وزارته. فنزل بمسماران وأقام أياما، ثم ارتحل نحو الأهواز. فدخلت البيت الذيكان فيه، فرأيت بخطه مكتوبا على حائطه:
أحن إلى بغداد شوقا وإنما أحن إلى إلف بها لي شائق
مقيم بأرض غبت عنها وبدعة إقامة معشوق ورحلة عاشق
وحدثني أبو الحسن علي بن الكلواذي المعروف بليلى قال: حدثني جحظة قال: خرجت إلى البردان
مع قوم من أهل بغداد دعوني إليها، فلما صرنا بها خرجنا نتنزه في بساتينها. فرأيت على حائط
مجلس في بعض تلك البساتين مكتوبا: حضر فلان بن فلان في سنة كذا وكذا وهو يقول: هربت من
اضطراب أمري، وضيق صدري، فأقمت بهذا الموضع شهرا، وارتحلت عنه قسرا .
وشربت في حاناته ورياضه مع كل أهيف كالقضيب الذابل
من قهوة مسكية ذهبية مما يعتقه التجار ببابل
ونعمت ليلي بالعناق وغيره وفعلت فعل الفاتك المتجاهل
مهما ركبت من الأمور فلن ترى أشهى وأحلى من ركوب الباطل
وقرأت في كتاب صنفه القاضي أبو الحسين عمر بن محمد بن يوسف سماه كتاب الفرج بعد الشدة.
Página 25