قال: وقرأت على مسجد قد سد بابه وانهدمت مواجبه: أفنى جميعهم وبدد شملهم ملك تفرد بالبقاء عزيز
وقال: قرأت على حائط بستان بنواحي الرقة:
كيف يصفو سرور من ليس يدري أي وقت يفجأه ريب المنون
ويقال إنه قرئ على باب خربة:
أرى كل مغرور يحدث نفسه إذا ما مضى عام سلامة قابل
وحدثني أبو بكر محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن الفضل النحوي، قال: حدثني
بعض بني حمدون عن شيوخه قال: كنت مع المتوكل لما شخص إلى الشام، فلما صرنا بحمص قال
أريد أن أطوف كنائس الرهبان كلها، والموضع المعروف بالفراديس إذا وصلنا إليها فإني كنت أسمع
بطيب هذا الموضع. فقلت: الرأي ما رآه أمير المؤمنين. ثم إنا أنزلنا منزلا بين كنائس عظيمة وآثار
قديمة، ترتاح النفوس إليها، ويشتهي من ينزلها ألا يرتحل عنها. فلما استراح من نصب الركوب
استدعاني وقال: هل لك في التطواف؟ قلت: كما أمر أمير المؤمنين. فأخذ بيدي، ولم يزل يستقري
تلك الكنائس والديارات، ويشاهد فيها من عجائب الصور وفاخر الآلة، ويرى من أحداث الرهبان
وبنات القسيسين وجوها كأنها أقمار على غصون، تتثنى في تلك الأروقة والصحون. وكلما مر بنا
شيء من ذلك يقول لي: ترى ويحك ما نحن فيه؟ ما شاهدت مثل هذا قط. ثم خلونا براهب من قوام
الكنيسة، فلم يزل المتوكل يسأله عن حال كل جارية وغلام يمر به، واسمه ونسبه، وهو يمشي، إذا
لمح كتابة على حائط الكنيسة، فقربنا من ذلك فإذا هو: حضر الغريب المشرد الحريب وهو يقول: شتت شملي بعد الألفة، وشقي جسمي بعد الكلفة، ومشيت
من العراق إلى هذا الرواق، وارتحلت عنه في ذي الحجة من سنة إحدى ومائتين، وأنا أقول:
آل أمري إلى أخس الأمور وتبدلت كربة بسرور
Página 19