Literatura Infantil: Una Introducción Muy Corta
أدب الأطفال: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
شكر وتقدير
مقدمة: ما هو أدب الأطفال؟
1 - دراسة تاريخية موجزة عن النشر للأطفال باللغة الإنجليزية
2 - لماذا تدرس كتب الأطفال وكيف؟
3 - تحويل نصوص الطفولة
4 - الأجناس الأدبية والأجيال: القصة العائلية مثالا
5 - رؤى للمستقبل
6 - الجدل الأخلاقي في أدب الأطفال
مراجع وقراءات إضافية
شكر وتقدير
Página desconocida
مقدمة: ما هو أدب الأطفال؟
1 - دراسة تاريخية موجزة عن النشر للأطفال باللغة الإنجليزية
2 - لماذا تدرس كتب الأطفال وكيف؟
3 - تحويل نصوص الطفولة
4 - الأجناس الأدبية والأجيال: القصة العائلية مثالا
5 - رؤى للمستقبل
6 - الجدل الأخلاقي في أدب الأطفال
مراجع وقراءات إضافية
أدب الأطفال
أدب الأطفال
Página desconocida
مقدمة قصيرة جدا
تأليف
كيمبرلي رينولدز
ترجمة
ياسر حسن
مراجعة
هبة نجيب مغربي
إلى أمي وإخوتي الذين يشاركونني تقديري لكتب الأطفال، وإحياء لذكرى كوليت التي أرشدتني إلى بعض من أفضل تلك الكتب.
شكر وتقدير
إن هذا الكتاب لهو نتاج سنوات من التدريس وإجراء المحادثات مع طلبة وزملاء كثر، حتى إنه لا يتسع المجال لذكر كل منهم على حدة، لكنني أتمنى أن يتعرفوا على أنفسهم بين سطور هذا الكتاب. ومع ذلك، لا بد لي من ذكر أربعة أشخاص بأعينهم. فكما هو الحال دائما، كان بيتر هانت وبيتر رينولدز ونيكولاس تاكر أوائل قرائي، وإنني أكن لكم تقديرا عميقا على صبركم ومثابرتكم. كذلك قرأت هازل شيكي مسودات الكتاب وأبدت تعليقاتها عليها. وقد أعطتني كلية الآداب واللغة واللغويات الإنجليزية بجامعة نيوكاسل إجازة من العمل لكي أؤلف هذا الكتاب؛ ولذلك فأنا ممتنة لها للغاية، ولمحررتي بمطبعة جامعة أكسفورد آندريا كيجان التي طلبت مني تأليف الكتاب وانتظرته: شكرا لك. كما أقدم جزيل الشكر لإيما مارشانت التي عالجت التفاصيل الدقيقة ببراعة مدهشة.
Página desconocida
مقدمة: ما هو أدب الأطفال؟
يتمتع مصطلح «أدب الأطفال» - خارج الدوائر الأكاديمية - بمعنى شائع وبسيط إلى حد كبير؛ فمن الصحف ووسائل الإعلام الأخرى إلى المدارس والوثائق الحكومية، من المفهوم أن المصطلح يشير إلى المواد التي تكتب لكي يقرأها الأطفال والشباب، وينشرها ناشرو كتب الأطفال، وتعرض وتخزن في الأقسام الخاصة بكتب الأطفال و/أو اليافعين بالمكتبات العامة ومتاجر بيع الكتب. ومن وقت لآخر، تطرح أسئلة بشأن ملاءمة مادة ما لجمهور من صغار السن من عدمها، وهو سؤال عادة ما تدفعه مخاوف بشأن المحتوى: هل يحتوي على إيحاءات جنسية واضحة؟ هل هو مرعب؟ هل يتسم بالغموض الأخلاقي؟ وفي بعض الأحيان الأخرى، تعكس الأسئلة حول مدى ملاءمة النص مخاوف من الأسلوب: هل تتعارض اللغة العامية، أو غير السليمة نحويا، أو أسلوب الكتابة الذي يتضمن سبابا أو لغة بذيئة، أو الكتابة التجريبية مع الدروس التي يتلقونها في المدرسة أو ترسخ لعادات سيئة؟ ومؤخرا - وحيث إن عددا كبيرا من الكبار صاروا يقرءون كتبا نشرت في الأصل كأدب أطفال (سلسلة كتب «هاري بوتر»، وثلاثية «مواده المظلمة»، ورواية «الحادثة الغريبة للكلب ليلا»، ورواية «سارقة الكتب»، ورواية «برسبوليس») - ظهر بعض الجدل حول ملاءمة هذه الكتب للكبار، أو حول ما إذا كان هذا النوع من القراءة هو أحد أعراض تسطيح الثقافة. ولكن بوجه عام، تعد ماهية أدب الأطفال شيئا مسلما به.
وعلى النقيض، فإن هذا المصطلح - بالنسبة لمن يبحثون في أدب الأطفال ويدرسونه - مليء بالتعقيدات، وبالفعل، ففي واحدة من أكثر الدراسات المثيرة للجدل عن أدب الأطفال في القرن الماضي، أشارت جاكلين روز (1984) إلى «استحالة» أدب الأطفال. كانت روز في الواقع تشير إلى طبيعة العلاقة بين الكبار والأطفال في قصص الأطفال، وسوف نتناول مخاوفها، إلى جانب غيرها من القضايا ذات الطابع النظري الأعمق التي تضفي التعقيد على دراسة أدب الأطفال في
الفصل الثاني . لكن من العديد من الجوانب - حتى على المستوى العملي - فإن أدب الأطفال يعد «مستحيلا»؛ فهو شديد الاتساع وغير متبلور بشكل يجعل من المستحيل حصره في مجال دراسة. وفي الحقيقة، لا يوجد إنتاج أدبي محدد لما يطلق عليه «أدب الأطفال»، تماما مثلما لا يوجد شيء يمكن أن يطلق عليه «أدب الكبار»، كما أن مجالي النشر هذين ليسا منفصلين بالقدر الذي يوحي به اسماهما. فكلاهما يعكس أفكارا عن غرض الكتابة وطبيعتها وأساليبها في أي لحظة؛ وهما يتشاركان في التكنولوجيا ونظام التوزيع، فغالبا ما يكون منتجو الأعمال المخصصة للكبار هم أنفسهم من ينتجون أعمالا مخصصة للأطفال، بل وبعض النصوص تكون واحدة. ومع ذلك، فإن مصطلح «أدب الأطفال» يستخدم على نطاق واسع؛ ولذلك فلا بد من فهم كيفية استخدامه قبل الشروع في مناقشته.
في الوقت الحالي، كل شيء بدءا من القصص الشعبية والخيالية، والخرافات والأساطير، والمواويل القصصية وأغاني الأطفال - التي يرجع تاريخ الكثير منها إلى عصور ما قبل الكتابة - ووصولا إلى طرق التجسيد في عصر النقل الحرفي الذي نعيشه - مثل الكتب الإلكترونية والروايات التي يؤلفها المعجبون بالأعمال الأدبية الأخرى حول بعض شخصياتها، وألعاب الكمبيوتر - ربما يندرج تحت مظلة أدب الأطفال. علاوة على ذلك، فإن أدب الأطفال - كمجال للبحث والتدريس - يشمل كل الأجناس الأدبية، والصيغ، والوسائط، وكل فترات الكتابة، وأنواعها، والحركات الأدبية من أي بقعة من العالم، وما يرتبط بذلك غالبا من المطبوعات المؤقتة والسلع أيضا. وهو يشير إلى الأعمال التي وجهت تحديدا لصغار السن، وإلى الأعمال التي باتت تعتبر أدبا للأطفال من خلال تخصيصها لصغار القراء، وإلى الأعمال التي كان الأطفال يقرءونها فيما مضى واقتصرت قراءتها الآن على دارسي الأدب. ويتناول
الفصل الثاني
عواقب هذا التنوع على الطريقة التي يدرس بها أدب الأطفال؛ وهنا من المهم أن نؤكد أنه لا يوجد نتاج أدبي واحد ومترابط ومحدد يشكل أدب الأطفال، ولكن بدلا من ذلك يوجد العديد من أعمال أدب الأطفال التي تم إنتاجها في فترات مختلفة، وبطرق مختلفة، ولأغراض مختلفة، وعلى يد ألوان مختلفة من الناس باستخدام صيغ ووسائط مختلفة.
وعلى الرغم من هذا التنوع، فإن ثمة إجماعا كبيرا حول ما يدرسه أولئك الذين يعملون في هذا المجال، ويتمثل أحد أغراض هذه «المقدمة القصيرة جدا» في تحديد بعض الافتراضات الشائعة بخصوص ماهية أدب الأطفال كمجال للبحث والتدريس. ويمكن الإلمام بنطاق المواد المصنفة على أنها أدب للأطفال - ومن ثم إدراك استحالة تقدير أدب الأطفال حق قدره في تلك النوعيات من الدراسات التي عادة ما تشكل مقدمات إلى هذا المجال - من خلال النظر إلى كيفية تنظيم الدراسات التاريخية للموضوع، ودراسة ما صنف على أنه كتابة للأطفال، وكيف تغير ذلك عبر الزمن. وتوجد مشكلات جوهرية متعددة في اتباع منهج تاريخي في تناول القضية، أبرزها حقيقة أن هناك مخاطرة تتمثل في الإشارة إلى وجود تطور تدريجي بلغ ذروته بتفهم أدب الأطفال وإنتاجه بصورته الحالية. ومن الصعب تجنب هذا الانطباع عند ترتيب المادة الأدبية في تسلسل زمني، ولكن الدراسة التاريخية التي يقدمها
الفصل الأول
تحاول على الأقل تقييد هذا المعنى الضمني من خلال تقديم المادة الأدبية من حيث التغيير والاستمرارية، وليس من ناحية التطور.
Página desconocida
ثمة نقطة أخرى يجب أن نضعها في اعتبارنا وهي أنه حتى وقت قريب، كانت الدراسات التاريخية لأدب الأطفال تكاد تكون مقصورة في كتابتها وما تتناوله على تلك الدول الغربية التي ترسخت لديها عادة النشر للأطفال، وعادة ما كان الدارسون وجامعو الكتب وأمناء المكتبات والمتحمسون من أبناء تلك البلدان هم من ينظمون المؤتمرات، ويطلقون الصحف، بل ويصيغون المصطلحات الفنية من أجل مناقشة النصوص الموجهة للأطفال. وقد شكل هذا الإرث محاولات لتوصيف أدب الأطفال، وما ضمن في الدراسات التاريخية لهذا الجنس الأدبي، وكيف يقيمه الدارسون ويتناولونه، لدرجة أنه في الكثير من البلدان التي يدرس بها أدب الأطفال، عادة ما تكون الأعمال الأدبية من بريطانيا، وبقية أجزاء أوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية هي المسيطرة. وهذا الأمر يحجب التقاليد الأدبية الأخرى وإلى أي مدى تم إثراء أدب الأطفال الغربي من خلال قصص، وشخصيات، ومؤلفين ورسامين من أجزاء مختلفة من العالم. وقد زادت العولمة واستخدام الإنترنت من ميل هذه النزعة لصالح المطبوعات الصادرة عن الناطقين بالإنجليزية. وهكذا، بينما شوهت هذه النزعة الحقائق حول تاريخ أدب الأطفال شر تشويه من ناحية، فإن الدراسة التاريخية الموجزة المبينة في
الفصل الأول
مبنية على الأعمال المنشورة باللغة الإنجليزية، حتى وإن كانت هذه الأعمال قد كتبت أول ما كتبت بلغة أخرى. وفي الواقع، قبل مرحلة العولمة الحالية بأمد بعيد، وكنتيجة للهجرة أو الاستعمار أو أنشطة التبشير والتجارة، أو الاحتلال، كان هناك قدر كبير من الشيوع فيما يقرؤه الأطفال في كثير من أرجاء العالم؛ ومن ثم، فسوف يكون لهذه الدراسة التاريخية التي يغلب عليها الطابع الأنجلو-أمريكي في مجملها تشابه كبير مع الدراسات التاريخية لأدب الأطفال في العديد من البلاد.
القيمة الثقافية لأدب الأطفال
نظرا لأن أدب الأطفال هو إحدى الطرق المبكرة التي يواجه من خلالها الصغار القصص، فإنه يلعب دورا مؤثرا في تشكيل كيفية تفكيرنا في العالم وفهمنا له؛ فالقصص تعد مصادر رئيسية للصور والمفردات والسلوكيات والتركيبات والتفسيرات التي نحتاج إليها لكي نتأمل التجربة؛ وذلك لأنه عندما توجه القصص للأطفال، فغالبا ما يكون لها ارتباط وثيق بنوع أو بآخر من أنواع التعليم، وبإمكانها أن تكون ناقلا مهما للمعلومات المتعلقة بالتغييرات الثقافية في الماضي والحاضر. وبالفعل فإن تاريخ هذه القصص الطويل وحقيقة أن الكتابة للأطفال تمتد عبر الثقافات النخبوية والجماهيرية، والرسمية وغير الرسمية، والمنزلية والمؤسسية، وعادة ما تشتمل على عناصر بصرية؛ يعنيان أن المواد الموجهة للأطفال يمكن أن تكون مصدرا قيما بشكل خاص للمعلومات التاريخية عن كل شيء، بدءا مما كان يبدو عليه الأطفال في الماضي والظروف البيئية التي عاشوا فيها، إلى المتاجر والخدم ومعالجة الأمراض والدين والحروب والهجرة والتطور العلمي والاستكشافات، وأكثر من ذلك بكثير.
وتعمل حلقات وصل أدب الأطفال بالماضي على مستويات عدة أيضا، فمثلما أن فترة الطفولة التي عشناها لا تزال بداخلنا ولا يزال ذلك الطفل الصغير يؤثر علينا، فإن صدى الكتابات الموجهة للأطفال يتردد عبر الزمن، كما أنها تربط بالطريقة التي يجري من خلالها فهم المجتمعات وتنظيمها وإدارتها. وهذه ليست عملية مباشرة؛ فالأفكار التقليدية ربما تحفظ في النصوص المبكرة، أو يعاد طرحها عمدا في الأعمال المعاصرة المحافظة، أو تخلد بلا وعي في تلك الأعمال التي تمثل مرآة غير انتقادية للاتجاهات الاجتماعية الحالية. وفي الوقت نفسه، فإن الكثير من القصص التي تقدم للأطفال اليوم عبارة عن إعادات روائية لقصص تقليدية أراد الكتاب والرسامون من خلالها كشف التصور الداخلي الذي نفسر من خلاله العالم ونقده وتعديله. والحوار الذي يخلقونه بين طرق التفكير القديمة والحديثة قد يكون طريقة أخرى لغرس بذور التغيير الاجتماعي ورعايتها، مثلما رأينا في الطريقة التي أسهم بها أدب الأطفال في التطورات التي طرأت على مجالي المساواة والتنوع. وهذه القدرة كانت لها أهمية خاصة لدى والتر بنجامين، الذي جمع كتب الأطفال وأجل إمكانية الكتابة للصغار في جعل الأجيال الصاعدة أكثر رغبة في التعرف على السياسات والأفكار الجديدة والمختلفة؛ مما يشجعهم على مقاومة أساليب التفكير التقليدية التي يروجها التعليم الرسمي. وسواء أكانت الكتابة للأطفال مجددة أم محافظة، قيمة أم خادعة، فإنها تعد مصدرا ثريا للمعلومات المتعلقة بالثقافة لطالما أبخس قدره، كما أنها إسهام للثقافة.
الفصل الأول
دراسة تاريخية موجزة عن النشر للأطفال باللغة
الإنجليزية
البدايات
Página desconocida
على الرغم من أن «خرافات أيسوب» - التي ترجمت ونشرت على يد ويليام كاكستون عام 1484 - عادة ما كانت تدرج بموضع ما في الدراسات التاريخية لأدب الأطفال حتى نهاية القرن المنصرم، فإن الدراسات التاريخية عن الكتابة للأطفال غالبا ما بدأت في القرن السابع عشر بنماذج من أعمال بعض المنشقين عن الكنيسة، والتي عادة ما تبدأ بكتاب «العالم المرئي بالصور» الذي ألفه الإصلاحي التربوي التشيكي جون آموس كومينيوس. وقد أتيحت نسخة باللغة الإنجليزية لكتاب «العالم المرئي بالصور» - والذي كتب باللغة الألمانية عام 1658 - في العام التالي في طبعة ظلت تنشر حتى القرن التاسع عشر، بما فيها نسخة منقحة الصور نشرت في الولايات المتحدة عام 1810. ويكشف تاريخ هذا الكتاب الصغير - الذي لا يتعدى حجمه 142 × 83 ملليمترا (ما يقرب من 6 × 3 بوصات) - الكثير عن تاريخ الكتابة للأطفال، ولا سيما كيف أنه - قبل وقت طويل من عصر الاتصالات الفورية والعولمة - كانت بعض كتب الأطفال تنتقل بسرعة بين البلدان. وقد ترجم كتاب «العالم المرئي بالصور» إلى العديد من اللغات الأوروبية. وفي كل الطبعات، يبدأ الكتاب بالأبجدية، ثم يسعى - من خلال مزيج من الكلمات والصور - إلى تمثيل كل شيء في العالم، بداية من المخلوقات والنباتات، وحتى المفاهيم المجردة مثل الثالوث القدوس.
شكل 1-1: يعتبر نص كومينيوس التعليمي مزدوج اللغة (اللاتينية + لغة أخرى) أيضا كتابا مصورا طموحا يحاول أن يقدم صورة تمثل كل اسم يذكره، مهما كان ذلك الاسم مجردا، وهو يهدف لتعليم الأطفال من خلال تسليتهم.
1
ويجسد كتاب «العالم المرئي بالصور» عدة خصائص للكتابة المبكرة للأطفال، بداية من افتراضاته بشأن السن، فكومينيوس كان يكتب من أجل الأطفال الصغار؛ أي الأطفال تحت سن السادسة، ويتعلمون القراءة بلغتهم الأصلية، وبعدها - بداية من سن السادسة - يتعلمون القراءة باللغة اللاتينية (فكانت نصوص الكتاب مكتوبة باللغة المحلية واللغة اللاتينية معا). وبينما كان صغر سن القارئ المقصود سمة مميزة لأدب الأطفال عبر تاريخه منذ أيام كومينيوس، فإن الطفولة كمرحلة من مراحل الحياة قد توسعت باطراد لدرجة أن بعض الأعمال الحديثة التي أصدرتها دور نشر كتب الأطفال تستهدف «اليافعين» الذين هم في سن الثامنة عشرة. ومع ذلك فحتى نهاية القرن التاسع عشر، كانت كتب الأطفال موجهة للأطفال قبل مرحلة البلوغ، والذين عادة ما كانوا إما على أعتاب بدء تعليمهم، أو في المراحل المبكرة منه. وبعد تعلم القراءة، كان الأطفال في معظم الحالات يتشاركون النصوص مع الكبار، الذين غالبا ما تكون مهارات القراءة لديهم على نفس المستوى تقريبا. فعلى سبيل المثال، كان بإمكان كل من الصغار والكبار قراءة كتيبات الحكايات والأشعار، وهي كتيبات صغيرة الحجم رخيصة الإنتاج، بدأت في الظهور في القرن السادس عشر. فمن خلال نصوصها البسيطة (التي عادة ما تستند إلى الحكايات الشهيرة، والقصائد القصصية، وما شابهها من مواد شعبية) والرسوم بالقوالب الخشبية، جذبت كتيبات الحكايات والأشعار القراء الصغار، بالرغم من أن نماذجها المؤلفة خصوصا للأطفال لم تبدأ في الظهور حتى القرن الثامن عشر.
وكان المقصود من كتاب «العالم المرئي بالصور» أن يكون أداة تعليمية، وهناك جدال قوي يدور عبر تاريخ أدب الأطفال بين النظريات التعليمية والكتابة للأطفال، رغم أنه من الشائع الآن التمييز بين الكتب المعلوماتية/التعليمية - مثل كتاب كومينيوس - والأدب القصصي الذي أصبح الآن القوة المسيطرة في عالم أدب الأطفال. ومع ذلك، فعندما نتتبع أصول أدب الأطفال، فإن الدراسات التاريخية عادة ما تشمل كل أشكال الكتابة المخصصة للأطفال، وتعتبر كتاب «العالم المرئي بالصور» كعلامة فارقة. وعلى غرار كتاب «العالم المرئي بالصور»، فإن معظم الكتابات المخصصة للأطفال في القرن السابع عشر كانت مستلهمة من مجموعة من المنشقين عن الكنيسة، والذين غالبا ما يشار إليهم باسم «البيوريتانيين»؛ ولهذا، فإن تلك الكتابات كانت تسعى - إلى جانب تعليم الأطفال القراءة - إلى تعليمهم كيف يعيشون حياة صالحة، ويبتغون النعيم الإلهي، ويحاولون اجتناب عذاب الجحيم. وأحد الأمثلة النموذجية لهذا النوع من الكتابة التي نشأت في إنجلترا هو كتاب جيمس جانواي «دليل للأطفال» (1671-1672)، والذي يعتبر في مضمونه شهادة حية على «الهداية، والحيوات المقدسة والنموذجية، والميتات السعيدة لعدد من الأطفال الصغار»، مثلما يبين العنوان الفرعي للكتاب.
ويعد مجلد جانواي - الذي اشتهر بإنجلترا والولايات المتحدة (في نسخة موسعة كتبها كوتون ماثر ونشرت عام 1700) لفترة تجاوزت المائتي عام، وأعيد طبعه على نحو منتظم، وكذلك زاد حجمه وأعيدت صياغته - علامة بارزة ومفيدة في أي تسجيل لنشأة وتطور أدب الأطفال؛ فهو يخاطب صغار القراء بشكل واضح (رغم أنه يفترض كذلك أن الكبار سوف يشتركون في عملية قراءة الكتاب، مثلما يتضح من الخطاب الافتتاحي الموجه للوالدين ولكل المشتركين في عملية تعليم الأطفال)، ويقدم نطاقا من الأفكار والرؤى الثاقبة حول كيفية فهم المجتمع للأطفال والطفولة في بدايات إنجلترا الحديثة. ومن خلال محتوى كتاب «دليل للأطفال» التعليمي الصريح، وأسلوبه التدريسي، وافتراضه بأن الأطفال يولدون مذنبين، يشير الكتاب إلى العلاقة بين تأسيس مرحلة الطفولة في أي فترة زمنية وتاريخ الكتابة للأطفال؛ فقد أصبحت هذه العلاقة من مواضع الاهتمام الرئيسية في دراسة أدب الأطفال. وكثيرا ما تستخدم النصوص البيوريتانية أيضا لدعم وجهة النظر القائلة بأن تاريخ أدب الأطفال هو تاريخ قد انتقل من الاقتناع بأن الكتابة للأطفال يجب أن تركز على توجيه قرائها نحو الطريقة التي يجب أن يتصرفوا بها، والأفكار التي يجب أن يؤمنوا بها، إلى الرغبة في تسليتهم. ورغم أن هذا التفسير لتطور أدب الأطفال قد ظل غير مختلف عليه لعقود طويلة، فقد أصبح الآن يعتبر تفسيرا منقوصا؛ وذلك لأن الكثير من كتاب الأطفال المبكرين قد فهموا الحاجة لاستخدام «شبكة العنكبوت من أجل اصطياد الذباب»؛ فجعلوا نقل الرسالة التعليمية داخل الكتابة أكثر جذبا من خلال استخدام شخصيات الأطفال، والقصائد الشعرية، والأحاجي، والألغاز، والحوارات الدرامية، والإشارات إلى ألعاب الأطفال. إن المصادر الرقمية الجديدة والمتعددة، والتي تتيح الوصول بسهولة للنصوص المنشورة قبل عام 1900 عبر شبكة الإنترنت، تسهل على أي شخص مهتم بهذا النقاش أن يطلع على عينة واسعة مما نشر للأطفال قبل عام 1900، وأن يتحقق إلى أي مدى كان التعليم والتسلية متضافرين إلى حد كبير.
أحد الأسباب التي تجعل الدراسات التاريخية الأولى لأدب الأطفال عادة ما تبدأ في القرن السابع عشر، هو أنه بحلول ذلك الوقت كانت المواد المخصصة للأطفال قد صارت تطبع بهدف التوزيع العام بدلا من أن تكتب بخط اليد من أجل الاستخدام الخاص، أو تستخلص من الكتابات المخصصة للكبار؛ وهذا رسخ هذه الكتابات كجزء من ثقافة الطباعة، وغالبا ما مثل الاهتمام بتاريخ المواد المطبوعة نقطة انطلاقة للدراسات التاريخية المبكرة لكتب الأطفال. ونظرا لأن المواد التي كانت تؤلف للأطفال كانت قليلة نسبيا - كما رأينا في حالة كومينيوس وجانواي - فقد بقيت الأعمال الشهيرة تطبع لفترات طويلة، وغالبا في مجموعة متنوعة من الصيغ المزينة بالرسوم، وكثيرا ما كانت تظهر في مجموعات الكتب والمذكرات. فعلى سبيل المثال، يتذكر تشارلز لامب - الذي ولد في عام 1775 - أنه كان يحب «كتابا عظيما عن الشهداء»، هو («كتاب فوكس عن الشهداء» الذي نشر للمرة الأولى عام 1554، وترجم للإنجليزية في عام 1563). إن التاريخ الطويل والمتنوع لهذه الأعمال يجعلها دراسات حالة مثيرة للاهتمام من أكثر من منظور؛ فمن الممكن استخدامها لاستكشاف تقنيات الطباعة والتسويق، والأفكار المتغيرة عن الطفولة والتعليم، والجدال السائد بخصوص الدين والسياسة والنوع والعلم وتجربة الحياة اليومية، وغير ذلك الكثير من الموضوعات. ومع ازدياد الاهتمام بالدراسات التاريخية عن الطفولة والكتب وأدب الأطفال، صارت هناك مواد جديدة تدرس؛ لأنه أصبح من الواضح أن الكتابة للأطفال قد بدأت قبل جيمس جانواي ومعاصريه بوقت طويل.
أدب الأطفال في العصور القديمة والوسطى
يشتمل كتاب «تاريخ أدب الأطفال» الذي ألفه سيث ليرر عام 2008 على مناقشة لنصوص إغريقية، ورومانية، وقروسطية قدمت للأطفال. ويوضح ليرر أنه في كل من تلك الفترات، رسخت التقاليد التي كان لها تأثير مستمر - ولكن غير معترف به لوقت طويل - على أدب الأطفال (كانت المواد التي ناقشها ليرر مكتوبة باللغة اللاتينية، ولكن كما رأينا في كتاب «العالم المرئي بالصور»، فإن اللغة اللاتينية ظلت على مدار قرون لغة أساسية في التعليم؛ ومن ثم فإن تلك الأعمال أثرت على النصوص التي كتبت وقرئت باللغة الإنجليزية). على سبيل المثال، كان أطفال الإغريق والرومان يتعلمون مهارات المواطنة، وسمات البطولة، وتعقيدات الأخلاق والفضيلة، والسلوكيات الملائمة للجنسين، وذلك من خلال تعلم ترديد مقاطع من نصوص تشمل «خرافات أيسوب» و«الإلياذة» و«الإنياذة». وبينما كان ما يتعلمونه عبارة عن فقرات مأخوذة من نصوص موجودة بالفعل مخصصة للجمهور العام، وليس نصوصا مكتوبة خصوصا للأطفال، فإن الطريقة التي عدلت بها تلك النصوص لكي تلائم احتياجات واهتمامات الأطفال تضع هذه الأعمال داخل نطاق أدب الأطفال. على سبيل المثال، كانت المقتطفات تختار وفقا لملاءمتها للأطفال، وتعدل لكي تناسب قدراتهم وتصبح أكثر جاذبية من خلال توظيف عناصر كالقافية الشعرية، وإدراج رسوم توضيحية. أثناء العصور الوسطى في إنجلترا وعبر أوروبا، كانت هذه الخصائص تستخدم في الكتابة خصوصا للأطفال، بدءا من كتاب «مرآة للأمراء» بما يحتويه من دروس للملوك، ومرورا بتوجيه الصبية المتمرنين على المهن، ووصولا إلى النصح المقدم للأطفال الذين يربون في الأديرة والذين يتعلمون فضائل حياة التعبد. ويقترح ليرر أنه من رحم هذه الخصائص ولدت الكثير من الأساليب الأدبية التي تستمر في الظهور داخل الكتابات المخصصة للأطفال.
وتكشف المناطق الجديدة للدراسات الأدبية عن أمثلة جديدة للكتابة للأطفال؛ مما يغير بدقة علامات بارزة وراسخة في تاريخ أدب الأطفال. فعلى سبيل المثال، كانت الدراسات التاريخية لأدب الأطفال تحتفي - على نحو تقليدي - بانطلاق النشر التجاري من أجل الأطفال في القرن الثامن عشر على أنها اللحظة التي شهدت ميلاد أدب الأطفال كما نعرفه اليوم. وعلى الرغم من أن حقيقة أن إمكانية بيع المواد المطبوعة بمختلف أنواعها للأطفال قد استثمرت للمرة الأولى من قبل أصحاب المطابع الناشرين بالقرن الثامن عشر تظل صحيحة، فقد أصبح واضحا الآن أن هذا الأمر لم يكن تطورا تلقائيا، وإنما كان جزءا من متسلسلة أدبية ظل فيها الآباء والمعلمون وغيرهم من الكبار المشاركين في تعليم وتثقيف الأطفال يجربون لوقت طويل طرقا لتأليف مواد جذابة ومشوقة لكي يقرأها الأطفال.
Página desconocida
مجال النشر للأطفال: ابتكارات القرن الثامن عشر
كانت إحدى طفرات فهم القوى التي شكلت النشر التجاري للأطفال في القرن الثامن عشر هي الاكتشاف الذي حدث في تسعينيات القرن العشرين، لمجموعة من المواد مكتوبة بخط اليد، كتبتها جان جونسون في أربعينيات القرن الثامن عشر من أجل تعليم أطفالها القراءة. فقد قدمت البطاقات والألعاب والدمى والكتب الشخصية التي صممتها جونسون بإبداع من أجل أطفالها، وجسدت فيها شخصياتهم، دليلا واضحا على وجود تقليد تأليف أدب الأطفال بالمنزل، والذي استوحى الأفكار من النصائح والممارسات التعليمية الحالية، ولكن قام بتعديلها لكي تناسب الاحتياجات الخاصة بأطفال محددين. ولقد أثبتت الأبحاث التي أعقبت الاكتشاف الخاص بجان جونسون أن الناشرين التجاريين لم يخترعوا طرقا جديدة للكتابة للأطفال، ولكنهم كانوا يعدلون الممارسات التي كانت موجودة بأشكال متنوعة منذ عدة قرون. لقد صار واضحا الآن أن الشخصيات الرائدة في مجال الطباعة والنشر، مثل جون نيوبيري (1713-1767)، وماري كوبر (توفيت عام 1761)، وجون هاريس (1756-1846)، وويليام جودوين (1756-1836)؛ كانوا يحاولون استنساخ الرابطة بين مواد القراءة التي تم إنتاجها في المنزل وشخص بالغ مهتم - والذي عادة ما يكون الأم - يقرأ للأطفال ويعلمهم، وذلك بغرض استبدال نسخهم المطبوعة من هذه المواد بالنسخ التي كانت تكتب منزليا. (من المفترض أن معظم المواد المصنوعة في المنزل كانت أقل دقة وأقل عناية من تلك التي كتبتها جان جونسون).
شكل 1-2: «هذه الفتاة لكي تحصل على المال»: واحدة من العديد من البطاقات التي ألفتها جان جونسون من أجل أطفالها في أربعينيات القرن الثامن عشر.
2
على عكس الوالدين، كان أصحاب المطابع الناشرون ينتجون مواد القراءة للأطفال بغرض بيعها، بمعنى أنه كان لا بد لموادهم أن تجذب الكبار الذين كانوا يشترون الكتب والمواد المطبوعة الأخرى وترضيهم مثلما ترضي القراء الأطفال ، وربما قبلهم. وهذا الإحساس بوجود جمهور مشترك من الكبار والأطفال يتضح أيضا في الأعمال المبكرة، والتي من أمثلتها ذلك الخطاب الموجه للآباء، الذي يحثهم على بذل كل الجهد من أجل إنقاذ أطفالهم، والذي افتتح به جيمس جانواي كتابه «دليل للأطفال». وعلى يد محترفي القرن الثامن عشر - أصحاب المطابع والناشرين والرسامين والمدرسين - صارت ممارسة مخاطبة الكبار والأطفال في الوقت نفسه تتم بطريقة مؤسسية. وقد بدأ المشاركون في إنتاج المواد المطبوعة للصغار - ربما من أجل مقاومة آثار مخاطبة الكبار - في تجربة خصائص النصوص الموازية المصممة خصوصا لكي ترسخ فكرة أن أعمالا بعينها مخصصة للأطفال. وقد ركزت هذه التجارب في بعض الأحيان على الحجم، فالكثير من الكتب كانت تتضمن كلمة «صغير» في عناوينها، وكان حجم الكتب بالفعل صغيرا، كما هو الحال مع كتاب «مكتبة ليليبوتيان» (1779) المكون من عشرة مجلدات تبلغ أبعاد كل مجلد منها 99 × 78 ملليمترا (4 × 3 بوصات). ومن بين الطرق الأخرى لابتكار مظهر جذاب للقراء الأصغر سنا استخدام الورقات الأخيرة ذات الألوان المبهجة، واستخدام الألوان والرسومات والقصاصات والتغليف المبتكر، مثل مجموعات الكتب التي تشبه المكتبات المصغرة. وهذه العناصر جعلت عملية التعرف على كتب الأطفال سهلة، ومن خلال ذلك أكدت على فكرة أنه يجب السماح للأطفال بالوصول إلى الكتب بأنفسهم؛ ومن ثم زادت من المبيعات. وكان أسلوب تقديمها يشير إلى أن تلك المواد جيدة ومناسبة للأطفال.
شكل 1-3: الدمج ما بين الحجم المصغر والتقديم التفصيلي - على شكل خزانة كتب ورفوف على طراز مكتبي مليئة بالكتب المصغرة الكاملة - سمة للطاقة الإبداعية التي استخدمت في التسويق للقراء الصغار.
3
وبالطبع كما تتغير الأفكار الخاصة بالطفولة، فإن فهم ماهية الأشياء المناسبة للأطفال وما يستمتع به الأطفال يتغير أيضا؛ بمعنى أنه قد يكون من الصعب على العين المعاصرة أن تدرك جاذبية الكثير من المواد التي كانت رائجة في أيامها. ومع ذلك، فهناك أدلة جوهرية توضح أن الكثير من الكتب التي نشرت في تلك الفترة - بما فيها كتب مثل «رحلة الحاج» الذي كتبه جون بانيان عام 1678، والتي لم تكتب في الأساس للأطفال ولكن أعيد تقديمها من أجلهم - بقيت مفضلة لدى القراء الصغار لفترة طويلة بعد ظهورها لأول مرة. على سبيل المثال، في عام 1862، كتب الكاتب البريطاني جورج كراب لأحد أصدقائه أن ابنته ذات الأعوام الستة كانت متعلقة للغاية بحكاية بانيان لدرجة أن «الطفلة المسكينة قد ضبطتها مربيتها التي كانت نائمة وهي تقرأ في الكتاب في الخامسة من فجر هذا اليوم، وهي لا تطيق صبرا - وهي طبيعتنا نحن البشر - حتى تنتهي من الكتاب الممتع». وبالمثل، فإن شخصيات وتعبيرات كتب الأطفال قد صارت مألوفة للغاية لدرجة أنها دخلت اللغة الشائعة بين الناس وظلت باقية حتى يومنا هذا. ويعد تعبير «الفتاة الطيبة ذات الحذاءين» مثالا لتلك الشخصيات، بينما سيكون من الصعب أن نجد مجموعة مختارة من أشعار الأطفال لا تحتوي على إحدى الأغنيات التي جمعت للمرة الأولى في «كتاب أغاني تومي ثامب الجميلة»، المجلد الثاني (1744)، ومن بينها «باه، باه، العنزة السوداء»، «من الذي قتل الديك روبن؟»، «أيها الفتيان والفتيات، تعالوا لكي نلعب»، «الخنفساء الصغيرة، الخنفساء الصغيرة».
ولكن ما يعتبره الكبار «مناسبا» قد لا يتوافق دائما مع ما يستمتع به الأطفال أو ينتابهم الفضول لقراءته. وإحدى المناطق الأخرى لدراسات أدب الأطفال، والتي تغير من فهم تاريخ الموضوع، هي دراسة كيف قرأ أطفال القرن الثامن عشر المواد التي أعطيت لهم وكيف استجابوا لها، وذلك وفقا للأدلة المستقاة من الملاحظات والرسومات الموجودة على هوامش الكتب، وكذلك معرفة إلى أي مدى كان الأطفال يشتركون في عملية اختيار تلك المواد. إن مقارنة التعليقات والرسومات الموجودة في الكتب التي كانت يوما ما ملكا للأطفال بالصور التي يظهر فيها أطفال يمسكون بكتب بين أيديهم، أو يحاولون خلسة الوصول إلى الكتب التي وضعت بعيدا عن المتناول، يعرفنا عن إلى أي مدى كان الأطفال يستاءون أو يستمتعون بالمواد التي كانت تمنح لهم لكي يقرءوها، وإلى أي مدى كانوا يرغبون في الحصول على ما كانت ممنوعة عنهم قراءته. وهذا النوع من التحليل هو نموذج للطريقة التي يتوسع بها فهم الموضع الملائم لأدب الأطفال في تاريخ القراءة والثقافة المطبوعة والطفولة؛ حيث صار يتوافد على هذا المجال المزيد من الباحثين من خلفيات متنوعة.
وقد وضعت القوى التجارية والتربوية والفلسفية التي شكلت منظومة النشر للأطفال في القرن الثامن عشر ضمن سياق حركة التنوير، بما اتسمت به من التزام تجاه المنطق والتفكير العلمي والتقدم. وبالنسبة للعصور القديمة، فقد اعتبرت الكتابة للأطفال جزءا من تعليمهم لكي يصبحوا مواطنين ذوي فائدة وقيمة كبيرة؛ فكما ساعد أدب الأطفال في تعليم الأطفال القراءة، فقد حذر من الخرافات ومخاطر الإخفاق في اكتساب تعليم شامل. وقد علم أدب الأطفال مبادئ المنطق، وتناول بعض أوجه الظلم في ذلك الوقت مثل العبودية. وبوجه عام، فإن القراء الصغار المعنيين بقراءة نصوص القرن الثامن عشر المخصصة للأطفال كانوا متحررين من وصمة الخطيئة الأصلية التي اتسمت بها كتابات الأطفال في القرن السابع عشر؛ إلا أن الأعمال المخصصة للأطفال كانت تذكر القراء بانتظام بجهلهم وقلة خبرتهم وإمكانية ارتكابهم للأخطاء. وتؤكد قصص كالتي يحتويها كتاب ماريا إدجورث «مساعد الوالد» (1796) على الحاجة إلى اليقظة الدائمة والتوجيه المستمر من جانب الكبار كي يمنعوا الأطفال من الخروج عن الطريق القويم.
Página desconocida
وعلى نحو تقليدي، فقد وصف مؤرخو أدب الأطفال كتابات القرن الثامن عشر بأنها استمرار للتحيز المبكر تجاه التعليم والتوجيه، بينما تقدمت التسلية للصفوف الأمامية فقط على أيدي مجموعة من كتاب ورسامي القرن التاسع عشر، مثل واشنطن إيرفنج (1783-1859)، وناثانيال هوثورن (1804-1864)، وإدوارد لير (1812-1888)، وتشارلز كينجسلي (1819-1875)، ولويزا ماي ألكوت (1832-1888)، ولويس كارول (1832-1898)، ووالتر كرين (1845-1915)، وراندولف كالديكوت (1846-1886)، وكايت جرينواي (1846-1901)، وجويل تشاندلر هاريس (1848-1908)، وهوارد بايل (1853-1911). وقد ظهر الكثير من الأعمال ذات المستوى الأدبي الراقي والجدارة الفنية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى إن تلك الفترة صارت تعرف باسم «العصر الذهبي» لأدب الأطفال. ولكن مثل هذه المسميات العامة غير التفصيلية أصبح مفهوما أنها مسميات مختزلة؛ فقد كان هناك الكثير من الأعمال من أجل تسلية وجذب القراء المبكرين، ونشر كم كبير من كتابات الأطفال سيئة الصياغة ذات الأسلوب التعليمي المباشر في القرن التاسع عشر. ولكن ما حدث هو أنه خلال القرن التاسع عشر، حدث تراجع تدريجي للطفل العقلاني الجاهل، كما صوره أدب الأطفال في عصر التنوير، ليحل محله أطفال تركيبتهم أكثر تعقيدا - سواء كشخصيات أو قراء - في حين أتاحت التطورات في تكنولوجيا النشر إنتاج تشكيلة كبيرة من الكتب والمطبوعات الدورية، والمقالات المطبوعة من أجل الأطفال - والتي تتميز جميعها بألوانها الغنية وتصميماتها الجذابة - بكميات ضخمة وأسعار متنوعة.
أصبح أدب الأطفال مجالا مربحا للغاية بالنسبة للكثير من الناشرين، لا سيما دور النشر الدينية، مثل «جمعية الأعمال الأدبية الدينية» (بداية من عام 1799)، و«جمعية نشر المعارف المسيحية» (بداية من 1698)، والتي انطلقت لمواجهة ذلك النوع من الأدب الرائج المتجسد في الغايات التي يغلب عليها الطابع الحسي لنشر كتيبات الحكايات والأشعار، وكذلك المطبوعات الحسية الرخيصة المسماة «بيني دريدفول». وفي حين أن معظم هذه المطبوعات لم تكن مكتوبة للأطفال، إلا أنه غالبا ما كان الأطفال هم من يقرؤها. وقد حارب ناشرون، مثل «جمعية الأعمال الأدبية الدينية» و«جمعية نشر المعارف المسيحية»، والكثير من الناشرين التجاريين الذين ساروا على نهجهما، هذا الاتجاه باستخدام السلاح نفسه من خلال استخدام استراتيجيات سرد وتقديم مشابهة - كالحبكات الروائية المفعمة بالحيوية، والشخصيات الصغيرة المثيرة للتعاطف، والرسومات الجريئة - من أجل إيصال رسائل تتماشى مع الجهات الدينية التي يمثلونها. ولم ينتج عن دوافعهم الجديرة بالاحترام بالضرورة نصوص مثيرة للضجر؛ فمن أجل إظهار عواقب الخطيئة، كان لا بد للحبكات الروائية لتلك الأعمال أن تبرز أولا الرذائل والشرور، في حين أنه من أجل الحض على الإحسان، روى المؤلفون حكايات مثيرة للشفقة عن ضحايا من الأطفال البؤساء والأمهات الفاضلات الذين عانوا حتى الموت بسبب الفقر. وبنهاية القرن التاسع عشر، امتد النشر للأطفال ليشمل كل شيء بداية من هذه القصص الهادفة ذات المغزى الديني والتي تدمي القلب، ووصولا إلى الخيال والقصص الخرافية والقصص التافهة ومجموعة من الأجناس الأدبية التي تشمل المغامرات وقصص الحيوانات والقصص المدرسية، وكان هناك أيضا كتب مصورة مبتكرة ومطبوعات دورية. لقد صار مجال النشر للأطفال ديناميكيا للغاية وناجحا تجاريا حتى إنه في عام 1899، وبينما كان هنري جيمس يتفكر في «مستقبل الرواية»، أبدى هذه الملاحظة الغاضبة:
إن ذلك الأدب - كما يمكن أن نطلق عليه من باب التيسير - المخصص للأطفال هو صناعة تحتل في حد ذاتها مساحة كبيرة للغاية تصل إلى ربع الساحة الأدبية. وقد علمنا أنه يمكن تحقيق ثروات عظيمة - إن لم تكن شهرة عظيمة أيضا - من خلال الكتابة لصبية المدارس ...
وقد نبع جانب كبير من سخط جيمس من حقيقة أنه كان يعمل على إنتاج أعمال أدبية فائقة الجودة تحتل مكانة بارزة، وشعر بأن جهوده يعرقلها سوق تجاري لا يميز بدقة بين الكتابة الجيدة وتلك التي يستمتع بها هؤلاء الذين اعتبرهم «غير مفكرين وليست لديهم قدرة على التمييز»، وبخاصة النساء والأطفال. ولكن الواقع هو أنه بنهاية القرن التاسع عشر، كان سوق النشر يحدد فروقا دقيقة بين القراء، ولم يحدث ذلك في أي مجال أكثر من مجال النشر للأطفال المقسم إلى طبقات، والذي تعمد تقسيم جمهوره إلى فئات، وحرص على إرضاء أذواق القراء من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية ومستويات الدخل والاهتمامات ومن كلا الجنسين. لكن جيمس كان محقا في نقطة ما؛ فما يسمى الآن «الروايات مختلطة الجمهور» - وهي نصوص تروق جمهورا مختلطا من الكبار والأطفال - كان موجودا في الماضي أيضا. ففي الأصل، كان الأكثر شيوعا هو أن «يعبر» الأطفال إلى نطاق نصوص الكبار، ليجلبوا تلك الأعمال التي تروقهم إلى النطاق الخاص بهم. والكثير من النصوص المبكرة التي عادة ما تدرج ضمن تاريخ أدب الأطفال تنتمي لهذه النوعية، وتعتبر روايتا «رحلة الحاج»، و«روبنسون كروزو» (1719)، وروايات شارلوت ماري يونج (وبخاصة «سلسلة ديزي» 1856) أمثلة لهذه النوعية. ولكن تماما مثلما انجذب الكبار في نهايات القرن العشرين إلى سلسلتي «هاري بوتر» و«مواده المظلمة»، فإن كثيرا من كتب الأطفال خلال القرن التاسع عشر قد حظيت بمتابعة كبيرة لا يشوبها أي شعور بالقلق من قبل الكبار. والأمثلة المبكرة للأدب القصصي مختلط الجمهور تتضمن رواية تشارلز كينجسلي «أطفال الماء» (1863)، وروايتي لويس كارول «أليس في بلاد العجائب» (1865) و«عبر المرآة» (1871)، والقصة اللقيطة التي ألفتها هيسبا ستريتون بعنوان «الصلاة الأولى لجيسيكا» (1867)، ونسبة كبيرة من أعمال مارك توين (1835-1910). وربما كانت قصص مغامرات الصبية هي أهم منطقة من مناطق القراءة المختلطة. وقد كان الرؤساء ورؤساء الوزراء من بين الكثيرين من الكبار الذين أرجعوا الفضل لقصص الصبية - كتلك التي كتبها كابتن ماين ريد (1818-1883)، وجي إيه هنتي (1832-1902) - في تعليمهم الكثير عن العالم الطبيعي والتاريخ والجغرافيا عندما كانوا صغارا، والذين عندما كبروا، صاروا قراء متحمسين لقصص روبرت لويس ستيفنسون المخصصة للصبية، وبخاصة رواية «جزيرة الكنز» (1881).
لقد اشتكى هنري جيمس من القصص المكتوبة لطلاب المدارس، مع أن نطاقا مكتمل التطور من الكتابة للفتيات قد تطور بنفس الدرجة خلال القرن التاسع عشر. فعندما بدأ النشر التجاري لكتب الأطفال، عادة ما كان الفتيان والفتيات يتشاركون الكتب والقصص نفسها، حتى لو طبعت تلك الكتب بزخارف نصوص موازية مختلفة قليلا. على سبيل المثال، كتاب «كتيب صغير وجميل للجيب» (1744) لجون نيوبيري، كان المقصد منه توجيه وتسلية كل من «السيد الصغير تومي» و«الآنسة الجميلة بولي»، وكان يوزع معه كرة ثنائية اللون للصبية أو وسادة دبابيس للفتيات، وكانت التعليمات تعطى لكليهما بأن يطلبا من مربيتهما أن تغرز دبوسا في الجانب الأحمر عند قيامهما بعمل جيد، ودبوسا في الجانب الأسود عند قيامهما بعمل سيئ. وكجزء من تقسيم الأسواق إلى طبقات في القرن التاسع عشر، كان الكثير من الكتب يستهدف الصبية «أو» الفتيات. وفي الغالب، كانت هذه قصصا متوازية. على سبيل المثال، كتب تدور قصصها في مدارس للصبية، وأخرى تدور قصصها في مدارس للفتيات، ولكن كان هناك أيضا اختلافات نوعية؛ فقصص المغامرات كانت تميل إلى أن توجه بالأساس إلى الصبية، بينما كانت القصص المنزلية أو العائلية توجه للفتيات. وعلى الرغم من أن معظم قصص الفتيات كانت تفتقر إلى البيئة المذهلة والحبكات المثيرة التي تتسم بها حكايات الاكتشافات والمعارك الموجهة للصبية، فإن الكثير من الشخصيات النسائية الشابة التي لا تنسى ولدت في تلك المرحلة، واستمرت في جذب المتابعين المتحمسين لفترات طويلة. وكان المؤلفون من أمريكا الشمالية بارعين على نحو خاص في تأليف الكتب التي تحتوي على شخصية فتاة جذابة ومفعمة بالحيوية، والأشهر بين تلك الشخصيات هي شخصية «جو مارش» التي قدمتها لويزا ماي ألكوت في كتابها «نساء صغيرات» (1868)، ولكن كان هناك تراث سابق من القصص المكتوبة عن هذه النوعية من الفتيات. على سبيل المثال، كان لرواية «هايدي» (1880-1881، وترجمت سنة 1884) للمؤلفة السويسرية جوهانا سبيري، متابعة جيدة خلال القرن الماضي، وفي عام 1937 كانت واحدا من أوائل كتب الأطفال التي يتم تحويلها إلى فيلم سينمائي من إنتاج شركات هوليود، وهو الفيلم الذي كان محطة الانطلاق للنجمة شيرلي تمبل. وقد استمر تدفق شخصية الفتاة الجذابة من أمريكا الشمالية في القرن التالي مع روايات مثل «آن في المرتفعات الخضراء» (1908)، و«ريبيكا من مزرعة سونيبروك» (1903)، و«بوليانا» (1913).
كتب الأطفال في عصر تمركز حول الطفل
إن ذلك السيل من شخصيات الفتاة الحيوية في بدايات العقد الأول من القرن العشرين ما هو إلا عرض للولع الثقافي بفكرة الطفولة (كمفهوم مستقل عن الأطفال الحقيقيين) الذي اتسمت به بدايات القرن العشرين، والذي وصل إلى أقصى ذروته في رواية جيمس ماثيو باري «بيتر بان، الصبي الذي رفض أن يكبر»، والتي عرضت نسختها المسرحية الأصلية سنة 1904؛ فقد استلهم باري روح العصر الخاصة ببداية القرن العشرين؛ مما ساعد في التبشير بقدوم «قرن الطفل»، ذلك القرن الذي شهد احتفاء بمخيلة وإبداع الطفولة. والدليل على الأهمية المستمرة التي أعطيت للطفولة موجود في المناقشات حول الحداثة والقوة الرمزية التي منحت للأطفال في فترة ما بعد الحرب، حينما كان الأطفال يمثلون الأمل في المستقبل بعد حربين عالميتين والدخول إلى عصر الذرة. ومنذ عام 1989، سعت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل إلى دعم حقوق الأطفال في حماية احتياجاتهم الأساسية في الحياة والازدهار. إن الأفكار المتغيرة بشأن الأطفال والطفولة والمثبتة بوضوح في هذا الملخص الموجز قد رسمت ملامحها تفصيلا في الكتابة للأطفال.
خلال النصف الأول من القرن العشرين، سيطرت رؤية خاصة للغاية عن الطفولة على أدب الأطفال الأنجلو-أمريكي؛ فشخصيات الأطفال في أدب الأطفال، أو القراء الأطفال الذين يفترض أنهم يقرءون ذلك الأدب، كانوا - مع بعض الاستثناءات القليلة للغاية - في مقتبل البلوغ من أبناء البيض ومن الطبقة المتوسطة، يعيشون في عائلات بها والدان ميولهما الجنسية سوية - وغالبا ما يكون هناك بعض الخدم بمنزل الأسرة - وفي ثقافة أبوية. وكانت الطفولة مرتبطة بقوة بالطبيعة، وكان الأطفال في تلك الكتب عادة ما يظهرون شديدي البراعة، سواء أكانوا يرتحلون ويعسكرون في مخيمات، أم يبحرون في السفن ويركبون الأحصنة، أم يحلون الجرائم، بل وكثيرا ما كانوا يتركون دون إشراف لأيام متتالية. وبوجه عام، كان أدب الأطفال يصور الطفولة كمرحلة متحررة من القلق أو الاحتياج، وهو ما دعم الإحساس بالحنين إلى الطفولة، والذي تجلى في بعض من الكتب الخالدة التي ألفت ما بين عامي 1900 و1950، ومن بينها رواية «الريح في أشجار الصفصاف» (1908) لكينيث جراهام، ومجموعة كتب «ويني الدبدوب» (1926-1928) لآلان ألكسندر ميلن. وهذه النغمة أكثر تكرارا في الكتب البريطانية عنها في الكتب المؤلفة في الولايات المتحدة، ولعل ذلك يعكس انخراط إنجلترا الأطول والأكثر تكلفة في حربين عالميتين، وأفول إمبراطوريتها الذي تزامن مع البزوغ العالمي لنجم الولايات المتحدة. وهكذا يمكن مساواة الحنين إلى الطفولة بإدراك ثقافي أكبر بأن التغييرات المرتبطة بالحداثة كانت تعمل كحلقات وصل تربط الحاضر بالماضي.
تطورات القرن العشرين
بحلول العقود الوسطى من القرن العشرين، لم يعد الحنين إلى الطفولة هو اللازمة المسيطرة على الكتابة للأطفال، وربما يكون أحد أسباب ذلك هو أن فترة الطفولة نفسها صارت أطول؛ حيث ارتفعت سن الانتهاء من الدراسة في إنجلترا والولايات المتحدة على حد سواء، بمعنى أن عددا أكبر من الأطفال ظلوا معتمدين على أولياء أمورهم لفترة أطول؛ ومن هنا - وعلى الأقل كنوع من رد الفعل لهذه التعديلات - ولدت ثقافة المراهقين؛ ففي أعقاب نشر رواية «الحارس في حقل الشوفان» (1951) للكاتب جيروم ديفيد سالينجر، بدأت أولى الكتب المكتوبة خصوصا للمراهقين في الظهور على قوائم كتب الأطفال في الولايات المتحدة، وقد تبع ذلك - بعد فترة من التأخير - ظهور تلك الكتب في المملكة المتحدة. وقد مالت أولى الكتب المخصصة للمراهقين - مثل رواية «الغرباء» (1967) للكاتبة سوزان إلويز هينتون - إلى رفض نموذج الشباب خالي البال، وبدلا من ذلك، وتماشيا مع الدراسات المؤثرة مثل دراسة «الطفولة والمجتمع» (1950) التي أعدها إيريك إريكسون، فقد ركزت على المشكلات التي تواجه الشباب في كفاحهم لكي يكونوا مستقلين. علاوة على ذلك، بدأ أدب الأطفال - بما يتضمنه من أفلام وأعمال تليفزيونية وغيرها من المصادر الأخرى للمعلومات والتسلية التي يستخدمها الشباب - في تقديم أفكار وتوفير خبرات بديلة من نوع كان يعتبر قبل ذلك خارج نطاق الطفولة. وهذا الأمر قد قاد البعض إلى الادعاء بأن مرحلة الطفولة - التي تقاس بقلة الخبرة، وبعيدا عن أنه قد تم تمديدها - كانت في الواقع في طريقها للاختفاء.
Página desconocida
ما لم يكن في طريقه للاختفاء - مع أنه بالتأكيد كان يتعرض لتحديات كبيرة في أدب أطفال منتصف القرن العشرين - هو ذلك العالم المليء بالعائلات السعيدة من الطبقة المتوسطة البيضاء ذات الميول الجنسية السوية. فبداية من كتب المبتدئين والحكايات الخرافية ووصولا إلى روايات اليافعين، بدأت صفحات كتب الأطفال والقصص المصورة والمجلات تمتلئ بالأطفال والشباب من مختلف الخلفيات الاجتماعية والأعراق، ولاحقا التوجهات الجنسية. وقد ساندت الجوائز الجديدة والمناهج الدراسية هذه التغيرات، فقد أظهرت رواية «ساحة جامبل» (1961) للكاتب جون رو تاونسند، أطفالا منبوذين من الطبقة العاملة يعيشون في بيئة حضرية مزدحمة، وهم يحاولون إعالة أنفسهم ويتجنبون نقلهم إلى إحدى دور الرعاية. ويعد هذا مثالا يوضح كيف أن تغير الزمن كفيل بأن يعيد في النهاية بعض جوانب مجال النشر على الأقل إلى نقطة البداية؛ إذ إن رواية تاونسند - في العديد من الجوانب - أشبه بقصة كان يمكن لجمعية الأعمال الأدبية الدينية أن تنشرها قبل قرن مضى، ولكن من ناحية الأسلوب، فإن رواية «ساحة جامبل» تنتمي بلا نزاع للقرن العشرين، تماما مثلما تنتمي إليه تلك المشاهد الصريحة والقاسية في روايتي الأديبة الأمريكية روزا جاي - «الأصدقاء» (1973)، و«روبي» (1976) - اللتين ترويان قصة فتاة تنتقل أسرتها من البيئة الريفية بترينيداد إلى حي هارلم بمدينة نيويورك، حيث تموت والدتها، ويعرضها والدها للإيذاء الجسدي، ويتعين عليها أن تتعامل مع التحيز والتحامل وصعوبات الحياة في شوارع مدينة أمريكية حديثة.
وعلاوة على إدراج المزيد من أنواع الأطفال، بدأ مؤلفو أعمال الأطفال في استخدام أساليب كتابة متنوعة - كالواقعية والخيال، والتراجيديا والكوميديا - من أجل مواجهة نطاق من القضايا الموضوعية؛ فرواية «فستان بيل الجديد» (1989) للكاتبة آن فاين - والتي تحكي عن تلميذ اسمه بيل سيمبسون، يستيقظ في صباح أحد الأيام ليكتشف أنه قد تحول إلى فتاة ترتدي فستانا ورديا مزركشا للذهاب إلى المدرسة - هي رواية كوميدية، ولكنها تمثل استجابة قوية لقضية عدم المساواة بين الجنسين. بينما تتناول رواية «إننا جميعا نسقط» (1991) للكاتب روبرت كورماير، التداعيات المأساوية لعنف المراهقين العشوائي وتخريب الممتلكات، في حين تستكشف رواية «السقوط» (1995، وترجمت إلى الإنجليزية سنة 1997) للكاتبة البلجيكية آن بروفوست، العلاقات بين خيانة اليهود السرية للنازيين أثناء أحداث الهولوكوست وبين الصعود الحالي لجماعات اليمين المتطرف في مدينة صغيرة بفرنسا، بينما يتخيل ديفيد ليفيثان مدينة فاضلة للشواذ جنسيا في روايته «صبي يقابل صبيا» (2003). وكما تشير هذه السيناريوهات، فإن الكتابة للأطفال صارت الآن تعكس الكثير من أشكال الطفولة المختلفة، وتجارب المراهقة المختلفة في أنواع كثيرة من العائلات: العائلات التي يعيش معها أحد الوالدين فقط، والعائلات التي فيها الوالدان من نفس الجنس، والعائلات التي بها أولاد من زواج سابق، إلى جانب العائلات النموذجية التقليدية.
ليس المقصد من هذا هو التلميح بأن مهمة جعل أدب الأطفال معبرا عن كل الطوائف قد اكتملت الآن؛ فحتى في البلدان التي تتمتع بصناعة نشر مكتملة التطور، يظل هناك الكثير من المجموعات التي تعتبر - على أفضل تقدير - غير ممثلة بالقدر الكافي؛ ففي أمريكا الشمالية - على سبيل المثال - لا يوجد سوى قدر محدود من أدب الأطفال عن السكان الأصليين للبلاد، وقدر أقل من تأليفهم. وأحد التفسيرات المحتملة لذلك هو أن فهم هؤلاء الناس لكيفية سرد القصص مختلف للغاية عن ذلك الفهم الخاص بالثقافة السائدة لدرجة قد لا تجعل المحررين يتعرفون على ذلك الأسلوب، بحيث إذا ما قدم الكتاب من السكان الأصليين قصصا للنشر، فقد لا يدرك المحررون أنها قصص، وإذا أدركوا ذلك، فربما لا يدعمونها بحجة أنه من غير المحتمل أن تحقق مبيعات تذكر. ولو نشرت إحدى قصص السكان الأصليين، فإن نوع التغييرات التي قد تتعرض لها أثناء عملية النشر - بداية من التحرير إلى إضافة الرسومات - ربما يغير القصة الأصلية بدرجة كبيرة، حتى إنها لا تعود جزءا أصيلا من تلك الثقافة. وسواء أكانت تلك التغييرات متعمدة أم تتم دون تفكير، فإن العواقب تظل واحدة. وفي البلاد التي لا يوجد بها بنية أساسية قوية لأدب الأطفال، أو التي يتحدث سكانها بأكثر من لغة - كما هو الحال في أجزاء من أمريكا الجنوبية وأفريقيا والهند - فقد تمنع المشكلات الاقتصادية واللوجستية بعض المجموعات من المشاركة في تأليف أدب قصصي للأطفال. وغالبا ما يكون الأعضاء المنتمون إلى الثقافة السائدة في أي بلد هم الحراس الرئيسيين للبوابات المؤدية إلى عالم أدب الأطفال - كمؤلفين وناشرين ومعلمين وأمناء مكتبات وأولياء أمور - وما يختارون أن يقدموه سوف يتأثر قطعا بفهمهم الخاص للطفولة والأدب، وطموحاتهم بشأن كليهما.
بالنسبة للكثير من الأطفال والشباب اليوم، ربما توفر شبكة الإنترنت طريقة لتخطي عدد كبير من هؤلاء الحراس، ويعد التجسيد الأحدث والأوسع نطاقا للمدى الذي وصل إليه هذا التخطي - عبر سنوات القرن الماضي - هو أن جزءا كبيرا بشكل متزايد من مرحلة النمو قد تضمن استخدام الوسائط الجديدة وتقنيات المعلومات. ويلقي
الفصل الثالث
نظرة تفصيلية على التغييرات التي تحدثها هذه الوسائل على ممارسات القراءة والكتابة، ولكن أي دراسة تاريخية لأدب الأطفال لن تكون مكتملة دون بعض المناقشات حول كيف، وإلى أي مدى تعامل الكتاب والناشرون مع الطرق الجديدة لسرد القصص وتأليف النصوص، والتي أتاحتها التقنيات الجديدة المتعاقبة.
قصص الأطفال المعاصرة والوسائط الجديدة
أحد الجوانب المهمة في التاريخ الطويل لأدب الأطفال يتعلق بالكيفية التي جرب بها المؤلفون والرسامون والناشرون بانتظام طرقا جديدة لإنتاج أدب الأطفال بأسلوب جذاب وزهيد التكلفة. ومنذ الأيام التي كانت فيها الرسومات تلون يدويا، ووصولا إلى الكتب المصورة العصرية المليئة بالرسومات، فإن أحد طموحات ناشري كتب الأطفال على مر العصور هو إنتاج كتب جذابة وغنية بالألوان قدر الإمكان ، وفي نفس الوقت زهيدة الثمن و(مربحة) قدر المستطاع؛ وهذا يعني أن أدب الأطفال كان دوما سباقا إلى تجربة تقنيات الطباعة الجديدة، والابتكارات في هندسة تصنيع الأوراق من أجل إنتاج كتب مبتكرة مثل المطويات المصورة، والكتب المجسمة، وغيرها من الكتب ذات الأجزاء المتحركة. والخط الفاصل بين الكتب والدمى والألعاب كان دائما خطا رفيعا، وعلاوة على أن هذا الأمر قد أدى إلى اكتشاف طرق جديدة لتقديم المواد المطبوعة إلى الأطفال، فقد أثر أيضا على طريقة سرد القصص، ويظهر هذا التأثير بوضوح في سلسلة كتب الألعاب «اختر قصص المغامرات الخاصة بك» التي اشتهرت لفترة وجيزة في ثمانينيات القرن العشرين، والتي استفادت كثيرا من صيغ وقصص ألعاب تقمص الأدوار، مثل «سجون وتنانين». وقد قدمت هذه الكتب البسيطة للقراء العديد من الحبكات والنتائج المحتملة، والتي تتحدد من خلال مزيج من الحظ (رمية النرد)، والاعتماد على استراتيجية في اللعب.
كان لظهور وسائط جديدة تأثير أيضا على القوالب والصيغ وتقنيات السرد الخاصة بالكتابة للأطفال. وقد تمت معالجة قصص الأطفال لتناولها في الأعمال السينمائية والتليفزيونية، وكتبت لكي تقرأ عبر الإذاعة، وسجلت على أسطوانات وشرائط كاسيت وأقراص مضغوطة، وتم التعامل معها على أنها أدب قصصي إلكتروني أو مسجل على أقراص مدمجة أو منشور عبر الإنترنت. وكان لكل وسيطة جديدة تأثيرها على كيفية كتابة القصص، وكيف وأين يمكن العثور عليها، بل وحتى ما يعنيه قراءتها. وديناميكيات هذه العلاقة هي موضوع
الفصل الثالث ، ولكن من الضروري أن ننهي هذه المراجعة التاريخية بإيضاح نقطتين: الأولى هي أن العاملين في مجال أدب الأطفال قد وسعوا لبعض الوقت نطاق اهتماماتهم لكي يشمل كل الصيغ التي يصادف الشباب من خلالها السرد القصصي، سواء على صفحة كتاب، أو على الشاشات، أو على المسرح، أو في كلمات أغنية، أو من مصادر شفوية، أو عبر أي أداة أو وسيطة أخرى. والنقطة الثانية تتعلق بدور الأطفال في إنتاج أدب الأطفال.
Página desconocida
وكما أوضحت هذه الدراسة التاريخية الموجزة، فقد كان أدب الأطفال يكتبه بشكل تقليدي الكبار من أجل جمهور من الأطفال ، ومن المعتاد في مجال نقد أدب الأطفال - على العكس من أشكال الكتابة الأخرى - أن الجمهور هو من يحدد ويعرف أدب الأطفال؛ إذ لا يتم تعريفه من خلال خصائص مثل الجنس الأدبي أو الفترة الزمنية أو الأسلوب أو المؤلف. وتاريخيا، لم يكتب الأطفال المواد التي «نشرت» كأدب للأطفال؛ لأنه لم تتح لهم إمكانية كبيرة للوصول إلى الأدوات الضرورية للقيام بذلك، وحتى في الوقت الذي وصل فيه تقدير قدرة الأطفال على التخيل إلى ذروته، كان هناك افتراض عام بأن الأطفال لا يمتلكون خبرة كافية بهذا العالم أو بحرفة الكتابة لكي يكون لديهم ما يقولونه، أو لكي يقولوا ما يدور برءوسهم بطريقة مثيرة للاهتمام. وفي الواقع، لقد كان الأطفال دائما «منتجين» للقصص والألغاز والشعر والنكات وغيرها من المواد الأدبية (بما في ذلك الروايات والقصائد والمسرحيات وغيرها من الأعمال الأدبية الأكثر وضوحا)، وفي عصر النشر المكتبي، والروايات التي يؤلفها المعجبون، وغيرها من أشكال المنشورات عبر الإنترنت، فإن الأطفال والشباب صاروا يعثرون على طرق للكتابة لجمهور يتخطى نطاق عائلاتهم وأصدقائهم وأقرانهم، وما زال الوقت مبكرا لكي نحدد نوع التأثير الذي سيتركه هذا الأمر على فهمنا للعناصر التي تشكل أدب الأطفال، ولكنه قد يلعب دورا مهما في إعادة النظر في مدى فائدة مسمى أدب الأطفال، على الأقل فيما يخص الدراسة الأكاديمية للكتابة الموجهة للأطفال.
الكتابة للأطفال
وفي سياق وصف نوع المادة الأدبية التي اعتبرت أدبا للأطفال في أزمنة مختلفة وكيف تغير هذا التوصيف، فقد اتضحت بعض الخصائص المقترنة بالكتابة للأطفال والشباب، وقبل المضي قدما ودراسة التطورات الأخرى التي طرأت على هذا المجال، حري بنا أن ننظر إلى بعض النزعات المسيطرة في القصص الخاصة بالأطفال والشباب، وكيف ترتبط تلك النزعات بصور الأطفال وفترة الطفولة وفترة المراهقة.
وبالرغم من التغيرات المحيطة بأدب الأطفال وقرائه، فقد كان هناك - على مر السنوات - اتفاق هائل حول المقومات التي تجعل أحد النصوص «مخصصا للأطفال» على مستوى الأسلوب والمحتوى. وبعد أن حللت باربرا وول (1991) الطريقة التي يؤسس بها عدد من كتاب روايات الأطفال الكلاسيكية المؤثرين العلاقة بين الراوي والقراء، توصلت إلى أن الطريقة التي يخاطب بها الكتاب الكبار القراء من الأطفال مشابهة للطريقة التي يتحدث بها الكبار إلى الأطفال، وتؤثر على نبرة الصوت والمفردات واختيار الكلمات وكم التفاصيل المتضمنة في التوصيفات والتفسيرات. وتحدد باربرا وول ثلاثة أساليب استخدمت على نحو تقليدي في الكتابة للأطفال: الأسلوب الأول هو المخاطبة المزدوجة، والتي يتنقل الراوي فيها بين مخاطبة القراء الأطفال ومخاطبة الكبار الذين من المفترض أنهم يقرءون بصحبتهم، أو يراقبون عملية القراءة، وعادة ما يظهر الراوي متحدثا بلغة تفوق مستوى استيعاب الأطفال، ومتواطئا مع الكبار. إن المخاطبة الفردية تخاطب القارئ الطفل فحسب، بينما تنجح المخاطبة المزدوجة في مخاطبة القراء من الأطفال والكبار في وقت واحد وبقدر متساو؛ مما ينتج عنه تجربة قراءة ممتعة ومرضية لكليهما. ومراعاة تصنيفات باربرا وول لأنواع المخاطبة قد يكون مفيدا في تحديد إلى أي مدى يفترض الكتاب أن قاعدة القراء من الأطفال، ويساعد في تتبع التغيرات التي تطرأ على علاقات الكبار والأطفال في النصوص الأدبية بمرور الوقت. وكما رأينا في بعض الأمثلة التاريخية التي ناقشناها من قبل، فقد كانت الكتابة المبكرة تميل إلى استخدام المخاطبة المزدوجة، حتى وصل الأمر إلى إدراج أقسام مخصصة للكبار في كتب الأطفال. وبداية من القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر، سيطرت المخاطبة الفردية على الكتابة للأطفال الذين يقرءون الكتب باستقلالية تامة. أما الكتب المصورة - والتي عادة ما يقرؤها الكبار للأطفال - فقد استخدمت في الغالب المخاطبة الثنائية أو المزدوجة، في حين أن المخاطبة الثنائية تعد سمة مميزة للكتابات مختلطة الجمهور.
ولا يمثل أسلوب المخاطبة الاختلاف الوحيد بين الكتابة للأطفال والكتابة للكبار؛ ففي مقارنة بين الأسلوبين، كثيرا ما يتم اقتباسها، توصل مايلز ماكدويل إلى أن:
كتب الأطفال عادة ما تكون أقصر، وتميل إلى تفضيل المعالجة النشطة وليس السلبية، مع وجود حوار وأحداث بدلا من الوصف وسبر أغوار النفس؛ فأبطال القصص من الأطفال هم المسيطرون، وتستخدم الأعراف والتقاليد بكثرة، والقصة تتطور بداخل بنية أخلاقية واضحة ... وتميل كتب الأطفال إلى أن تكون تفاؤلية وليست كئيبة، واللغة موجهة للأطفال، وتتميز الحبكات الدرامية بترتيب متميز، والاحتمالية غالبا ما تكون مستبعدة، وقد يستمر المرء في الحديث عن السحر والخيال والبساطة والمغامرة إلى ما لا نهاية.
والدليل الذي يدعم الملخص الذي قدمه ماكدويل قدمه الباحث الدانماركي توربن فاينريش (2000)، الذي أوضح أن عملية تعديل نصوص الكبار لتناسب الأطفال تتطلب جعل تلك النصوص أقصر وأبسط، وإضافة رسومات إليها في أغلب الأحيان. وقد اختتم بيري نودلمان
الفصل الأول
من تحليله المفصل لأدب الأطفال، والمعنون «الكبير الخفي: تعريف أدب الأطفال» (2008)، بقائمة أطول، ولكن شديدة الشبه بالقائمة التي أعدها ماكدويل. وكما يستفيض نودلمان قائلا إنه من المهم أن نفرق بين الكتابة البسيطة والكتابة المفرطة في التبسيط؛ وذلك لأن الكثير من كتب الأطفال التي تبدو بسيطة تتحدث عن أشياء مثيرة للتفكير ببساطة راقية، بل وأحيانا خادعة. على سبيل المثال، تناقش روايتا «شبكة شارلوت» (1952) لإي بي وايت، و«الرجل» (1992) لرايموند بريجز - إلى جانب قضايا أخرى - قضيتي الموت والتهميش على التوالي (انظر الشكل رقم
6-2 ) بمهارة وأسلوب فلسفي. وكذلك، فليست كل كتب الأطفال مكتوبة ببساطة؛ فروايات مثل «الفأر وطفله» (1967) لراسل هوبان، و«كودي» (1994) لويليام ماين، و«الكاذب» (2009) لجاستن لاربالستيير، تتسم بصعوبة الأسلوب بالنسبة للقراء من أي سن أو مستوى ثقافي.
Página desconocida
وحتى أواخر القرن العشرين، كان هناك نوع من الاتفاق غير المكتوب بألا تشتمل كتب الأطفال على الجنس أو اللغة البذيئة أو العنف غير المبرر، على أساس أن الكتابة للأطفال هي جزء من عملية التربية الاجتماعية؛ ولذا يجب أن تقدم نماذج طيبة، وتساعد القراء على تعلم السلوكيات المقبولة، التي ستساعدهم - على الأرجح - على عيش حياة ناجحة ومرضية. كما كانت هناك نزعة لتجنب النهايات الكئيبة، على افتراض أن الصغار يحتاجون للشعور بالثقة في المستقبل، وفي قدرتهم على التغلب على العقبات. ومع تغير الأفكار المتعلقة بالطفولة، انهار الإجماع على هذه الخصائص بشكل كبير، ولا سيما بالنسبة للقراء الأكبر سنا الذين لم يعتبروا في معظم فترات تاريخ أدب الأطفال جزءا من الجمهور الذي يستهدفه هذا النوع من الكتب . وقد مثل دمج الكتابة للمراهقين داخل أدب الأطفال تحديا للكثير من الافتراضات المتعلقة بأدب الأطفال، والتي ظلت سائدة لفترة طويلة؛ ونتيجة لذلك، يوجد الآن عدد كبير من كتب الأطفال المعقدة من ناحية الأسلوب، والتي تتضمن تلميحات جنسية وسبابا وعنفا عشوائيا، والتي تنتهي نهاية كئيبة. ومع تحرك النطاق العمري الذي يستهدفه أدب الأطفال بانتظام إلى أعلى، وبعد أن أصبحت القصص مختلطة الجمهور أكثر شيوعا، أصبح مسمى «أدب الأطفال» إشكاليا بشكل متزايد.
وما يساهم في زيادة إشكالية أدب الأطفال هو حقيقة أن الكتابات الجديدة تتواجد جنبا إلى جنب مع الكتابات المتراكمة المخصصة لصغار القراء. على سبيل المثال، الكثير من ناشري كتب الأطفال لديهم قوائم ضخمة بالكتب القديمة، والتي عادة ما تتضمن أعمالا «كلاسيكية» مثل «أطفال الغابة الجديدة» (1847)، و«نساء صغيرات» (1868)، و«بينوكيو» (1883)، و«الحديقة السرية» (1911)، والتي تم تأليفها عندما كانت الأفكار المتعلقة بالطفولة مختلفة للغاية. ولا تتعلق الاختلافات فقط بالكيفية التي نفهم بها الأطفال؛ فبالنسبة للأعين المعاصرة، عادة ما تبدو الطريقة التي كتب بها الكثير من الأعمال القديمة - والتي تدرج عادة في الدارسات التاريخية لكتب الأطفال - بعيدة كل البعد عن أن تكون قصيرة وبسيطة وحيوية وموجهة للأطفال، والأمثلة الواضحة على ذلك هي تلك الكتب التي أضافها الأطفال إلى قائمة قراءاتهم عندما لم يكن أمامهم الكثير من الروايات الأخرى لكي يقرءوها، كتب مثل «رحلة الحاج»، أو «رحلات جاليفر»، أو «الفارس الأسود» (1819). والكتب التي كتبت «خصوصا» للأطفال وكانت شديدة الرواج بين القراء الصغار في وقت نشرها تعقد الصورة بشكل أكبر، ومثال على ذلك رواية «عالم واسع، واسع جدا» (1850) لإليزابيث ويذريل، والتي تعد عملا ذا أبعاد ملحمية وأسلوب ديني مذهل. وحقيقة أن الكثير من هذه الأعمال لم تعد تقرأ اليوم إلا في المناهج الجامعية حصريا - هذا إن كانت تقرأ من الأساس - قد فتحت الباب للجدل حول ما إذا كان لا يزال من الجائز أن نعتبرها جزءا من أدب الأطفال أم لا.
وعلى الجانب الآخر، فإن محاولات ضمان أن النصوص الموجهة للأطفال مناسبة على أساس بساطة اللغة والأسلوب قد باءت بفشل متكرر، فما الذي يمكن أن تفعله أو تقوله عن رواية بياتريكس بوتر، «حكاية الأرنب بيتر» (1902) التي لا تزال محبوبة بشدة، والتي «تناشد» فيها العصافير الأرنب بيتر بأن «يخلص» نفسه بعد أن تعلقت أزرار قميصه في شبكة نبات عنب الثعلب الخاصة بالسيد ماكريجور؟ (وقد قيم بعض التربويين الأمريكان المفردات المستخدمة في رواية بياتريكس بوتر بأنها مناسبة لأولئك الذين يدرسون بالمرحلة الإعدادية وحتى الجامعة). ويعد طول الكتاب أيضا إشكاليا بالقدر نفسه؛ ففي حين أن الكثير من كتب الأطفال الآن أقصر من تلك التي صدرت في الماضي، فإن شعبية سلسلة روايات «هاري بوتر» - التي يزيد طول كل مجلد منها في المعتاد عن 400 صفحة (المجلد النهائي وصل إلى 900 صفحة) - قد فتحت الباب للكثير من سلاسل الروايات الخيالية الطويلة المخصصة للأطفال.
وبالنظر إلى نطاق المواد التي صنفت كأدب للأطفال طوال تاريخ ذلك الأدب، فليس من المفاجئ أنه قد ثبت مدى استحالة الوصول إلى طريقة متسقة لوصف ذلك الأدب وتعيين حدوده. وفي النهاية، فإن كثيرا من العاملين في هذا المجال يتفقون مع جون رو تاونسند - الناقد الأدبي ومؤلف كتب الأطفال - الذي توصل في عام 1971 إلى أن «التعريف العملي الوحيد لكتاب الأطفال في هذه الأيام، هو أنه ذلك الكتاب الذي يظهر في قائمة كتب الأطفال الخاصة بأحد الناشرين». لكن هذا الأسلوب البراجماتي لم يعد مجديا بالقدر نفسه الآن؛ لأن الكتب ربما تظهر في قوائم كتب الكبار والأطفال في الوقت نفسه، كما حدث مع رواية سلمان رشدي «هارون وبحر القصص» (1990)، ورواية إيان ماكيوان «الحالم في النهار» (1994)، ومعظم روايات جاين جاردام، وبالطبع الروايات مختلطة الجمهور لكل من جي كيه رولينج وفيليب بولمان ومارك هادون، والتي ذكرناها من قبل. ويبدو أنه إذا كنا سنتوصل لتعريف لأدب الأطفال، فربما يعتمد ذلك التعريف على الطريقة التي كتب بها النص والموضوع الذي يناقشه، بدرجة أقل من اعتماده على علاقته بالأطفال والطفولة وطريقة صياغته لكل منهما. هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه بيري نودلمان الذي يذكرنا بأن الأطفال والكبار مختلفون ، وأنه مثلما يتوجب على الأطباء وعلماء النفس والمعلمين والمهندسين المعماريين ومصممي الأزياء أن يضعوا احتياجات الأطفال في اعتبارهم، كذلك يتطلب الأطفال أشياء مختلفة فيما يقرءونه. ومع ذلك، فإن ما يتطلبه الأطفال يحدده الكبار استنادا إلى ذكرياتهم عن الأطفال والطفولة، وملاحظتهم عنهما والتفاعل معهما، ومجموعة من المعلومات السابقة والآراء المستقاة والصور عنهما.
الطفل داخل الكتاب وخارجه
رغم أن مصطلحات «الطفل» و«الطفولة» و«الأطفال» و«المراهقة» تستخدم بانتظام فيما يتعلق بأدب الأطفال، فإنه لا توجد نسخة موحدة من أي من هذه المصطلحات، ولا رؤية واحدة للطفولة خلف أدب الأطفال. وبينما كان لتأثير الحركة الرومانسية أثر عميق ومستمر على كثير من جوانب الطفولة في القصص الخاصة بالأطفال، وظهرت سيطرة بعض السمات (مثل إظهار الأطفال كمخلوقات بريئة ومحبوبة وقابلة للتعليم ومتحضرة)، فقد كان هناك أيضا شخصيات أطفال شريرة وقاسية ومتوحشة وغير قابلة للإصلاح. ويتضمن كل جانب من جوانب أدب الأطفال مجموعات متعددة من الأطفال والشباب؛ بداية من شخصيات الأطفال في النصوص الأدبية إلى القراء الأطفال الضمنيين (المتخيلين) ووصولا إلى القراء الحقيقيين من الأطفال. وفي حين أن الشخصيات والقراء الضمنيين ربما يكونون ثابتين على نحو ما، فإن القراء الحقيقيين يتغيرون باستمرار؛ ولذلك فعندما نتعامل مع كتاب من الماضي، فإن مصطلح أدب الأطفال يشمل القراء الذين قرءوه في وقت نشره، وأولئك الذين يقرءونه حاليا، وكل القراء بين هاتين الفترتين.
وكما أشرنا من قبل، فقد اختزل الآن مصطلح أدب الأطفال في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في الكتابة الموجهة للقراء من سن صفر وحتى 16 عاما (أي منذ لحظة الولادة وحتى السن التي يحق للشخص فيها ترك المدرسة بصورة قانونية)، ولكن هذا الأمر يختلف من دولة لأخرى، وقد تغير أيضا بمرور الزمن؛ فهؤلاء الأطفال يأتون من خلفيات متعددة، وسوف يكون لديهم - كأفراد وأعضاء في مجموعات - مجموعة من الاحتياجات والقدرات والخبرات، إذن، فكما كان من المستحيل تحديد مجموعة واحدة من السمات الثابتة الشائعة في الكتابة للأطفال، فإنه من المستحيل أيضا تحديد الطفل في أدب الأطفال. ومع ذلك ، فإن القصص الموجهة للأطفال تخاطب أشكالا من الطفولة وتكونها، وفي أثناء ذلك، فإنها تؤثر على كيفية فهم الأطفال والطفولة، وبخاصة من قبل الصغار. ومن بين العناصر المحورية لهذه العملية حقيقة أن الكبار هم من يؤلفون أدب الأطفال، وهم يفعلون ذلك طبقا لتوقعاتهم لما يجب أن تكون عليه الطفولة. وبينما قد تتفاوت هذه التوقعات تفاوتا كبيرا من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، ومن شخص لآخر، فحقيقة أن الأطفال في أدب الأطفال هم شخصيات رسم ملامحها الكبار قادت ماريا نيكولاييفا (2009) إلى أن تستنج أنه يوجد على الأقل شيء واحد ثابت في أدب الأطفال؛ ما تطلق عليه اسم «معيارية الكبار»، أو الطريقة التي تحكمت بها معايير الكبار في أنماط أدب الأطفال، منذ نشأته وحتى يومنا الحالي. وعلاقة القوة ربما تكون صحيحة، ولكن معايير الكبار ليست أكثر ثباتا من تلك المعايير المحيطة بالطفولة؛ ومن ثم فإن ملاحظة نيكولاييفا تعد أكثر قيمة بسبب مجموعات الأسئلة التي تتمخض عنها من قيمتها كسمة مميزة لأدب الأطفال.
وأيا كانت طريقة تحديدها، فإن الفوائد المكتسبة من دراسة الكتابة للأطفال - سواء كأدب للأطفال أو كجزء من المعارف المتخصصة الأخرى - كثيرة للغاية. ولتوضيح هذا القول، ستتفرغ الفصول المتبقية من هذه «المقدمة القصيرة جدا» بعد مناقشة بعض المناهج التي تستخدم باستمرار في دراسة أدب الأطفال، لتقديم أمثلة للمجالات التي يثير فيها البحث في أدب الأطفال نقاشات أكاديمية أو يزيد منها.
هوامش
الفصل الثاني
Página desconocida
لماذا تدرس كتب الأطفال وكيف؟
يلخص أدب الأطفال نطاقا من الروايات التي تشكل أدب «الكبار» القصصي ويوسعه ويعدله، ولكن لا يستخدم دارسو أدب الأطفال المناهج النقدية والنظرية نفسها فحسب، بل يعدلونها ويضيفون عليها أيضا؛ فهناك - على سبيل المثال - مناهج تركز على الجمهور المستهدف، ومناهج أخرى تنشأ عن دراسة الطفولة، وأخرى تراعي التفاعل بين الصورة والنص. ومع ذلك فبوجه عام، تدرس الكتابة للأطفال بالطرق نفسها التي تدرس بها النصوص الأخرى، رغم حقيقة أن كتب الأطفال تصنف على أساس الفئة العمرية أكثر من الفترة، أو الجنس الأدبي، أو مؤلفيها، أو غيرها من أسس التصنيف المحتملة تعني النزعة لاستخدام بعض المناهج أكثر من غيرها. يتناول هذا الفصل النقاد والمناهج التي أثبتت فائدتها لدراسة أدب الأطفال بالتحديد أيا كانت أعمار القراء وأيا كانت الصيغة أو الوسيلة التي يصل من خلالها الأدب إليهم. لكن قبل تناول كيفية دراسة أدب الأطفال، يستحق الأمر أن نلقي نظرة على ما تقدمه هذه النوعية من الأدب للباحثين، وما يمكن تعلمه من قصص الأطفال في الماضي والحاضر.
الكبار يقرءون الكتابة المخصصة للأطفال
عندما يقرأ الكبار الكتابات المخصصة للأطفال لأغراض الأبحاث والتدريس، يمكن أن تكون النصوص المخصصة للأطفال تنويرية على عدة مستويات؛ فحيث إن كل الكبار كانوا أطفالا في مرحلة من حياتهم، وإن كتب الأطفال تخاطب القراء من الأطفال وعادة ما تتضمن صورا للطفولة، فيمكن لكتب الأطفال على المستوى الشخصي أن تعيد إنشاء الصلة بين الكبار وأنفسهم في مرحلة الطفولة. وقد يزداد تأثير هذه العملية إذا ما كانت النصوص التي يقرءونها هي نفسها التي قرءوها خلال طفولتهم، فالكثير من الناس يشعرون بشيء من الإثارة عندما يقع بين أيديهم النسخة نفسها من كتاب كانوا يقرءونه خلال طفولتهم. وعلى الرغم من أن العودة إلى الكتب التي كنا نقرؤها ونحن صغار قد تثير في البداية بعض ردود الأفعال العاطفية والحنين للماضي، فإن أغلب الكبار يتغلبون على هذه المشاعر بردود فعل انتقادية مدروسة أكثر، وقد تصيبهم بعض النصوص بالإحباط بسبب أسلوبها الركيك أو تفاهتها. وفي حين أن هذه النصوص قد تحتوي على بعض المعلومات الثقافية الشائقة، فقد تتسبب أيضا في إثارة الشك في أن الاهتمام بالكتابة للأطفال أمر طفولي في حد ذاته، وأن أدب الأطفال هو أمر يجب التخلي عنه عند الكبر وتركه كجزء من الماضي بدلا من أن يكون أمرا يستحق الدراسة الجادة. لكن لا يقتصر أسلوب الكتابة الركيك أو التفاهة على أدب الأطفال، وليس من الغريب على الكبار أن ينتجوا كتابات رجعية أو طفولية عن الأطفال وإليهم. وهذا هو الاتهام الذي وجهه تي إس إليوت لاستحضار هنري فون لذكريات الطفولة، حيث قال : ... يمكننا - إذا ما اخترنا أن «نسترخي إلى هذا الحد» - أن «نغرق» في «ترف» ذكريات الطفولة، ولكن إن كنا وصلنا لمرحلة النضج والإدراك، فإننا سنرفض أن ننغمس في هذا الضعف لدرجة الكتابة أو نظم الشعر عنه. إننا نعلم أن الطفولة أمر يجب دفنه ونسيانه، رغم أن جثمانها يمتلك العزيمة لأن يظهر على السطح من وقت لآخر.
قد يكون تصوير إليوت للطفولة على أنها جثمان مدفون صادما، ولكن إدراكه أن هذا الجثمان يمكنه أن يجد طريقه للظهور بصورة دورية يمثل اعترافا منه بأن طفولتنا تستمر في الوجود داخلنا حتى بعد النضج، وهو سبب وجيه لإعادة فحصها، وكذلك لاستخدام المناهج النقدية القائمة على التحليل النفسي باستمرار في قراءة الكتابات المخصصة للأطفال.
ويتمثل أحد طرق العودة للطفولة في قراءة الكتب والقصص المصورة والمجلات وغيرها من الأعمال الأدبية التي قرأناها آنذاك، ولكن هذا لا يعني أن نحاول قراءتها من المنظور الذي كنا نقرؤها منه ونحن أطفال؛ فلا شك أن دراسات أدب الأطفال تعمد إلى تجنب هذا النوع من الترف الانتكاسي تحديدا. إن من ينظرون إلى أنفسهم أو إلى أطفال آخرين كأمثلة للقراء من الأطفال، إنما يفعلون هذا في محاولة منهم لاكتشاف سبب أن بعض الكتابات تكون ذات تأثير كبير في مرحلة الطفولة وما يمكن لهذا الأمر أن يكشفه؛ فكتاب «الصيادون المسحورون» (2010) لماريا تاتار - على سبيل المثال - يهتم بالطريقة التي ينسى بها الأطفال أنفسهم أثناء قراءة الكتب، فما الذي يميز الأطفال كقراء والكتب المعدة للأطفال والشباب لدرجة تجعلها شديدة الفاعلية في جعل الأطفال يهيمون بعيدا عن العالم من حولهم؟ في كتاب «الطفل الذي ربته الكتب» (2002)، يكشف فرانسيس سبوفورد - وهو يسترجع ذكريات طفولته، وهو طفل محب للقراءة - عن أنه كان تحديدا من نوعية القراء من الأطفال الذين يثيرون اهتمام الكاتبة تاتار؛ فهو يتذكر أنه كان «ينغلق عن العالم الخارجي حتى تتمكن (ذاته القارئة) من الانفتاح على العالم الداخلي»؛ مما تمخض عما يطلق عليه هو اسم «القراءة الفصامية».
وفي حين يهتم كل من تاتار وسبوفورد بتأثير الكتابات على القراء الصغار منفردين، فإن أغلب من يعملون في هذا المجال - باستثناء بعض التربويين (انظر الجزء الخاص بنقد استجابة القارئ فيما يلي) - يهتمون أكثر بما تكشفه هذه النصوص للأطفال عن موعد أو مكان أو جهة إصدارها. وقد يعني هذا إلقاء الضوء - على سبيل المثال - على المواقف من حركة الاستكشاف والاستعمار في قصص المغامرات التي نشرت بالقرن التاسع عشر، أو اشتراك شخصين من نفس الجنس في تربية الأطفال في الكتب المصورة في القرن الحادي والعشرين. وكما أظهرت النظرة التاريخية الشاملة في
الفصل الأول ، يمكن للنصوص الموجهة للأطفال أن تساعد على نشر أفكار عن «طفولة» الدول بالقدر نفسه الذي تنشر فيه أفكار عن الطفولة الفردية. وفي حقيقة الأمر، بعض خصائص أدب الأطفال التي حددت أثناء مناقشة ماهيته (خاصة في الفترة السابقة للمراهقة) - تحيزه تجاه البنى البسيطة نسبيا، وكذلك صلته بنظام التعليم على سبيل المثال - تعني أن المواقف الأيديولوجية والأجندات الخاصة عادة ما تكون أكثر صراحة ووضوحا مما هي عليه في النصوص الموجهة للكبار. وهذا من شأنه أن يجعل الكتابة للأطفال مصدرا للمعلومات التاريخية عن كل شيء، بداية من الحياة اليومية - إذ تدور أحداث الكثير من كتب الأطفال وأشعارهم وقصصهم في المنازل ودور الحضانة والمدارس، وتتضمن تلك الأنشطة البسيطة مثل التسوق والقيام بالأعمال اليومية الروتينية - ووصولا إلى الجدل حول أمر ما في أي وقت؛ ومن ثم، فإن دراسة كتب الأطفال يمكن أن تكون طريقة للتأمل في شخصياتنا أثناء الطفولة أو حتى ماض جماعي لفترة ما، ولكن هذه فقط بعض من الأسباب التي تجعل دراسة أدب الأطفال مثمرة ومجزية للغاية.
إرساء المعايير وخرقها
نظرا لأن الوسيلة الرئيسية للكتابة للأطفال هي اللغة، وحيث إن الأطفال خلال مشوار تعلم القراءة يكتسبون الكثير من المفردات والمفاهيم التي يستخدمونها للتفكير في أنفسهم وفي العالم من حولهم، فإن الكتابة للأطفال لديها إمكانية كبيرة للتأثير على ما يعتبره القراء المستهدفون أمرا طبيعيا أو جيدا أو مقبولا أو مهما أو غير عادل أو يجب الخوف منه. وهذا من شأنه أن يجعل كتابات الأطفال مصدرا قيما للمهتمين بالتحولات الأيديولوجية والتغيرات الثقافية. على الرغم من أنه في النصف الثاني من القرن الماضي تسبب دور أدب الأطفال في تثبيت الأنماط التقليدية الخاصة بالجنس والمنزلة الاجتماعية والعرق في إثارة جدل محتدم وحملات قوية لمقاومة هذه النزعات، فإن المدى الذي يمكن لأدب الأطفال أن يصل إليه في تشكيل شخصيات الأطفال عقليا واجتماعيا غالبا غير معترف به. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستغل فيها الكتابة للأطفال في مساندة حملات متطرفة النزعة.
Página desconocida
ونظرا لأن الطبيعة التشكيلية لأدب الأطفال غير معترف بها أو يتم التغاضي عنها خارج الفصول الدراسية؛ فإن لديها القدرة على العمل بعيدا عن أجهزة الاستشعار الثقافية والشخصية. وهذه مفارقة؛ فمن ناحية، يتسم أدب الأطفال بالتنظيم الشديد؛ حيث إن المشاركين في جعل الأطفال يهتمون بالكتابات المخصصة لهم عادة ما يكونون حذرين فيما يتعلق بالكثير من مظاهر الكتابة للأطفال؛ مما يؤدي إلى فرض نوع من القوانين الذاتية المتعلقة باللغة والمحتوى الذي سبق وناقشناه. وعندما يعتقد الأشخاص والمجموعات أن أحد النصوص قد تخطى الحدود المقبولة، يمكنهم أن يعارضوه بشدة، كما اكتشفت الكاتبة الأمريكية جودي بلوم؛ فقد استفز الكثير من كتب بلوم من عينوا أنفسهم أوصياء على أدب الأطفال، ولكن كانت روايتها «للأبد» (1975) - التي صورت فيها مراهقين يمارسان الجنس، وعملية إجهاض، ومحاولة انتحار فاشلة قام بها أحد أشخاص الرواية خوفا من أنه شاذ جنسيا (جميعها أمور غير مترابطة) - هي ما تسبب في كون بلوم واحدة من أكثر المؤلفين المحظورين في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تحدت رواية «للأبد» التقاليد بوضوح؛ حيث إن كتب الأطفال عادة ما تكون أقل صراحة في الطريقة التي تطرح بها أسئلة هدامة عن الثقافة وتستكشف بها القضايا والسلوكيات والرغبات التي قد لا تعتبر مناسبة للأطفال. أحيانا قد لا يكون المؤلفون و/أو الرسامون أنفسهم مدركين لما يقترحونه؛ وكان هذا صحيحا على وجه الخصوص قبل أن يحدد سيجموند فرويد مفردات لوصف النفس. وقد أشار الكثير من القراءات لنصوص كلاسيكية مثل «أليس في بلاد العجائب» و«بيتر بان »، أن المؤلفين شعروا أنهم قادرون على استكشاف جوانب من أنفسهم أثناء الكتابة للأطفال ما كانوا ليدرجوها في كتاباتهم للكبار. وبدلا من ذلك، قد يسعى المؤلفون تحديدا إلى مخاطبة الجمهور اليافع؛ لأنهم يرغبون في تشكيل الجيل الصاعد من خلال تشجيعهم على رؤية الأمور من منظور جديد خارج عن الثقافة السائدة، أو لغرس طرق جديدة للتفكير والتصرف مقبولة رسميا. وقد استخدم المؤلفون في القرن السابع عشر كتب الأطفال لنشر أفكار معينة عن الدين والسلوك والحياة الاجتماعية، وفي القرن الثامن عشر نشرت الأفكار العلمية والسياسية الجديدة بين الصغار من خلال كتبهم ومجلاتهم التي تصدر بشكل دوري، كما شجع الإصلاحيون في العصر الفيكتوري القيم الدينية والاعتدال والتبرع للأطفال الفقراء من خلال نشر صفحات من القصص الخيالية للأطفال، ولكن خلال الحقبة المكارثية في الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح أدب الأطفال مجالا يستطيع من خلاله بعض المعارضين للمجتمع المحافظ تنمية الرؤى التقدمية للمجتمع.
اتساع مجال دراسات أدب الأطفال
على الرغم من أن جميع المناهج النقدية والنظرية الملائمة لدراسة النصوص يمكن استخدامها لتحليل الأعمال المخصصة للصغار، فإن بعضها قد أثبت فاعلية أكثر من غيره، وسيلقي الجزء المتبقي من هذا الفصل الضوء على أكثر تلك المناهج تأثيرا. ومن الجدير بالذكر أنه في تسعينيات القرن العشرين لم يكن هناك الكثير من الدراسات النقدية عن أدب الأطفال، وقبل هذه الفترة كان من الممكن مناقشة بعض النصوص النقدية الفردية. وبحلول القرن الحادي والعشرين، وانعكاسا لزيادة الاهتمام بدراسات أدب الأطفال وارتفاع منزلتها ونشاطها، ازداد عدد المنشورات في هذا المجال؛ مما جعلها أكثر تركيزا على التوجهات في المقام الأول لا على الأعمال الفردية. ويعد النشاط الجم في الدراسات البحثية عن أدب الأطفال دليلا على عوامل جاذبيته، ليس أقلها حقيقة أنه يقدم مجالا جديدا لم يتطرق إليه أحد من قبل؛ فهناك الكثير من الكتاب والنصوص والصيغ ومجموعات الأعمال وحتى الفترات التي لم تحظ بسوى قدر ضئيل - أو لم تحظ بأي قدر - من الاهتمام. هناك أيضا الكثير من العمل الذي يجب القيام به عن التاريخ الببليوجرافي لأدب الأطفال. ويظهر جانب من ثرائه كمصدر من خلال فحص النصوص النقدية والتوجهات الرئيسية في دراسات أدب الأطفال.
شكل 2-1: هذه القصة تستخدم نصا بسيطا ودمية ورقية لتعليم القراء من الأطفال فضائل الطاعة والتواضع.
1
المناهج المبكرة
بدأت الاستجابات النقدية لأدب الأطفال في الظهور بانتظام خلال القرن التاسع عشر. وكانت مجلة «حارس التعليم» هي أولى المطبوعات التي تنشر مراجعات جادة لكتب الأطفال، وقد تأسست عام 1802 على يد السيدة المهيبة سارة تريمر، وهي والدة لاثني عشر طفلا، وكاتبة وناقدة وعالمة تربوية. وكما يوحي اسمها، فقد اهتمت مجلة «حارس التعليم» بحماية الأطفال من خلال التأكد من أن التعليم الذي يتلقونه مفيد لهم. ويعكس وجود مثل هذه المجلة اهتماما بالطبيعة المهمة والمتقلبة للقراءة التي تزايدت خلال القرن التاسع عشر. فهؤلاء الذين كانوا يتمتعون بآليات التذوق الجيد ويتحلون بالتحكم في النفس (وكانوا جميعهم تقريبا رجالا كبارا من الأثرياء وعلى درجة جيدة من التعليم) قد سمح لهم بالقراءة بحرية، ولكن ساد اعتقاد بأن الفقراء والنساء والأطفال - خاصة الفتيات - يجب تنظيم قراءاتهم. أوضحت السيدة تريمر في العدد الثاني من مجلتها أهمية التأكد من أن الأطفال يقرءون ما يوافق عليه الكبار المسئولون عنهم:
يجب ألا يسمح للأطفال بالاختيار بأنفسهم، أو أن يقرءوا أي كتب تقع بين أيديهم بالصدفة، أو تقدم إليهم لمطالعتها؛ بل يجب أن يتعلموا أنه من «واجبهم» أن يستشيروا والديهم في هذه المسألة الخطيرة.
وحقيقة أن امرأة هي التي نصبت نفسها مرجعا في أدب الأطفال أمر له أهميته؛ حيث إنها أثارت الشكوك حول أحد المعتقدات المهيمنة على دراسات أدب الأطفال، ألا وهو أن الرجال كانوا هم المسيطرين على الأعوام الأولى من النشر الموجه للأطفال. وقد كان من السائد اعتبار الآباء المؤسسين لهذا النوع من الدراسات هما جون لوك وجان جاك روسو، اللذين سيطرت نظرياتهما عن الأطفال والتعليم والحضارة - لا سيما كما رسماها في كتابيهما «بعض الآراء حول التربية» (1693) و«إميل» (1762) على التوالي - على تنشئة الأطفال وتعليمهم على مدار جزء كبير من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ فضلا عن جون نيوبيري الذي ينسب له فضل قيادة الناشرين التجاريين إلى مجال أدب الأطفال الجديد. ولكن تجاهلت هذه النسخة من ولادة أدب الأطفال الكثير من النساء اللاتي لعبن دورا رئيسيا في تأليف مواد القراءة الأولى، وقد أشار
Página desconocida
الفصل الأول
إلى إسهامات ماري كوبر وجين جونسون، وهناك أيضا مؤلفات من النساء على غرار سارة فيلدينج، مؤلفة ما يعتقد أنه القصة المدرسية الأولى، ألا وهي «المربية» (1749)، وماريا إدجورث، التي صدر عملها الأول المخصص للأطفال، «مساعد الآباء»، عام 1796.
ومن ثم، ليست سارة تريمر سوى واحدة فقط من نساء عديدات شكلن مجال النشر للأطفال في سنواته الأولى، وفي هذه الحالة من خلال عملها كناقدة. وقد استخدمت آراء تريمر القوية المعارضة للقصص الخرافية والمناصرة للعقلانية المسيحية لإظهارها في صورة الشخصية القاسية التي ترغم الأطفال على قراءة المواد المملة؛ مما ساهم في تثبيت مفهوم آخر خاطئ وواسع الانتشار، وهو: أن النساء اللاتي كن يكتبن أو يدرسن أدب الأطفال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كن عبارة عن «كتيبة من الوحوش» يسعين لقتل السعادة في نفوس الأطفال ولا يتمتعن بقدرة كبيرة على رواية القصص المسلية، في حين كان الرجال - أمثال إدوارد لير وتشارلز كينجسلي ولويس كارول وجورج ماكدونالد - يقودون الأطفال للتمتع بمتع الخيال والهراء والروايات المحببة للأطفال. وكما أوضحنا مرارا وتكرارا (انظر الأقسام المتعلقة بالمناهج التاريخية والقائمة على النوع فيما يلي)، فإن هذا الوصف الذي يوضح تطور أدب الأطفال قد أساء إلى نساء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وكتاباتهن.
وبصفة عامة، كانت التعليقات المبكرة توجه إلى الآباء باعتبارهم المشترين المحتملين للكتب التي سيقرؤها أطفالهم، والذين كانوا يميلون - بما يتماشى مع منهج تريمر - إلى التركيز على ما إذا كان ما ينشر من أجل الأطفال قد ينفعهم (على سبيل المثال، يعلمهم الأخلاق والسلوكيات الفاضلة) أو يضرهم. وكانت النصائح المتعلقة بتحديد ماهية الكتب الضارة تميل لأن تكون أكثر تعقيدا من تلك النصائح المتعلقة باختيار الكتب المفيدة. كان النقاد الأوائل يفترضون بوجه عام أنهم يخاطبون جمهورا من الطبقة الوسطى (ويمكن القول إن هذا الوضع لا يزال ينطبق على العصر الحالي)، وأن نوع المادة التي يعتبرونها ضارة يختلف باختلاف الطبقة وجنس القارئ؛ لذا، فقد كانوا يعتقدون أن براءة الفتيات يمكن أن تتضرر بسبب الكتب ذات الفكر الدنيوي، في حين تساعد هذه النوعية من الكتب على إعداد الصبية لمواجهة مخاطر الحياة واتخاذ القرارات التي يستتبعها كونهم ذكورا. وقد كانت هناك مخاوف من أن انغماس أطفال الطبقة العاملة في القراءة قد يلهيهم عن القيام بأعمالهم، وربما يطلعهم على أفكار تجعلهم لا يتماشون مع وضعهم في المجتمع. وعلى النقيض، كان من شأن الكتب التي تتم الموافقة على قراءتهم لها - وهي بصفة أساسية الإنجيل والدعاية الدينية، ولاحقا بعض أنواع الروايات التي أنتجتها دور النشر الدينية - أن ترشدهم نحو الآراء المناسبة وتشجعهم على المحافظة على الوضع الراهن. وعموما، اتفق النقاد الأوائل لأدب الأطفال على أن مرحلتي الطفولة والمراهقة تمثلان الفترة التي يحصل فيها المرء أكبر قدر من التعلم، والتي تتشكل فيها الشخصية؛ ومن ثم فإنه - كما قال إدوارد سالمون في كتابه «أدب الصغار كما هو» (1888) - من المستحيل «أن نبالغ في تقدير أهمية أدب الصغار» على الشخصية القومية والثقافة.
اتفق نقاد القرن التاسع عشر على أهمية أدب الأطفال، ولكن كانت المحاولة الأولى المثبتة لاعتبار أدب الأطفال كيانا من الأعمال الأدبية هي كتاب «كتب الأطفال في إنجلترا: خمسة قرون من الحياة الاجتماعية» (1932) لمؤلفه إف جيه هارفي دارتون. فقد حول دارتون بؤرة تركيز النقد من الآباء إلى هؤلاء الذين لديهم اهتمامات بحثية في مجال النشر للأطفال في تاريخ تدعمه التفاصيل الببليوجرافية وتنظمه التصنيفات. ويرى دارتون أيضا تطور أدب الأطفال على أنه تطور بدأ بتعلم جاف وذي نزعة مسيطرة لم ترتخ قيوده إلا بصدور كتاب لويس كارول «أليس في بلاد العجائب» (1865)، الذي ناصر فكرة «حرية الفكر». وقد استمر النمط والبنى التي حددها دارتون في التأثير على فهم تطور أدب الأطفال، إلا أنه في ستينيات القرن العشرين، ظهر انقسام بين المهتمين بتحليل النصوص، غالبا باستخدام النظرية النقدية التي كان يتم إثراؤها باستمرار ، والتي كانت تدرس وتطبق في الدوائر الأكاديمية، وبين أولئك الذين كانوا يركزون على الببليوجرافيا الخالصة. وعندما أصبحت دراسات أدب الأطفال جزءا مهما من التدريس والبحث الأكاديمي، سرعان ما تزايد عدد التحليلات والمسارد النقدية المتعلقة به وأنواعها. ولسنا هنا في مقام سرد أعمال كل فرد من الأشخاص الذين رسموا خريطة تطور فن الكتابة للأطفال، ولكن من الأهمية بمكان ملاحظة أن هذا الأمر قد نفذه عدد من هواة جمع الكتب وبائعيها وأمناء المكتبات والمعلمين والناشرين والكتاب والرسامين والمتحمسين - لبعض الكتاب وأساليب الكتابة على نحو خاص - وبعض الأكاديميين الأفراد الذين لم يحظ اهتمامهم بهذا المجال بتقدير من زملائهم أو مؤسساتهم. وقد طور هؤلاء فيما بينهم بنية تحتية لدراسة أدب الأطفال، خاصة في صورة مجموعات ومنشورات ومعارض.
إذا كان دارتون هو رائد منهج دراسة أدب الأطفال الذي يتمحور حول الكتب، فإن بول هازارد - أستاذ الأدب المقارن بكلية كوليج دو فرانس - قد أخرج إلى النور المنهج الذي يتمحور حول الأطفال، حيث ألقى استطلاعه عن أدب الأطفال في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية - الذي يحمل اسم «الكتب والأطفال والإنسان» (1932، وترجم إلى الإنجليزية عام 1944) - الضوء على الاستثمار في خيال الأطفال كقوى متجددة، والذي ظهر في بدايات القرن العشرين، وأمل انتصار «دولة الطفولة العالمية» على الولاء القومي. وقد رأى هازارد أن كتب الأطفال هي محور هذه العملية، مدعيا أنه إذا تعرف الأطفال بعضهم على بعض من خلال قراءة بعضهم كتب بعض، فهذا من شأنه أن يخلق تفاهما عالميا، بل - حسبما كان يأمل - من شأنه أن يضع نهاية للصراعات. وعلى الرغم من أن الكثير من المشاركين مهنيا في تحقيق التقارب والألفة بين الأطفال والكتب وضعوا رؤية هازارد في اعتبارهم، كما أن بعض المنظمات الرئيسية (المجلس الدولي لكتب اليافعين)، والمؤسسات (مكتبة الشباب الدولية بميونخ)، والجوائز الكبرى (جائزة أدب السلام للأطفال) قد خلدت أفكاره ومثله من حيث كيفية دراسة أدب الأطفال اليوم؛ فإن تراثه الأعظم يتمثل في مجال أدب الأطفال المقارن، الذي أرسى قواعده. وحقيقة أن هذا المجال ما هو إلا مجال محدود يلقى اهتماما أكبر في الدول التي لا تتحدث الإنجليزية تشير إلى طريق من اتجاه واحد لحركة كتب الأطفال بين الدول. وفي حين أنه لطالما كان من المعتاد ترجمة الكثير من كتب الأطفال المؤلفة باللغة الإنجليزية إلى لغات أخرى، فقد أصبح هذا النمط أكثر وضوحا في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد استشرى بهذا الشكل بفضل انتشار اللغة الإنجليزية.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسة لا تلقي الضوء على أي من التفاصيل المتعلقة بطريقة فحص أدب الأطفال من قبل المشاركين في عملية تعليم الأطفال، خاصة خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ففي الغالب كان المعلمون والقائمون على تدريبهم هم أكثر الناس يقظة للجودة العالية والابتكار في الكتابة للأطفال وبعض إخفاقاتها. وقد تجسد الترابط والإثراء المتبادل بين المناهج الأدبية والتعليمية والنظرية، وكذلك الارتباط بين الأبحاث العلمية في إنجلترا وأمريكا الشمالية، في صدور مجلة «أدب الأطفال في التعليم». وتحتوي هذه المجلة - التي أسست في عام 1970 وحررت تحريرا مشتركا بين أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة - على أمثلة لجميع المناهج النظرية التي سنتعرض لها بالنقاش في بقية هذا الفصل.
مناهج التحليل النفسي والمناهج النفسية
من بين الاستخدامات الأولى للنظرية التي تطبق بوعي على أدب الأطفال كانت تلك التي ركزت على العالم الداخلي للطفل؛ فبينما كانت نظرية التحليل النفسي وحدها هي التي تستخدم في نقد أدب الكبار، فإن الكتابة للأطفال قد استندت بشكل متكرر إلى نماذج ورؤى من كل من التحليل النفسي وعلم نفس الأطفال. ويعود وجه الشبه بين هذين المنهجين وبين أدب الأطفال إلى العادة القديمة المتمثلة في استخدام القصص لمساعدة الأطفال على فهم أنفسهم وفهم المحيطين بهم. فتاريخ أدب الأطفال يزخر بالقصص المتعلقة بمخاوف الأطفال وما يقلقهم وردود أفعالهم الغاضبة و«سلوكهم السيئ»، والتي تقدم النصح حول كيفية التحكم بهم. على سبيل المثال، يبدأ كتاب «المربية» (1749) - لمؤلفته سارة فيلدينج - بشجار بين الفتيات في أكاديمية السيدة تيتشام للفتيات الصغيرات؛ فيتعلمن أن يتغلبن على مواطن ضعفهن الفردية ورغباتهن الجامحة، وأن يعشن سويا في وئام عندما تقص كل واحدة منهن قصة اعترافية للأخريات. إن الطريقة التي يكشف بها هذا الكتاب الجوانب الخفية للنفس ويضفي عليها شكلا قصصيا تشبه إلى حد كبير أسلوب التحليل النفسي، رغم أن النقاشات التي استخدمت في قصة فيلدينج متضمنة في المخاوف المعاصرة آنذاك، على غرار التحكم بالنفس والواجب المسيحي.
وبعد مرور أكثر من قرن، ولكن قبل تطور المفردات العلمية ومجموعة المفاهيم الخاصة بالتحدث عن النفس، أظهرت قصص الأطفال التي كتبتها ماري لويزا مولسورث فهما عميقا لسبب تصرف الأطفال بالطريقة التي يتصرفون بها. فعلى سبيل المثال، تتناول قصة «ساعة الوقواق» (1877) تأثير الحرمان والوحدة والملل على الحياة الخيالية للفتاة جريسيلدا؛ في حين تتناول قصة «لغز شيلا» (1895) قضية تنافس شديدة بين الأشقاء. وبحلول منتصف القرن العشرين، اعتمد الكثير من الكتابات الموجهة للأطفال على فهم نفسية الطفل وعقله وعالمه الداخلي، كما فسرها علماء نفس الطفل. وفي بعض الأحيان - كما في حالة كاثرين ستور - كان مؤلفو كتب الأطفال من علماء النفس الممارسين. وقد ظهر مدى تضافر الاهتمامات الإبداعية والتشخيصية في كتاب «الشبكة الرائعة» (1977)، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات التي جمعت آراء الكتاب والرسامين والنقاد الأدبيين وعلماء النفس وأمناء المكتبات والتربويين. وقد أضاف كتاب «الطفل والكتاب: استكشاف نفسي وأدبي» (1981) لعالم النفس التربوي نيكولاس تاكر إلى هذا المنهج روابط محددة لنظريات تطور الطفل التي قدمها جان بياجيه. وبحلول القرن الحادي والعشرين، تجمع عدد هائل من التحليلات التي كانت في بعض الأحيان شديدة التخصص، والتي وظفت توليفة من أسلوبي التحليل النفسي وعلم النفس. وقد وضع بعضا من هذه التحليلات ممارسون متخصصون، مثل الكتاب الذي ألفه طبيبا الأطفال النفسيان مارجريت ومايكل راستن تحت عنوان «قصص عن الحب والخسارة» (1987، وتمت مراجعته في 2001)، والبعض الآخر وضعه متخصصون بالأدب، مثل كتاب كارن كوتس «نظارات الرؤية والأراضي الخرافية» (2004)، والتي تطبق نظريات جاك لاكان على عدد من النصوص الأدبية للأطفال. وقد اهتم كلا المنهجين في النهاية بمدى قدرة الكتابة للأطفال على تشكيل الذات واستكشاف الهوية النفسية، وأثناء ذلك يساعد الأطفال على فهم أنفسهم.
Página desconocida
يمكن قول الشيء نفسه عن بعض النصوص الأدبية الأولى التي شكلت بوعي بعض القصص عن مشكلات الأطفال النفسية ومشكلات التطور. ومن بين الأمثلة الرئيسية على ذلك قصة كاثرين ستور «أحلام ماريان» (1958)، وقصة موريس سينداك «أينما توجد الأشياء البرية» (1963)، وقصة نيل جايمان، «كورالاين» (2002). ومن المثير للاهتمام أنه في كل من هذه القصص يدخل أبطال القصة عالم الأحلام/العوالم الثانوية؛ حيث يواجهون الشخصيات والسيناريوهات المخيفة المستقاة من المشكلات التي يواجهونها في حياتهم اليومية ويتغلبون عليها. وتمثل أهمية استحضار مخاوف الأطفال في القصص الخيالية التي يقرءونها وبعث الطمأنينة في أنفسهم بأنهم سوف يتغلبون عليها محور إحدى أهم الدراسات حول علاقة الأطفال بالقراءة؛ ألا وهي دراسة برونو بتلهايم التي تحمل عنوان «استخدامات السحر: معنى القصص الخرافية وأهميتها» (1978).
وقد تبع بتلهايم خطوات فرويد عن كثب؛ حيث ركزت تحليلاته عن القصص الخرافية الشهيرة على الرمزية والدور الرئيسي الذي تلعبه الدراما الأوديبية في تطورهم النفسي- الجنسي. ورغم أن دراسته قد لاقت نقدا بسبب تطبيقها المختزل لنظرية فرويد، وكذلك فشلها في الانتباه إلى السياق التاريخي أو تاريخ القصص الفردية التي حللها، فإن قوله بأن الأطفال بحاجة إلى قصص تظهر لهم مخاوفهم - من بينها المخاوف من أن تتملكهم مشاعر العدائية والرغبة القوية التي تستعر بداخلهم - كان له تأثير كبير على من يدرسون أدب الأطفال ومن يؤلفونه.
لقد تغلغلت أفكار فرويد عبر الثقافة؛ وعلى النقيض، فإن أفكار زميله وصديقه كارل يونج في بعض الأحيان أقل انتشارا. ومع ذلك، فمن المزعوم أن لتلك الأفكار تأثيرا أكبر على كتابة أدب الأطفال ونقده؛ ولا سيما اعتقاد يونج بأن الأطفال يولدون وداخلهم إحساس بالكمال يفقدونه على مدار المرور بأشياء كثيرة على غرار تحديد النوع وتعلم اللغة والتحكم الجسدي والذاتية - جميع المعايير الرئيسية للتطور الاجتماعي. وتؤكد آراء يونج عن التطور الشخصي على الحاجة إلى الانفصال والفردية كجزء من عملية النضج، ولكنه يرى أن هذا جزء من السعي لاستعادة الكمال النفسي. وقد اعتمد الكثير من الكتاب - خاصة كتاب روايات الصغار الخيالية - بشكل أساسي على نماذج يونج الأساسية - الرموز التي كان يؤمن أن الوعي واللاوعي يتواصلان من خلالها - والفكرة بأن النفس السليمة توازن بين الجوانب الذكورية والأنثوية.
لن يكتمل أي نقاش حول هذا الموضوع دون ذكر كتاب جاكلين روز «قضية بيتر بان: أو استحالة القصص الخيالية للأطفال» (1984). يضرب عمل روز بجذوره في إعادة قراءة عمل فرويد الذي قدمه المحلل النفسي والطبيب النفسي الفرنسي جاك لاكان؛ حيث إنها تعتبر أدب الأطفال ذا أهمية كبيرة في بناء الهوية الشخصية؛ إذ إن الذات نتاج اللغة، واللغة هي وسيلة الخيال؛ ومن ثم، فإن الأطفال أثناء القراءة يتعلمون ويجربون اللغة ويبنون هوياتهم في الوقت ذاته. ولكن الجانب من عملها الذي كان له عظيم الأثر هو تأكيدها بأن جذور البنى الخيالية للطفولة ترجع إلى احتياجات الكبار ورغباتهم. وقد أدى هذا إلى تصوير الطفولة على أنها رمز لمجموعة من رغبات الكبار - الرغبة في البراءة والتماسك والتوازن النفسي - التي لا ترتبط ارتباطا وثيقا بالأطفال والطفولة. وقد حملت كل من كارن ليسنيك-أوبرشتاين (1994) وكارن كوتس (2004) راية الاهتمام بمنهج لاكان واللغة والذاتية من بعد روز.
المناهج اللغوية والسردية والأسلوبية
من بين أولى الدراسات التي حاولت تحليل أدب الأطفال على أساس خصائصه الأسلوبية دراسة «قواعد أدب الأطفال» (1986) لزوهار شافيت، والتي تلقي الضوء على كيف وأين يتواجد أدب الأطفال داخل ما تشير إليه على أنه النظام التعددي للأدب، أو الأنظمة المتداخلة والهرمية بشكل مختلف التي تنظم النصوص الأدبية على مستويات ثقافية وعالمية وتحدد شكلها. وقد تبنى آخرون بعض أفكار شافيت، ولكن قرارها بأن تستخدم أمثلة كنسية من تاريخ أدب الأطفال تسبب في مشكلات لتحليلها؛ إذ إن الكثير من النصوص الأدبية التي ناقشتها لم تكن موجهة في الأساس إلى الأطفال.
وفي كتاب «صوت الراوي: معضلة القصص الخيالية للأطفال» (1991)، قدمت باربرا وول أيضا نظرة تاريخية شاملة لمساعدتها على تحديد المعايير الأسلوبية التي يمكن من خلالها تمييز كتب الأطفال عن غيرها من الكتابات الأخرى. وقد كانت جميع النصوص الأدبية التي ناقشتها باربرا وول مكتوبة خصوصا من أجل الأطفال، وكانت تقصد بذلك القراء الذين تقل أعمارهم عن 12 عاما . وقد خلصت إلى أن أغلب الكتابات الأولى التي أدرجت في الدراسات التاريخية لقصص الأطفال الخيالية لم تكن في حقيقة الأمر تمت بأية صلة لأدب الأطفال؛ لأنها لم تكتب بطريقة صممت خصوصا لتروق الأطفال (انظر المناقشة عن المخاطبة الفردية والثنائية والمزدوجة في
الفصل الأول ). وطبقا لكتاب «صوت الراوي»، فإن أدب الأطفال ككيان أدبي مميز يمكن تحديده فقط عندما يطور الكاتب أساليب محددة لمخاطبة القراء من الأطفال؛ وهذا في حد ذاته يعتمد على وجود فهم متسق لماهية الطفل وكيف أن الأطفال يختلفون عن الكبار على المستويات الإدراكية والعاطفية والجسدية. وتخلص وول إلى أن أدب الأطفال - إلى جانب أنه يستقي صورة وفهما ناشئين للطفولة - يعزز ويساعد في رسم ملامح صورة الطفل الذي يخاطبه.
أما العمل الرئيسي التالي الذي يركز على اللغة والأسلوب - وهو كتاب «اللغة والأيديولوجية في القصص الخيالية للأطفال» (1992) لجون ستيفنز - فيطبق تقنيات تراوحت ما بين النقد السردي واللغوي (القصة وأحداثها، ووجهة النظر، وبؤرة الأحداث، وصوت الرواية، وختام القصة) جنبا إلى جنب مع عدد من المناهج النقدية لنصوص الأطفال في القرن العشرين. وقد توصل ستيفنز إلى استنتاجات واسعة النطاق، ولكن ربما يكون أكثرها تأثيرا هو إثباته أن الكتب التي يقرؤها الأطفال والشباب مؤثرة أيديولوجيا وتميل إلى مناصرة القيم الإنسانية المتحررة.
المناهج القائمة على الجنس والنوع
Página desconocida
هناك قطاع كبير من الكتابة النقدية عن أدب الأطفال يتناول القضايا المتعلقة بالتوجهات النوعية والجنسية، وقد كان له أثر واضح على كتابة أدب الأطفال وشكله وتسويقه. وخلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، أصبح مدى اشتراك أدب الأطفال في تخليد الصور النمطية عن النوع قضية ساخنة مثيرة للجدل الشديد؛ ففي البداية، ركزت المخاوف على تصوير الفتيات وكيف كانت النصوص تميل إلى الالتزام بالمثاليات النسائية التي قللت من قدرهن، حيث كانت تشير إلى أن الفتيات أقل ذكاء وحيوية ومهارة من الصبية. وقد شرع الكتاب والناشرون في التعامل مع هذه المشكلة، من خلال وضع إرشادات وكتابة أعمال تهدف إلى مناهضة التمييز على أساس الجنس. وفي نهاية المطاف، أثمرت تلك الحملة عن مجموعة ضخمة ومتنوعة من النصوص التي قدمت الكثير من طرق تحقيق النجاح والمخصصة للفتيات. وقد تضمن جزء من هذه العملية إدراك أن توزيع القوى بين الجنسين لن يحرز أي تقدم بدون علاج مشكلة التصوير الذكوري؛ حيث بدأ كل من النقاد والكتاب في تلك المرحلة التركيز على مشكلات الصور النمطية الذكورية. وقد وقع بعض من أكثر المناقشات المحتدمة حول الذكورة في أستراليا، والتي ظهر فيها أيضا عدد من روايات أدب الشباب، والتي قدمت نماذج جديدة للذكور. وتعتبر مجموعة جون ستيفنز القصصية المنقحة والصادرة تحت عنوان «خصائص الذكورة: تصوير الذكورة في أدب وأفلام الأطفال»، العمل النقدي الأول والأكثر تأثيرا الذي يتناول هذا الأمر، والذي ظهر عام 2002.
وبينما طرأت - بلا شك - تطورات في عدد ونوعية النصوص التي تقاوم تحديد الصور النمطية للنوع على مدار نصف القرن المنصرم، فمن الجدير بالذكر أن القرن الحادي والعشرين قد شهد إعادة إحياء للأدب الذي يستهدف قراء من جنس معين، والذي يبدو أنه يعيد إحياء الأفكار السابقة عن طبيعة الذكور والإناث وقدراتهم؛ حيث كانت الكتب الموجهة إلى «الفتيات» وردية اللون، ومزينة بالحوريات للفتيات الصغيرات أو إكسسوارات الموضة للفتيات الأكبر سنا، وعادة ما تفترض ضمنيا أن القارئات الصغيرات لا يهتممن بسوى مظهرهن وأن يرقن الفتيان. أما كتب «الفتيان» فتكون عن الجنود أو الجواسيس الصغار أو أي من الشخصيات المشابهة مفتولة العضلات التي لا تظهر الكثير من العاطفة وتركز فقط على تطوير المهارات البدنية التي تمنحها التفوق والسيطرة في أغلب المواقف. وتمتلئ صفحات تلك الكتب بالمعارك والآلات ومشاهد من الحياة في الهواء الطلق والشجاعة منقطعة النظير.
وقد حدثت هذه العودة إلى الأفكار القديمة رغم النشاط النقدي المستمر (انظر - على سبيل المثال - كيري ماليان، 2009)، والاهتمام المتزايد بنظرية تحرر الجنس (ماريا نيكولاييفا، 2009). وفي حين قد يبدو تصوير النوع رجعيا في بعض جوانب النشر للأطفال، فإن الوضع يختلف تمام الاختلاف عندما يتعلق بالتوجهات الجنسية. فهناك عدد متزايد باطراد من الأعمال الرئيسية والثانوية التي تؤيد وتحتفل بحياة الشواذ من الذكور والإناث ومزدوجي الرغبة الجنسية والمتحولين جنسيا من الشخصيات والقراء. وتشجع الكتب التي تقدم شخصيات غير محبة للجنس الآخر قراءها على تقمص توجه جنسي بديل خلال وقت القراءة - بالضبط كما يطلب ممن لا يكونون من محبي الجنس الآخر أن يفعلوا - مما يشجع على فهم أن جميع الميول الجنسية يمكن تغييرها، وأن نظم التصنيف الحالية بدائية. علاوة على ذلك، فإن رؤية العالم من خلال وجهة نظر شخصية تختلف ميولها الجنسية عن ميول القارئ بإمكانها أن تشجع التعاطف والتقمص العاطفي بطرق نادرا ما تنجح المعلومات المباشرة وتدريبات زيادة الوعي في فعلها. وهذه هي الاستراتيجية التي وظفها ديفيد ليفيثان في رواية «صبي يقابل صبيا» (2003)، والتي تدور أحداثها في مدينة فاضلة للشواذ ويرويها بطل القصة مثلي الجنس.
المناهج التاريخية
منذ عصر هارفي دارتون وحتى عصرنا الحاضر، كانت نسبة هائلة من الأبحاث المتعلقة بأدب الأطفال تاريخية، وقد ينقل هذا دراسة الكتب أو المخطوطات أو غيرها من المواد المطبوعة من الماضي من مستوى أغراض مادية تم إنتاجها في لحظة تاريخية بعينها، أو تحليل المناقشات المتنافسة حول قوة الخيال في الماضي، أو تأمل كيف كون كتاب الماضي صورا عن الطفولة مثلا أو الأبوة أو النوع أو الحرب، أو دراسة كيفية إنتاج الكتب أو بيعها أو تلقيها. ولكن بصفة عامة، كانت الأبحاث التاريخية باستخدام نصوص الأطفال تقارب إلى حد كبير الأبحاث التي أجريت على النصوص الأدبية للكبار، ولكن بسبب أن القيود المفروضة حول ما يمكن اعتباره أدب الأطفال واسعة للغاية ومسامية، فقد نتج عن هذا بعض الاختلافات.
إن العمل على أدب الكبار يميل إلى دراسة الأدب في صورة النصوص المطبوعة فقط تقريبا؛ فإعداد النصوص لتحويلها إلى مسرحيات أو أفلام ينظر إليه على أنه تخصص، إن لم يكن مجالا منفصلا تماما للدراسة، ويندر أن ينشب الجدل - إذا كان هناك جدل على الإطلاق - حول ما يشكل أدب الكبار. أما بالنسبة لأدب الأطفال، فهناك عدد من المعضلات، ينبع معظمها من الفشل في الاتفاق على تعريف واحد لماهية أدب الأطفال. عند تناول أعمال من الماضي، يمكن أن يقودنا هذا للتساؤل عن مدى صحة اعتبار نص مثل «رحلة الحاج» مثالا على أدب الأطفال، حيث إنه لم يكتب من أجل الأطفال، وعلى مدار قرن كامل من الزمان، نادرا ما كان يقرؤه الأطفال (وبعد ذلك كان يقرأ دائما في نسخ معدة خصوصا للصغار). هل لا يزال يعتبر من أدب الأطفال؟ أو ماذا عن الكثير من الألعاب التي كانت تأخذ - ولا تزال - شكل الكتب مثل الدمى الورقية ومسارح العرائس والكتب ذات الرسومات ثلاثية الأبعاد على سبيل المثال، أو ألعاب الورق والطاولة والألغاز واللعب وغيرها من الأغراض المؤقتة التي تستند فكرتها إلى الكتب؟ كل هذه الأشياء توجد في مجموعات كتب الأطفال التاريخية، والتي يمكن الكتابة عنها تحت عنوان عام هو «أدب الأطفال».
وهناك اختلاف أخير بين دراسة أعمال الماضي للكبار وللأطفال يتعين علينا أن نأتي على ذكره هنا؛ وهو يرتبط بصورة الطفل. يتفق مؤرخو أدب الأطفال على أهمية أن نظل يقظين إلى كيفية تكوين النصوص لصور الطفولة وكيفية اتصالها بمناقشات أكبر وتجارب حقيقية لأطفال حقيقيين وقت كتابة النص الأدبي. إن الحاجة لإدراك المعاني الرمزية والثقافية للطفولة في أي وقت محدد ما هي إلا مطلب إضافي ممن كانوا يعملون مع النصوص الأدبية للأطفال في الماضي. وفي حين أن بعض مؤرخي أدب الكبار يهتمون بقرائهم، فلا يوجد أي معنى في تحديد صورة مشابهة لمرحلة النضج بما يتجاوز بعض أساسيات الجنس والطبقة والعرق.
مناهج مرحلة ما بعد الاستعمار
تعني حقيقة أن هذه الدراسة تتمحور حول أدب الأطفال في الدول المتحدثة باللغة الإنجليزية أنها تؤرخ لميراث من الأنشطة الاستعمارية. ونظرا لأن كلا من بريطانيا وأمريكا الشمالية تتشاركان تاريخ الغزو والاستعمار (بما في ذلك الغزو البريطاني للكثير من أنحاء أمريكا الشمالية)؛ فلن يكون من المفاجئ أن هناك تاريخا طويلا من الكتابة المخصصة للأطفال عن تجربة الاستعمار. خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تخلل هذا التاريخ الإمبريالي أجناس أدبية رئيسية، مثل قصص المغامرات والاستكشاف، والتي تتضمن كلا من المؤلفات التي تصطبغ بالصبغة الواقعية التي ألفها جي إيه هنتي، والمؤلفات الخيالية مثل رواية «جزيرة الكنز» لستيفنسون. وعلى الرغم من وفرة المواد الأدبية الأساسية، فإن تطبيق نظرية ما بعد الاستعمار على أدب الأطفال محدود نسبيا حاليا. ومن بين الأمثلة الأولى مقال بيري نودلمان «الآخر: الاستشراق والاستعمار وأدب الأطفال» (1992)؛ حيث طبق نودلمان أفكارا من كتاب «الاستشراق» للكاتب إدوارد سعيد عن العلاقة بين الكبار والأطفال التي تظهر في نصوص الأطفال الأدبية، ويشير إلى أن أدب الأطفال ما هو إلا أدب استعماري يستعمر فيه الكبار الطفولة.
ومن بين من شككوا في بعض استنتاجات نودلمان، تعد كلير برادفورد الأكثر انخراطا في تطبيق نظرية ما بعد الاستعمار على النصوص الأدبية للأطفال. فقد عملت برادفورد - على سبيل المثال - على نصوص أدبية للأطفال من إنتاج سكان أستراليا الأصليين - في الماضي والحاضر - للمساعدة على تحديد سمات رواية القصة والرسم التوضيحي لديهم وتفسيرها. وفي خضم عملها، توضح كيف أنهم يعملون خارج إطار أنظمة المعارف والقيم التي يتسم بها الأوروبيون الغربيون الذين استعمروا أستراليا. وفي تحليلاتها للأعمال القصصية للمستوطنين، كشفت عن الاستراتيجيات السردية التي علمت القراء البريطانيين والأستراليين الشباب أنهم أعلى منزلة من السكان الأصليين، وأضفت شرعية على السلطة التي يمارسونها عليهم. وكما توضح برادفورد، فإن الكتابة للأطفال - بما تتسم به غالبا من طرح أيديولوجيات واضحة ونزعة إلى إدراج مواد رسومية بها - يمكن أن تكون بؤرة تركيز مثمرة للغاية لتطبيق نظرية ما بعد الاستعمار.
Página desconocida
نظريات استجابة وتلقي القارئ
نظرا لأن أدب الأطفال يستقي تعريفه بصورة جوهرية من قاعدة قرائه، فلا عجب في أن تكون نظرية استجابة القارئ قد جذبت بعض الذين يدرسون الكتابة للأطفال. وقد شهد هذا المجال نشاطا ملحوظا من قبل التربويين - نظرا لقدرتهم على التواصل مع أطفال حقيقيين كقراء وحاجتهم لذلك - سواء أكانوا يسعون إلى فهم كيفية تطور الأطفال كقراء، أو الاستراتيجيات التي يوظفونها لجعل النصوص الأدبية ذات معنى، أو كيف يمكن أن تؤثر النصوص الأدبية على فهم الأفكار والممارسات الاجتماعية. ويتسع نطاق الآراء حول استجابة الأطفال ليشمل كل شيء بدءا من قراءة الأطفال للكتب المصورة إلى طريقة تفاعلهم عند «قراءة» ألعاب الكمبيوتر.
مبدئيا، قام عدد من الباحثين البارزين مثل لويز روزنبلات (1938)، ودي دبليو هاردينج (1962)، ونورمان هولاند (1975)، وولفجانج إيزر (1978)، وستانلي فيش (1980)، بتطوير الأبحاث عن استجابة القارئ التي تطبق على مفاهيم ومنهجيات القراء من الأطفال من خلال العمل مع الكبار. وعلى غرار أعمال استجابة القارئ في حالة الكبار، فقد نتج عن هذا العمل أيضا انقسام بين الذين يضعون كيفية قراءة الأطفال للنصوص الأدبية واستخراج المعاني منها على رأس أولوياتهم، وأولئك الذين يركزون على الكيفية التي تشكل بها النصوص الأدبية شخصيات القراء وتسعى إلى إثارة استجابات بعينها. تتركز أماكن الاستكشاف الرئيسية على كيفية عمل مفهوم القارئ الضمني في الكتابة للأطفال، وما الذي يضيفه الأطفال للنصوص الأدبية، وكيف يكملونها، وما الذي يمنحهم السعادة، وكيفية عمل المجتمعات التفسيرية للطفولة.
هناك عامل واحد ينفرد به عمل نظرية استجابة القارئ مع الأطفال ألا وهو السن؛ كيف أن المدى العمري الواسع لهؤلاء الذين صنفوا على أنهم قراء لأدب الأطفال يجعل من الممكن ملاحظة كيفية تطور الاستجابات للقصص من الطفولة إلى المراهقة، وما نوعية الاختلافات الموجودة بين القراء من الأطفال والكبار. أما بالنسبة لإضافات الأطفال للنصوص الأدبية - كيف يسهمون في معناها - فستكون مختلفة عن إضافات الكبار؛ لأنهم يمتلكون خبرة أقل عن الحياة، كما أنهم على الأرجح يعرفون عددا أقل من النصوص الأدبية، كما أن النصوص التي يعرفونها - والتي تتضمن المواد على غرار القصص المصورة والبرامج التليفزيونية وقراءات المدرسة - ستكون مختلفة على الأرجح (على سبيل المثال، في نسبة الصور التي تحتويها) عن تلك التي يقرؤها الكبار عادة. بالإضافة إلى هذا، ستؤثر خبراتهم المختلفة عن النصوص الأدبية على طبيعة الإشارات بين النصوص التي يستجيب لها القراء على الأرجح. وبالطبع، مع تقدم الأطفال في العمر، سيبدءون في إظهار استراتيجيات القراءة التي يتسم بها الكبار، ولكن أظهرت الدراسات كذلك وجود اختلافات جلية بين استجابات الكبار والأطفال حتى مع انتقال الأطفال إلى مرحلة المراهقة.
لم يتعلم الأطفال الصغار القراءة بعد؛ لذا فإن محاولتهم لفك شفرات الكلمات والصور تختلف تماما عن القراء الأكبر سنا الذين تعلموا كيفية البحث عن المعاني الخفية والتقنيات السردية. يظهر الكثير من استجابات القراء أن القراء الصغار شديدو الابتكار والفاعلية في تكوين المعاني، لا أنهم عاجزون بسبب عدم تلقي التدريب. وبمجرد أن يتعلم الأطفال القراءة، عادة ما يطلب منهم القراءة في سياقات رسمية أو تحت إشراف الكبار، وغالبا ما يكون ذلك استجابة لبروتوكولات محددة نادرا ما يتقيد بها الكبار. تؤثر جميع هذه العوامل على الاستجابة، كما تفعل بعض العوامل العامة الأخرى مثل الطبقة الاجتماعية والجنس ودرجة التعليم. وقد أطلقت هذه الأبعاد الاجتماعية الخاصة بكيفية قيام القراء الصغار بتكوين المعاني مشروعات تسعى إلى فهم كيفية استجابة القراء الصغار للمشكلات الاجتماعية التي تناقشها الأعمال التي يقرءونها والتأثير عليها. وقد كان هذا النوع من الدراسات نشطا في مجالين، وهما الموقف من المساواة الجنسية (كما في كتاب «معضلات النوع» (2009) لكيري ماليان)، والعنصرية (انظر كتاب «بأعين من؟ استكشاف العنصرية: القارئ والنص والسياق» (1992) لبيفرلي نايدو).
ومن بين التطبيقات الأولى والأكثر تأثيرا لنظرية استجابة القارئ فيما يتعلق بأدب الأطفال كان مقال «القارئ في الكتاب» (1977) لأيدن تشامبرز، وهو المقال الذي يطبق أفكار لولفجانج إيزر ليوضح أن كتب الأطفال تشكل قراء ضمنيين من خلال إنشاء علاقة خاصة مع الراوي، والذي يكون «شخصا ودودا من الكبار يعرف كيف يسلي الأطفال، وفي الوقت نفسه يبقيهم في الوضع المخصص لهم». ويؤكد تشامبرز على هذا من خلال المقارنة بين نسختين من إحدى قصص رولد دال: الأولى هي «بطل العالم» (1959)، وهي قصة قصيرة للكبار، والثانية هي «داني: بطل العالم» (1975)، وهي رواية للأطفال. وفي العديد من الجوانب، يعتبر عمل تشامبرز سابقا لأعمال كل من شافيت ووول؛ إذ إن تحليله يشير إلى أن طبيعة العلاقة بين الراوي والمتلقي تعتمد على الفهم المهيمن للطفولة في وقت كتابة النص الأدبي. ويشير كل من شافيت ووول إلى أن تطور أسلوب محدد لمخاطبة القراء من الأطفال يمثل جزءا مهما لتطوير ما يمكن أن يقال عنه إنه كيان منفصل من الكتابة الخاصة بالأطفال. كانت النبرة الأبوية المتحكمة التي وصفها تشامبرز مشابهة لصوت الراوي الذي يربطه كل من شافيت ووول بالكتابة التي تكون خالصة للأطفال.
ولكن هناك تفسيرات أخرى للعلاقة بين الراوي والمتلقي في أدب الأطفال. فعلى سبيل المثال، يفترض كل من تشامبرز وشافيت ووول أن النص الأدبي يشكل قارئا ضمنيا على أساس فكرة مسبقة عن الطفولة، ولكن من الممكن أيضا أن نقول بأن النصوص الأدبية تشكل قراءها؛ ومن ثم فإنها تمتلك القدرة على التأثير على تلك الفكرة. ويمكن رؤية تنفيذ هذه العملية في مناقشة المناهج التاريخية والأيديولوجية لدراسة أدب الأطفال التي ناقشناها آنفا.
النظريات المتمركزة حول الطفل ... من يهتم منا بأدب الأطفال يحتاج إلى أن يحذر من الفخ الذي نصبه لنا مفهوم «الأدب»، ومعايير أدب [الكبار] التي تدعي أنها (أو تطمح أن تكون) مسيطرة ... إذا كنا نقدر [الأطفال كقراء يمكنهم صنع معنى للنصوص الأدبية]، فعلينا أن نراهم يقومون بهذا في سياق ثقافتهم الخاصة.
هكذا يقول بيتر هانت، الناقد الذي جادل على نحو مقنع بأن نقد أدب الأطفال يحتاج إلى تجنب إصدار الأحكام بالنيابة عن الأطفال، بل يجب أن يتضمن آراء الأطفال. وتتصل رؤية هانت لما يطلق عليه «النقد من منظور الأطفال» اتصالا وثيقا باستجابة القراء، ولكنه يركز تحديدا على الأطفال كقراء، وكذلك بوصفهم قراء للصور. ويمثل النقد من منظور الأطفال إلى حد ما محاولة لمعالجة ما يعتبره البعض نقطة ضعف في دراسات أدب الأطفال، ألا وهي: النزعة لاستخدام نظريات من فروع معرفية أخرى بدلا من ابتكار مناهج خاصة بها. ويعد هذا الأمر نقطة ضعف فقط إذا ما تم فصل أدب الأطفال عن الاتجاه السائد في الأدب، بدلا من النظر إليه على أنه يهتم بكيفية مخاطبة الأدب للقراء الصغار، وفي هذه الحالة فإنه لا توجد حاجة لاستخدام مناهج نقدية منفصلة غير تلك القائمة على السن.
يمكن مقارنة النقد من منظور الأطفال بفرع من فروع النقد النسائي يعرف باسم «أسلوب الكتابة النسائي»، والذي كان يهدف إلى التخفيف من حدة اللغة التي «صنعها الذكور» من خلال تطوير طرق مخصصة للنساء لاستخدام اللغة، لا سيما في الكتابة. ويحاول نقد الأطفال - إلى حد ما - علاج طبيعة أدب الأطفال التي «صنعها الكبار»، ولكن التشابه بين الحالتين ليس تشابها تاما؛ حيث إن الأطفال ليسوا هم من يكتبون أدب الأطفال أو من يجرون الدراسات النقدية عليه. وهذا يعني أنه بدلا من اعتبار الأطفال كتابا أو السعي لصبغ الكتابة بصبغة السكنى في جسد و/أو نفس طفل (في الواقع، هذه الممارسات هي ما شغل بعض كتاب أدب الكبار مثل هنري جيمس وجيمس جويس وفيرجينيا وولف)، يركز النقد من منظور الأطفال على تحديد سمات معينة في الأطفال كقراء لكل من النصوص والصور واستكشافها.
Página desconocida
لقد ألهمت روح النقد من منظور الأطفال العديد من المجالات الرئيسية في دراسات أدب الأطفال، من بينها محاولات فهم كيف استخدم الأطفال واستجابوا للنصوص في الماضي (جالبريث 1997، وجرينبي 2009)، ومدى تأثير الألفة مع ألعاب الكمبيوتر على الطريقة التي يقرأ بها الأطفال الكتب المصورة (ماكي 2002). وعلى أي حال، فإن النقد من منظور الأطفال - في نهاية المطاف - يعتبر أقرب إلى كونه موقفا من كونه منهجية في حد ذاته، فضلا عن أنه يواجه باستمرار صعوبات نابعة من حقيقة أن الوسيط من الكبار مطلوب منه حتما أن يثير ردود أفعال الأطفال وسلوكياتهم ويحللها ويعرضها. ورغم أن مدى تدخل الكبار يقل بصفة عامة مع تقدم الأطفال في السن، فإن أغلب الروايات المتاحة للاستجابات النقدية للأطفال والشباب على النصوص الأدبية تتم إدارتها واستنباط معانيها من قبل الكبار.
طور بيتر هانت هذا المصطلح وحاول أن يوضح كيف يمكن أن ينجح النقد من منظور الأطفال، ولكن كان الكاتب والناقد البريطاني أيدن تشامبرز هو أول من دعا إلى «أسلوب نقدي يضع في اعتباره الطفل على أنه قارئ». ويشجع تشامبرز الأطفال على الحديث عن الكتب بأسلوب نقدي من خلال تكوين مجتمعات للقراءة يتشارك فيها القراء الحماسة ويناقشون الأمور التي يجدونها مثيرة للحيرة، ويحددون أنماط الكتابة ويربطون بين الكتب وبعضها. وقد أكد تشامبرز - بعد أن حظي بفرصة للاطلاع على تفسيرات الأطفال لبعض الكتب - أنه في حين أن الأطفال قد يقرءون بطريقة تختلف عن الكبار، إلا أنهم قادرون على تكوين استجابات مدروسة وثاقبة للنصوص الأدبية، شأنهم في ذلك شأن الكبار، وهذه الاستجابات هي محور اهتمام النقد من منظور الأطفال. وبالنسبة لتشامبرز، فإن الاختلافات بين تفسيرات الكبار والأطفال غالبا ما تكون متصلة بالنظام التعليمي؛ حيث إن الأطفال قبل أن يتعلموا الجوانب التي يقدرها المعلمون والمراقبون غالبا ما يستجيبون لجوانب من النصوص مختلفة عن تلك التي يستجيب لها النقاد من الكبار. وهناك أمر آخر متعلق بهذه الملاحظة، ألا وهو الإشارة إلى أن القراء من الصغار - بصفتهم قراء جددا نسبيا لم يتقنوا الكثير من استراتيجيات القراءة مثل الكبار - ينغمسون في النصوص التي يقرءونها أكثر من الكبار. فإنهم يقرءون أنفسهم بالقدر الذي يقرءون به النصوص الأدبية، وهو ما يفسر جزءا من ذلك الشعور بالانغماس والرضاء الذي يشعرون به عند قراءة نص قد يعتبره أحد الكبار تافها.
وهناك دراسة أخرى بها الكثير من القواسم المشتركة مع نظرية النقد من منظور الأطفال، وهي دراسة «علامات الطفولة في كتب الأطفال» (1997) للكاتب بيتر هوليندال، والتي أشار فيها إلى أن كلا من الأطفال والكبار على حد سواء لديهم قدرة على الوصول إلى ما يطلق عليه «الطفولة» أو «سمة الطفولة». وتتميز هذه السمة بالقدرة على الاستجابة للتغيرات بطريقة غالبا ما نفقدها أو نتجاهلها في مرحلة النضج. ويوضح فيليب بولمان أمرا مشابها بطريقة أدبية، وذلك من خلال ابتكاره للشياطين في روايته «مواده المظلمة»، حيث يعرض شياطين الأطفال دائمة التغير، في حين أن شياطين الكبار ثابتة باستمرار. ويشير هوليندال إلى أن كتب الأطفال تخلق مساحة حيث يمكن للطفولة والنضج أن يلتقيا ويمتزجا، حيث يعيد الكبار تنشيط بعض جوانب الطفولة في أنفسهم - لا سيما إمكانات الطفولة والقدرة على التغير - في حين تتاح للأطفال فرصة الاطلاع على بعض جوانب الكبر. وقد لخص طبيعة هذه الديناميكية مؤلف كتب الأطفال والرسام سي والتر هودجز عندما أبدى ملاحظة يقول فيها إنه «إذا كان هناك داخل كل طفل شخص كبير يحاول الخروج، فإنه بالمثل هناك داخل كل شخص كبير طفل يحاول أن يعود به للطفولة. وفي نقطة التقاء هاتين الشخصيتين، نجد الأرضية المشتركة بينهما». وتشكل هذه الأرضية المشتركة سمة الطفولة، ولكن تختلف خبرة الطفولة بين كلتا المجموعتين، حيث لا يزال الأطفال يختبرون فترتي الطفولة والشباب، في حين يستجمع الكبار ذكريات فترة الطفولة ويستجيبون إلى الأوامر التي يتلقونها من الأطفال الذين كانوا عليهم في الماضي والذين لا يزالون متواجدين عاطفيا في داخلهم. وعلى عكس تي إس إليوت وغيره ممن يعتبرون قراءة أدب الأطفال في مرحلة الكبر نوعا من الارتداد، وأن قراءته في مرحلة الطفولة ما هي إلا استعداد لقراءة الكتب «الحقيقية» وأنهم سيتوقفون عن قراءته عندما يكبرون، فإن هوليندال يمنح أدب الأطفال قيمة كبيرة. وبالنسبة لهوليندال، يكمن جزء كبير من هذه القيمة في الخصائص الأدبية والاستراتيجيات السردية التي توظف في النصوص الأدبية، وينتج عن هذا اختلاف واضح في التأكيد والممارسات النقدية للنقد من منظور الأطفال؛ حيث لم يكن هوليندال مهتما بالأطفال كقراء كاهتمامه بنصوص الأطفال ذاتها.
وقد اهتم كثير من النقاد الآخرين بالتبادل المشترك بين الكبار والأطفال الذي يقدمه أدب الأطفال. فعلى سبيل المثال، درس بيري نودلمان (1998) كيف أن عددا كبيرا من كتب الأطفال والشباب يقدم متعة جمالية لمن يطلق عليه القارئ «الكبير الخفي». ويقدم كل من يو سي نوبفلامشير ومتزي مايرز في نقاشهما حول «الكتابة المتقاطعة» فهما مختلفا لشخصية «الكبير الخفي»، حيث بدآ بالاعتراف بأنه أثناء الكتابة للأطفال يجري المؤلفون «حوارا لا يمكن تجنبه بين أنفسهم في الماضي والحاضر» (أي أنفسهم وهم أطفال في الماضي وأنفسهم وهم كبار في الحاضر)، ولكن عادة ما يجري تجاهل صوت الكبير أو عدم تبنيه؛ ومن ثم فإنه يصبح خفيا. كما استكشفت ماريا تاتار أيضا العلاقة بين الشخصيات في الماضي والحاضر في كتابها «الصيادون المسحورون» (2009)؛ حيث اهتمت تاتار بالطريقة التي تؤثر بها النصوص الأدبية عن الطفولة على القراء، بما في ذلك الطريقة التي يتذكر بها الكبار تجربة القراءة في الطفولة والاختلافات بين تجربة القراءة في الكبر والقراءة في مرحلة الطفولة . وقد جمع البحث الذي أجرته ماريا تاتار بين ذكريات القراء الكبار عن تجارب القراءة أثناء مرحلة الطفولة وانطباعاتهم عنها، وكانت النتائج التي توصلت إليها ذات حدين. ففي حين أن هذا يمثل - في الكثير من الجوانب - احتفاء بالقوة التخيلية لأدب الأطفال، فإنه يدور أيضا حول حساسية القراء الأطفال الذين يجدون أنفسهم خاضعين للكتب وما يفقدونه بمجرد أن يصبحوا قراء كبارا. ويعبر عنوان الكتاب عن هذه الرؤية، حيث إن اسم «الصيادون المسحورون» هو أيضا اسم الفندق الذي يغوي فيه همبرت همبرت - الشخصية التي ابتكرها الأديب الروسي فلاديمير نابوكوف - الطفلة لوليتا؛ مما يؤدي إلى تغيير علاقتها بشخصيتها الطفولية شديدة الفضول تغييرا حادا.
إن دراسة أدب الأطفال من منظور القارئ الطفل تفتح المجال أمام بعض المناقشات الفلسفية والأخلاقية المثيرة للاهتمام حول العلاقة بين الكبار والأطفال داخل وخارج نطاق النصوص الأدبية. وهناك منطقة في أدب الأطفال عادة ما تثير أسئلة معقدة، ألا وهي دمج الأعمال الأدبية التي تضم عنصرا بصريا بارزا، لا سيما الكتب المصورة والروايات الرسومية. وعلى مدار فترة طويلة في الغرب، كانت هذه أيضا هي مجموعات الأعمال التي يمكن تمييزها بسهولة عن القصص الخيالية للكبار، والتي أصبحت الآن خالية من الصور رغم أن شعبية الروايات الرسومية تزداد بين القراء من الكبار. ولكن، لا يزال أدب الأطفال هو المجال الذي تنتج فيه النصوص المصورة على نحو واسع.
قراءة النصوص المصورة
معظم الأعمال النقدية التي تناولت النصوص المصورة ركزت على الكتب المصورة التي تكرر فيها الكلمات والصور وغيرها من العناصر البصرية المعلومات إلى حد بعيد، والكتب المصورة التي تكون فيها الكلمات والعناصر البصرية معتمدة بعضها على بعض (ولم توضع ضوابط للتمييز بين النوعين إلا مؤخرا). وتحديدا في الكتب المصورة، يكون التفاعل بين الكلمات والصور معقدا ويحتاج إلى تحليل متأن - حتى عندما تكون الكلمات ضمنية - كما في الكتب المصورة التي لا تحتوي على نصوص مكتوبة. وكان ويليام موبيوس (1986) من أوائل الباحثين الذين تناولوا موضوع تعقيدات قراءة الصور في أدب الأطفال؛ حيث ابتكر مجموعة من القوانين لتحليل الصور في الكتب المصورة المترابطة تدرس جميع جوانب الكتاب: من الرسومات على الورقة الأخيرة إلى حجم ووضع الرسومات الشخصية من خلال الإشارات الضمنية بين النصوص والرمزية إلى العلاقة بين الكلمات والصور. يهتم موبيوس بكيفية تأثير جميع أوجه التصميم - المنظور واللون والعلاقات بين الصور، وحتى سمك الخطوط في الرسومات، والطريقة التي يؤثر بها التصميم، وتقليب الصفحات على سرعة الإيقاع - على المعنى. وهناك اهتمام مماثل للعناصر المادية والجمالية للنص الأدبي يثري أعمال بيري نودلمان، الذي يقدم كتابه «كلمات عن الصور: الفن السردي لكتب الأطفال المصورة» (1988) تفسيرات تفصيلية للنصوص الفردية تسير على خطى مشابهة لخطى موبيوس، إلا أن نطاق تناوله للموضوع كان أكثر اتساعا. ويقدم نودلمان أيضا رأيا عاما حول العلاقة بين الكلمة والصورة في الكتب المصورة المترابطة؛ فمن وجهة نظره، أن هذا الأمر ساخر بصورة حتمية. وسواء أكان هذا الأمر ينطبق على «جميع» الكتب المصورة أم لا، فإنه ينطبق على معظم الكتب المصورة المترابطة، لا سيما الكثير من الأعمال الأدبية التي تعرض نزعات ما بعد الحداثة. وقد شكلت هذه الافتراضات الأساس الذي بني عليه كتاب «قراءة الكتب المصورة المعاصرة: تصوير النصوص» (2001) لديفيد لويس، والذي يحدد ويوضح فيه مدى وقوة العلاقة بين الكتب المصورة المترابطة وحقبة ما بعد الحداثة، ومن خلال الدراسات المتأنية لمجموعة كبيرة من الكتب المصورة المترابطة الأكثر تعقيدا التي أنتجت في القرن العشرين، والتي أكدت افتراضات كل من موبيوس ونودلمان عن تعقيد تلك الصيغة الأدبية ولفتت الانتباه إلى نزعتها المرحة المتأصلة فيها.
شكل 2-2: «الظلمة تغمرك» من كتاب «الشجرة الحمراء» (2001) لشون تان. إن التفاعل بين الكم الضئيل من النصوص وسلسلة الصور المعبرة التي يستخدمها شون تان يساعد القراء من جميع الأعمار على استكشاف مشاعر اليأس والعزلة.
2
إن تحليل الكتب المصورة المترابطة يمثل مجالا رئيسيا لا يتصل فيه أدب الأطفال بالأعمال الأدبية المتواجدة المخصصة للكبار، ومن الضرورة بمكان أن نتذكر أن أدب الأطفال يتضمن أنواعا أخرى كثيرة من النصوص المصورة: القصص الخيالية الموضحة بالرسومات، والروايات الرسومية والقصص المصورة والمانجا (القصص المصورة اليابانية )، وكذلك - وبشكل متزايد - الروايات الإلكترونية منها تلك التي تكون في صورة ألعاب الكمبيوتر. وهناك دراسات متخصصة عن كل من هذه المجالات، وتم إجراء بعض الدراسات لتقديم مصطلحات فنية لمناقشة هذه النصوص الأدبية. ويعرض كتاب «كيف تعمل الكتب المصورة» (2001) من تأليف ماريا نيكولاييفا وكارول سكوت مفردات محددة لدراسة الكتب المصورة المترابطة، ويوضح كيف أنها تتجاوز الحدود الدولية والثقافية، في حين يقدم كتاب «فهم القصص المصورة: الفن الخفي» (1993) لسكوت ماكلاود دليلا إرشاديا مفصلا لتفسير أسس الرسوم الهزلية. أما كتاب «دراسة الرسوم الهزلية على شبكة الإنترنت: سرد نقدي ملخص ومفسر» فيقدم - كما يتضح من اسمه - سردا نقديا للأعمال المرتبطة بالرسوم الهزلية بأشمل معانيها. بالإضافة إلى هذا، يقدم القسم الذي يتناول «رواية القصص وخشبة المسرح وشاشة التليفزيون» في مجموعة كتب جانيت مايبن ونيكولا واتسون المنقحة «أدب الأطفال: المناهج والمجالات» (2009)؛ نظرة شاملة وينصح بقراءة نوعيات النصوص الأدبية المصورة التي تشكل الأداء. ويعد البحث الذي أجرته مارجريت ماكي (2007) عن ألعاب وقصص الكمبيوتر العمل الأكثر نضجا واكتمالا في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بأدب الأطفال.
Página desconocida
دراسة أدب الأطفال في المستقبل
إن الأفكار المتكررة في هذا الفصل تمثل الطبيعة المتنوعة لأدب الأطفال والطريقة التي يتجاوز بها نطاق أدب «الكبار». فانتقائية عناصره الأولية تمخضت عن كل من مواطن القوة (الشمولية والتنوع والفضول)، ومواطن الضعف (اتساع التفكير بدلا من عمقه وافتقاد التخصص وقصور المعرفة السياقية) لدراسات أدب الأطفال في الوقت الحالي. والآن، بعد أن أصبح أدب الأطفال مجالا بحثيا ودراسيا معترفا به في التعليم العالي، يمكن أن نتوقف عن اعتباره مجالا قائما بذاته، وأن ندمجه في إطار التصنيفات المتعددة التي تطبق على أدب «الكبار». إن وضع دراسات أدب الأطفال ضمن السياقات البحثية مكتملة الأركان المتصلة بفترات و/أو أجناس أدبية و/أو كتاب و/أو ممارسات نشر و/أو مناهج نقدية بعينها من شأنه تعزيز حالة النصوص الأدبية للأطفال ومؤلفيها وإعادتها من محيط الدراسات الأكاديمية. وهناك بعض الفوائد الأخرى المحتملة التي يمكن الحصول عليها من هذا التغيير؛ ففي الوقت الحالي ، مطلوب من معظم «المتخصصين» في أدب الأطفال أن يكون لديهم نطاق اهتمامات واسع؛ إذ تمتد أغلب المسارات الأدبية على مدار فترات تاريخية هائلة، وتشمل الكثير من الأجناس الأدبية، وبالمثل، تحاول معظم الأعمال المرجعية تغطية جميع المجالات والجوانب المصنفة حاليا على أنها من أدب الأطفال. ويمكن أن يكون هذا الموقف ضد عمق المواد الأدبية والاستكشاف المستمر لها. وهناك حركة قائمة بالفعل في هذا الاتجاه، لا سيما بين هؤلاء الذين يدرسون المواد الأدبية من عصور سابقة، ولا سيما دراسات العصور الوسطى وعصر النهضة والقرن الثامن عشر.
وعلى الرغم من وجود الكثير من الفوائد التي يمكن الحصول عليها من إدراج أدب الأطفال في التيار الرئيسي للدراسات الأدبية، فهناك أيضا خسائر محتملة؛ حيث إن البحث الجيد في مجال أدب الأطفال يتطلب دراية جيدة بتاريخه ونصوصه الأدبية وأنواعه الأدبية واستخدامه للعناصر البصرية وتكوين فترة الطفولة عبر مختلف الثقافات والحقب، علاوة على عناصر الأسلوب التي تطورت خصوصا كاستجابة لمهمة الكتابة من أجل الأطفال. وفي الوقت الحالي، يبدو أن هذه الحركة لم تنضج تماما؛ لا سيما أن الكتابة للأطفال - كما يعرض الفصل التالي - قد تتحرر من بعض قيودها مع الكتابة للكبار.
هوامش
الفصل الثالث
تحويل نصوص الطفولة
يتعرف كل جيل جديد على التقاليد الأدبية بعدة طرق مختلفة. وتتضمن هذه العملية - على الأرجح - قصصا متناقلة شفويا، سواء أكانت مرتجلة أم مقروءة بصوت مرتفع. وهذه العملية - بلا ريب - تعتبر جزءا من عملية تعلم القراءة؛ حيث إن القراءة ترتبط ارتباطا وثيقا بالتعليم وتقترن بحزمة ثقافية ضخمة تتعلق بدورها بالمكانة المميزة للنصوص والأجناس الأدبية، ومهارات تعلم القراءة والتفسير، وقيمة القصص في نقل المعلومات المتعلقة بالمجتمع. واليوم، يتعرف العديد من الأطفال على القصص عبر مجموعة مختلفة من الوسائل والعروض، وتهتم الدراسات التي تتناول أدب الأطفال بجميع هذه الوسائل والعروض، وبالطريقة التي تتفاعل بها بعضها مع بعض. فعلى سبيل المثال، قد يتعرف طفل يشاهد برنامجا شهيرا مثل «سي بيبيز» الذي تعرضه شبكة بي بي سي على مسرحية «حلم ليلة صيف» لويليام شكسبير لأول مرة أثناء مشاهدته لهذا البرنامج، ولكن يمكنه بعد ذلك زيارة الموقع الإلكتروني للبرنامج ليقرأ عنها وكذلك يقرأ الكتاب الرقمي، وفي الوقت المناسب يمكنه استكشافها مرة أخرى من خلال نسخة من كتاب الرسوم الهزلية (مسرحيات السيد ويليام شكسبير، 1998) لمارشيا ويليامز. وبمرور الوقت، قد يستمتع ذلك القارئ الصغير نفسه بنسخة روائية رسومية (سلسلة «تصور هذا»، 2005)، أو نسخة نثرية معدلة للمسرحية من إعداد ليون جارفيلد (1985)، أو فيلم مقتبس عن المسرحية كالفيلم الذي أخرجه مايكل هوفمان عام 1999 وشارك فيه العديد من النجوم السينمائيين، أو إعادة صياغة حديثة للمسرحية معدة من أجل العرض التليفزيوني - ربما الحلقات المتعلقة بالمسرحية من سلسلة «إعادة سرد أعمال شكسبير» (إنتاج شبكة بي بي سي، 2005) لجون بوكر - علاوة على مشاهدة عرض مسرحي تقليدي للمسرحية وقراءة نص شكسبير الأصلي. هناك العديد من الطرق التي يمكن للطفل من خلالها أن يتعرف على القصص الروائية، ولكن يمثل هذا الأمر جزءا أساسيا من الانخراط في المجتمع؛ حيث إن - وكما يقول الخبير الإعلامي هنري جنكنز - «تمثيل وإعادة سرد وتعديل عناصر القصص القديمة يعد جزءا قيما وحيويا من العملية التي ينمي الأطفال من خلالها معرفتهم الثقافية».
إن التعرف على التقليد الأدبي - المخزون المتراكم من القصص - يعد أمرا محوريا لفهم الثقافة، ولكن القصص السابقة ما هي إلا جزء من هذه العملية. وذلك المخزون من القصص ليس راكدا، بل إنه يتجدد باستمرار ويزداد؛ ومن ثم يتلقى كل جيل من الأطفال قصصا جديدة تخاطب الاحتياجات والاهتمامات والمخاوف الحالية. إن الإلمام بالحكايات والقصص الجديدة يعد كذلك جزءا من المعرفة الثقافية. وفي بعض الأحيان، تخرج القصص الجديدة إلى الوجود من خلال إعادة صياغة النسخ القديمة، كما رأينا في حالة مسرحية «حلم ليلة صيف»، وفي بعض الأحيان الأخرى تكون القصص جديدة تماما ومتناسبة مع العصر الحديث، وفي كلتا الحالتين، تكون القصص الجديدة غالبا نتاجا للتفاعل مع الوسائل الجديدة.
أدب الأطفال وتطور الصيغ
يتمثل أحد أوجه الاختلاف بين أدب الأطفال والأدب المنشور للكبار في اللهفة التي يحتضن بها الأول التطورات التكنولوجية والوسائط الحديثة. وهذا الأمر ينعكس في حقيقة أنه في الوقت الذي تميل فيه دراسات أدب الكبار إلى اعتبار القصص الروائية التي كتبت من أجل الوسائط الحديثة وتعديل النصوص الموجودة بالفعل لتتناسب مع الوسائط المختلفة أمرين ثانويين بالنسبة لدراسة النصوص الأدبية، فإنهما يعدان جزءا لا يتجزأ من دراسات أدب الأطفال. فمنذ فجر النشر التجاري لا ينفك الناشرون والمطابع عن محاولة اكتشاف طرق جديدة لجعل الكتب والمطبوعات الأخرى جذابة للأطفال. وغالبا ما يعتمد هذا على التطورات الصناعية والتكنولوجية التي تؤدي إلى ابتكار طرق جديدة أو محسنة لتقديم النصوص. وفي القرن التاسع عشر، تضمنت هذه التطورات طرقا لإنتاج واستخدام ورق أقل تكلفة، وإدراج المزيد من الصور بنفقات أقل، واكتشاف طرق اقتصادية للطباعة بالألوان، وطباعة أغلفة منخفضة التكلفة، وطرقا يسيرة التكلفة لتضمين سمات جديدة مثل الكتب ذات الأشكال والرسومات ثلاثية الأبعاد، والمطويات، وعجلات الرسوم البيانية، وأشكال أخرى من هندسة الورق. وخلال القرن العشرين، امتد نطاق عمل إعادة تقديم النصوص الأدبية إلى تقنيات الوسائط الجديدة وتكنولوجيا المعلومات؛ ومن ثم أصبح من الممكن تقديم القصص في صور سمعية وسمعية بصرية متطورة.
Página desconocida
ومنذ نهاية القرن الماضي، جرى استخدام الوسائط الرقمية بشكل متزايد لتقديم القصص الروائية في شكل ألعاب كمبيوتر ونصوص على الإنترنت مثل القصص التي يؤلفها المعجبون أو كتابة القصص باستخدام تقنية النص التشعبي. وقد عمل هذا على زيادة القدرة التفاعلية لصيغ العرض القديمة بشكل هائل، ولا يزال الدافع لزيادة هذا النشاط التفاعلي يشكل أساس العديد من جوانب النشر الرقمي. ومع ذلك، ولفترة ما رفض أحد قطاعات السوق الرقمية إغراءات النشاط التفاعلي؛ فحتى وقت قريب، لم تكن الكتب الإلكترونية في الأساس سوى كتب مطبوعة تعرض على شاشة. ويتمثل أحد أسباب هذا الانتقال الذي يفتقر إلى الإبداع الأسلوبي من الكتاب المطبوع إلى الشاشة في التكلفة؛ حيث إن تحويل النصوص المتوافرة في شكل كلمات فقط إلى نصوص رقمية وتصنيع برامج قراءة الكتب الإلكترونية بوظيفة محدودة وهي قراءة الكتب الإلكترونية غير مكلف نسبيا. كما يتبلور سبب آخر لهذا الانتقال في حقيقة أن أول جمهور بارز للكتب الإلكترونية كان يتشكل من القراء الكبار - وهو أمر غير معتاد؛ إذ إن الجمهور الأصغر سنا عادة هو الذي يكون أكثر احتضانا لصيغ الوسائط الجديدة في ظهورها الأول - الذين أرادوا سمة سهولة النقل التي يتمتع بها الكتاب الإلكتروني مع الاحتفاظ بالسمات المألوفة للكتاب المطبوع الثابت.
إن القدرة المحدودة على تخزين المواد الزاخرة بالرسوم، وحقيقة أن الأجهزة في بداية الأمر كانت ضعيفة إلى حد ما والشاشات كانت أصغر من أن تناسب عرض النصوص ذات المحتويات المرئية عالية المستوى، جعلت الأجيال الأولى من الكتب الإلكترونية غير ملائمة للقراء الأصغر سنا. ولكن مؤخرا أصبحت التكنولوجيا اللازمة لتوفير شاشات أكبر وأعلى جودة أقل تكلفة، وحتى الأطفال الأصغر سنا بدءوا يصبحون موضعا لاهتمام هذه التكنولوجيا. وقد أدى ذلك إلى تغير طبيعة النصوص لإبراز إمكانات الوسيطة التي تعرض باستخدامها. ونظرا لأن الكتب الإلكترونية موجهة إلى سوق القراء من الشباب؛ فإنها تقدم محتوى مرئيا فائقا ومستويات أعلى من التفاعل. فكتب الأطفال الإلكترونية المصممة لأجهزة مثل آي باد تستجيب للمس والحركة؛ فعند قراءة النسخة الإلكترونية من رواية «أليس في بلاد العجائب» والمخصصة لأجهزة آي باد - على سبيل المثال - تؤدي إمالة الشاشة إلى نمو حجم «أليس» أو تقلصه، بينما يؤدي هز الجهاز إلى تحريك رءوس شخصيات الرواية. كما تحتوي الكتب الإلكترونية لأجهزة آي باد غالبا ألعابا وأنشطة وفرصا للقراء لتسجيل أصواتهم وهم يقرءون الكتاب، مما يغير تماما من مؤشرات النصوص ومن معنى «القراءة لنفسك».
ظاهريا، قد يبدو الأمر كما لو أن الدعوات للتلاعب بالنصوص التي توفرها أحدث أجيال الكتب الإلكترونية مجرد زخارف إلكترونية للإمكانات التحويلية التي تقدمها الأجزاء المتحركة في النصوص الورقية التقليدية؛ ولكنها في الواقع تمثل جزءا من تغيير هائل في طبيعة السرد الروائي. وفي الوقت الراهن، يكون هذا التغيير في أبرز صوره في مجالين: النسخ الحديثة للقصص التقليدية، وسلاسل الروايات مختلطة الجمهور، والتي هي نفسها تضم عناصر مستعارة من الخرافات والأساطير والقصص الملحمية والحكايات الشعبية والخيالية، بل وتعدل فيها كذلك. إن إجراء هذه المعالجات الحديثة على أقدم أشكال الأدب يعد تذكرة بأنه من خلال القصص سوف يتعرف الأطفال في الوقت نفسه على التراث الأدبي ويتعلمون المهارات التي تجعلهم مثقفين بمقاييس عصرهم.
الإلمام بالوسائط المختلفة، والتعالق النصي، والتحول
في وقت من الأوقات، كانت المعرفة تركز على القدرة على القراءة والكتابة، وكانت تتمحور على نحو أساسي حول المطبوعات الثابتة والوسائط الورقية. ولكن في القرن الحادي والعشرين أصبح من الضروري أن نفكر في الأمر من ناحية الإلمام بالوسائط المختلفة - المعرفة التي تتنقل بين الوسائط المختلفة والتي لم تعد قائمة على النصوص بشكل حصري. فالاطلاع على النصوص التقليدية في عدة نسخ مختلفة - بما في ذلك الوسائط المتعددة - يعتبر طريقة فعالة للتشجيع على المعرفة الثقافية والمعرفة المرتبطة بالنصوص. وبالطبع، الإلمام بالوسائط المختلفة ليس حكرا على الأطفال؛ فالكثير من الكبار أصبحوا ملمين بالوسائط المختلفة بعد وقت طويل من تعلمهم القراءة والكتابة لأول مرة، وربما لا يشعرون بارتياح شديد في التنقل بين الوسائط المختلفة. والكبار الذين يشاركون الأطفال في النصوص الإلكترونية غالبا ما يحسنون من معرفتهم بالوسائط المختلفة أثناء هذه المشاركة (يعد تطوير المعرفة لدى الكبار - في كثير من الأحيان - قيمة مضافة لأدب الأطفال). وغالبا ما يجري تشجيع التنقل بين الوسائط من خلال استراتيجيات المعالجة (التي يشار إليها كذلك بعملية نقل النصوص لتقديمها من خلال وسائط جديدة)، التي تشير إلى الطريقة التي تحاول بها الوسائط الجديدة أن تتقرب إلى الجمهور من خلال الإشارة إلى الوسائط القديمة المعروفة أو محاكاتها أو حتى تضمينها. ونظرا لأن المطبوعات تعتبر إحدى أشهر وسائط تقديم القصص؛ فإنها تكون في كثير من الأحيان الشكل الافتراضي للمعالجة. وهذا ينطبق بصورة خاصة على القصص الروائية للأطفال؛ نظرا لأن الطفولة هي الوقت الذي يتعلم فيه معظم الناس القراءة. ويتضح الاتحاد بين خصائص المطبوعات (والتي تكون عادة في شكل كتب) والوسائط الجديدة في عدد من الأمثلة التي تبدأ بأفلام ديزني المأخوذة عن الحكايات الخيالية الكلاسيكية - والتي تبدأ دائما بكتاب يفتح لتنطلق منه القصة - وحتى الأسطوانات المدمجة والكتب الإلكترونية التي تحاكي حركة قلب الصفحات .
إن المعالجة ليست مجرد محاولة لاسترضاء هؤلاء الذين اعتادوا على الطرق القديمة لتلقي النصوص؛ حيث إن لها تأثيرات جمالية قد تكون محافظة؛ نظرا لأن المنتجين والمصممين والفنيين من الكبار قد نشئوا كذلك على تلك الوسائط القديمة. وحتى الأشخاص الذين يتمتعون بالمعرفة الفنية الجيدة بإمكانيات الوسائط الجديدة ستكون لديهم أفكار باطنة حول كيفية عمل القصص في الوسائط التي يعرفونها جيدا، وهذه الأفكار من شأنها أن تحد من مدى قدرتهم على تجربة إمكانات الوسيطة الجديدة في سرد القصص واستغلالها. وكقاعدة عامة، فإن هؤلاء الذين تعرفوا على الوسيطة الجديدة لأول مرة في صغرهم هم الأكثر جرأة وطموحا بشأن استخدامها حين يصبحون بدورهم منتجين للنصوص ومديرين للوسائط. علاوة على ذلك، ونظرا لأن قدرة الوسائط الجديدة على سرد القصص تستكشف تماما - في الغالب - في المواد الموجهة للصغار، حتى لو كانت المحاولات الأولى لتقديم القصص عبر وسيطة جديدة قد بدت بدائية لاحقا مع إلمامنا الكامل بجوانب هذه الوسائط؛ فإن نصوص أدب الأطفال يمكن أن تكون نقطة انطلاق للابتكار. وقد ثبتت صحة ذلك بصورة خاصة مع التحول إلى الوسائط المتعددة؛ حيث لا يجمع سرد القصص بين الأنواع المختلفة للوسائط (السمعية، والبصرية، والصور الثابتة، والمطبوعات) في نص واحد فحسب، ولكنه منتشر كذلك في عدة أشكال (الكتاب، والفيلم، والرواية المصورة، والرسوم الهزلية، وأفلام الرسوم المتحركة، وألعاب الكمبيوتر)، في الغالب كجزء من ترخيص حقوق الملكية الفكرية للوسائط المختلفة.
حتى يومنا هذا، تعتبر القصص الروائية متعددة النسخ الأكثر تطورا هي تلك التي أنتجت للأطفال. ومن أوائل هذه القصص التي لفتت انتباه العامة تلك القصص التي نشأت من ظاهرة بوكيمون التي بدأت في تسعينيات القرن العشرين. وفيما يتعلق بأهداف هذه المناقشة، فإن القصص نفسها أقل إثارة للاهتمام من العلاقات بين الأجزاء التي بنيت منها، ومما تكشفه عن الكيفية التي تؤثر بها النسخ المتعددة للقصة عبر الوسائل المختلفة على طبيعة النص الأصلي، وكيف يتم تشجيع الجيل الصاعد على إدراك أهمية القراءة.
شبكات السرد
هناك تاريخ طويل لإنتاج نسخ متعددة من النصوص المعدة للأطفال . وحتى وقتنا هذا، تميل كل تجربة مع الفن القصصي إلى الاتسام بالتميز والاستقلالية. على سبيل المثال، في حين أن الأفلام القائمة على الكتب والكتب القائمة على الأفلام عادة ما يكون لهما الجمهور نفسه، فإن كلتا النسختين مستقلتان بذاتيهما وتعملان بمقاييس الوسيطة التي تقدمان من خلالها. وهذا يعني أن المنتجات المختلفة التي تقوم على قصة ما تتنافس بعضها مع بعض؛ نظرا لأنه ليس كل الأطفال سيشاهدون ويستمعون ويقرءون النسخ المختلفة من النص نفسه، وأن النسخ المختلفة للنص كانت تقارن بضعها ببعض وتقيم بناء على ذلك. وبالطبع، كان تركيز عملية التنقل بين الوسائط المختلفة منصبا على توسيع القاعدة الجماهيرية، وعادة ما كان ذلك يحدث بالدخول إلى أسواق الجماهير الأصغر سنا. وهناك تغير واضح يحدث في العلاقة بين النسخ المتعددة للنصوص التي تقدم عبر وسائط مختلفة و/أو عبر صيغ مختلفة في وسيطة واحدة. وهذا التغيير يؤثر على كل من طبيعة النصوص متعددة النسخ وجمهورها.
وبينما يولد أطفال اليوم في بيئة متعددة الوسائط، فإن النصوص والصيغ الأقدم لم تختف؛ لذلك فإن فرصة تجربة العديد من النسخ المختلفة لقصة واحدة لا تزال قائمة، ولكن هناك بعدا جديدا لهذه العملية. من الناحية التاريخية، تميل النسخ الجديدة من النصوص إلى اتخاذ شكل الاقتباسات - أي تحويل قصة من وسيطة إلى أخرى بطريقة يقصد منها خلق تجربة جمالية مرضية في حد ذاتها. تولد نسخ متعددة للنصوص بصورة متزايدة كأجزاء من شبكات متصلة ومتناسقة تشكلت بفعل اندماج الوسائط المختلفة. وفي شبكات السرد عبر الوسائط المتعددة هذه، تنتشر القصة الأساسية وتقدم عبر عدد من الوسائط المختلفة ومجموعة من الصيغ المتنوعة. على سبيل المثال، ككتاب و/أو فيلم و/أو رواية مصورة و/أو لعبة كمبيوتر و/أو جملة من النصوص الأدبية التي يصيغها معجبو هذه القصة حولها. وبدلا من إنتاج سلسلة من الصور المتتابعة المستقلة لقصة ما لشرائح عمرية مختلفة كما رأينا في حالة مسرحية «حلم ليلة صيف»، تترابط النسخ المتعددة للنصوص، والمعروضة عبر وسائط مختلفة بطرق تشبه سرد المسلسلات ، بحيث يقدم كل عنصر معلومة ورؤية جديدة للجمهور نفسه تقريبا. ولم تعد المنتجات المختلفة القائمة على القصة نفسها تتنافس بعضها مع بعض، بل أصبحت ديناميكية ومكملة بعضها لبعض بصورة متزايدة، وهي حقيقة تقرها عملية مشاركة الأصول. إذن فعبر شبكات الوسائط المتعددة، قد تجد - على سبيل المثال - أن لعبة كمبيوتر تتضمن مشهدا من الفيلم، بينما سيشير الفيلم إلى طريقة ممارسة اللعبة، وإذا ما كانت هناك طبعات جديدة تصدر من النص المطبوع - كما هو الحال على الأرجح إذا كانت السلسلة مأخوذة عن سلسلة حديثة من الروايات - فإن الكتب الجديدة سوف تستفيد، أو تقر، بالطريقة التي طورت بها عناصر الوسائط الأخرى في الشبكة من الشخصيات والحبكة والزمان والمكان. من جانب، يتمحور هذا الأمر حول إثارة أنماط استهلاكية جديدة؛ حيث إن كل جزء من الشبكة يعد منتجا كذلك ومن الممكن أن يخرج من رحمه منتج جديد، ولكنه في الوقت نفسه يؤثر على طبيعة النص السردي.
Página desconocida