Adab al-Tufulah bayna al-Quran al-Kareem wal-Sunnah al-Shareefah
أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة
Editorial
-
Número de edición
-
Géneros
مقدمة
...
أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة:
تقديم:
منهج الإسلام في تربية الطفل وتأديبه هو تشريع من الله ﷿ يقوم على اليقين والعلم والشمول والثبات، قال تعالى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ ولم ينطلق من نظريات بشرية قاصرة، تقوم على الظن والفرض والتخمين فتتلاشى يوما بعد يوما، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ لأن منهج الإسلام وسلوكه في تهذيب الطفل شرعه مبدع الفطرة الإنسانية: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ١.
لذلك تلاءم الإسلام مع العقل البشري والوجدان الإنساني والشكل الحضاري في كل بيئة وعصر، مهما بلغت البشرية من الكمال في العقل والفكر واتزان العاطفة والوجدان، وتعادل الروحية والمادية على السواء، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ ٢، وقال النبي ﷺ: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وبلغ القرآن الكريم المثل الأعلى في البلاغة والإعجاز في تصوير منهج الإسلام وتعاليم الشريعة ومكارم الأخلاق السامية إلى حد يعجز عنه البشر، مهما أوتوا من العلم ودقة المنهج، ومهما انتهوا إلى السمو الفني والأدبي والتفوق الإنساني والحضاري.
لذلك لا تجد منهجا اهتم ببناء الطفل بناء كاملا مثل منهج الشريعة الإسلامية، ولا تجد دينا اعتنى بتكوينه تكوينا صحيحا مثل دين الإسلام، ولا تجد حضارة عملت على تهذيبه تهذيبا أخلاقيا ساميا مثل حضارة الإسلام، وذلك من خلال مجتمعه الصغير "الأسرة" ومجتمعه الكبير "
_________
١ سورة الروم: ٣٠.
٢ سورة المائدة: ٣.
1 / 1
الأمة الإسلامية".
واتخذ الإسلام في تحقيق ذلك منهجا وسلوكا طريقين:
أحدهما: تهذيب النفس وتأديبها، وتقويم اللسان وبلاغته، والسمو بالعاطفة، والرقي بالوجدان والمشاعر وإثراء الخواطر، وتعميق الأفكار، وغير ذلك مما يغرسه وينميه أدب القرآن الكريم وبلاغته التي وصلت إلى حد الإعجاز في التصوير القرآني ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ ١، وقال تعالى أيضا: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ ٢.
ومما يرقى به أيضا أدب الحديث النبوي الشريف الذي خص الله ﷿ نبيه بجوامع الكلم: "أوتيت جوامع الكلم" لأنه أدبه ربه فأحسن تأديبه، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ٣، وقال أيضا: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ ٤.
ثانيهما: اهتمت شريعة الإسلام بتأديب الطفل وتهذيبه والسمو به في عاطفته ووجدانه وعقله وفكره وسلوكه وتربيته على مراحل كثيرة ومتنوعة، لا تقتصر على مراحل وجوده فحسب، بل اهتمت به قبل وجوده في مرحلة العدم وقبل أن يكون جنينا في بطن أمه، من مرحلة الخطبة والاختيار، ثم بعد الزواج وقبل أن تحمل الأم به، ثم أثناء الحمل وهو جنين وحسن استقباله حين الوضع، وفي تمام الأسبوع الأول من الولادة، وفي أثناء الرضاعة، وفي الحضانة، وفي مرحلة التعليم، ومرحلة الشباب، ومرحلة المراهقة، ومرحلة النضج، ومرحلة الرجولة، ثم
_________
١ سورة الشعراء: ١٩٢-١٩٥.
٢ سورة الإسراء: ٨٨.
٣ سورة القلم: ٤.
٤ سورة النجم: ٣-٥.
1 / 2
مرحلة العرفان بالجميل، وذلك كله من خلال أدب القرآن الكريم، والتصوير القرآني البديع، وأدب النبوة وبلاغة الحديث الشريف، حتى بلغ أدب الطفل المسلم الغاية في المنهج والسلوك والتنويع والثراء، والقوة والإبداع والإقناع والتأثير، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ ١ وقال تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ ٢.
_________
١ سورة التين: ٤.
٢ سورة الأعلى: ١-٣.
1 / 3
أدب الإسلام للطفل فطرة وعبادة
مدخل
...
أدب الإسلام للطفل فطرة وعبادة:
يهذب الإسلام الطفل منذ مراحله المبكرة بأدب سامٍ، يوقظ فيه كل حين الفطرة المستقيمة، والخليقة الخالصة النقية، التي تفضل بها الله ﷿ على خلقه في إبداعاته، حين يتلو أو يسمع قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٣٠]، فيسلك المنهج القويم ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ١-٣]، ويميز بين الطيب والخبيث والهدى والفجور ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: ٧: ١٠]، لتختار من النجدين طريق الخير لا طريق الشر ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ٨-١٠]، فأقرت النفس البشرية بذلك إيمانا بربها وخالقها ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]، لذلك حث القرآن الكريم في أدبه المعجز العباد على الطريق المستقيم والهدى، والوقاية من الضلال والعذاب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: ٦]، كما حث النبي ﷺ في أدب بليغ يتردد صداه في جوانب النفس وحنايا الوجدان: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" أخرجه البخاري ٤١٠/ ١، ورغب في مخالطة الأخيار، ونهى عن مجالسة الأشرار "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقال أيضا: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثبابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة" رواه مسلم ٤/ ٢٠٢٦، وقال أيضا: "لا تصاحب إلا مؤمنا ولا تأكل إلا مع تقي" رواه أبو داود في ٥/ ١٦٧، والترمذي برقم ٢٣٩٧، لذلك قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ [النساء: ٢٧]، ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٣٨]، ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [النجم: ٢٩]، ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
1 / 4
الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ [الفرقان: ٢٧-٢٩] ويقول علي بن أبي طالب ﵁:
فلا تصاحب أخا الجهل ... وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى ... حليما حين آخاه
يقاسي المرء بالمرء ... إذا ما المرء ماشاه
وللشيء من الشيء ... مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه١
أدب الرحمة بالطفل عبادة وسلوك تربوي:
إذا عاش الطفل في أسرة تفيض بالحب والرحمة، وفي مجتمع يلفه بالشفقة والعطف والحنان، ينشأ متأدبا بآداب الرحمة متذوقا لأساليب الحب والجمال والخير والحق، فيشب الطفل عاشقا للرحمة والمحبة متخذا صورها الجميلة في قوله ومنهجه وسلوكه، لأن أدب الإسلام في جميع صوره حث عليها منذ الصغر على أنها عبادة وطاعة، ومنهجا وسلوكا، فقد صور القرآن الكريم الرحمة بما يعجز عنه البشر، فلم تخل سورة من تصوير قرآني لها تهتز لها العاطفة، وتبعث فيها الحرارة والصدق والدفء، وتغمر الوجدان فتحييه بالإيمان والإخلاص، والحب والمودة، فأصبح مفتاح كل سورة ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾، لأن الله ﷿ ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ١٣٣]، ورحمته وسعت كل شيء ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾ [الأنعام: ١٤٧]، وجعل آية الزواج وثمرتها العجيبة المودة والرحمة في السكن والولد ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: ٢١] .
وفي الحديث الشريف يخبر النبي ﷺ عن رب العزة: "لما خلق الرحم قال تعالى: أنا الرحمن وأنت الرحم شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته" ٢، وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ
_________
١ الديوان، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي.
٢ بصائر ذوي التمييز ٣/ ٥٣.
1 / 5
قال: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة؟ قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك"، قال رسول الله ﷺ: "فاقرءوا إن شئتم" ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ " أخرجه البخاري ١٠/ ٥٣٢، وقد حثت الأحاديث الشريفة على الرحمة بالبنين والبنات وتأديبهم بآدابها البليغة وصورها الأدبية الجميلة، التي تفتح لها منافذ الإدارك في النفس، وفي رواية أبي سعيد الخدري قال رسول الله ﷺ: "من عال ثلاث بنات فأدبهن ورحمهن وأحسن إليهن فله الجنة" رواه الإمام أحمد ٣/ ٩٨ وفي رواية جابر بن عبد الله قال رسول الله ﷺ: "من كان له ثلاث بنات يؤدبهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة ألبتة" فقال رجل من القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: "وثنتين" رواه البخاري في الأدب المفرد، وفي رواية أخرى: "وواحدة". وعن ابن عباس ﵁ قال رسول الله ﷺ: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم" أخرجه ابن ماجه ٢٩١/ ٢ وروى عبد الله بن عمر قال: "أدب ابنك فإنك مسئول عنه، ماذا أدبته؟ وماذا علمته"؟ ١ وعنه أيضا قال رسول الله ﷺ: "كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته" متفق عليه.. البخاري ٧١٨/ ٢.
وحث الإسلام الكبير على الرحمة بالطفل لضعفه وقلة حيلته، فإذا امتلأت قلوب الأطفال بصور الرحمة الجميلة وأدبها المهذب شبوا قادرين على النهوض بأمة الإسلام، لتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦]، ومن الباقيات الصالحات رعايتهم.
_________
١ تحفة المودود في أحكام المولود: ابن القيم ص١٥٣.
1 / 6
وتأديبهم، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: ٢١]، وروى أبو هريرة قال: "قبل ﷺ الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله ﷺ ثم قال: "من لا يرحم لا يرحم" أخرجه البخاري ٤٢٦/ ١٠، وقال أبو قتادة ﵁: "خرج علينا رسول الله ﷺ وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى إذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها" أخرجه البخاري ٤٢٦/ ١٠، وعن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ وضع صبيا في حجره يحنكه فبال عليه فدعا بماء فأتبعه، أخرجه البخاري ٤٣٣/ ١٠، وعن جابر بن سمرة ﵁ قال: "صليت مع النبي ﷺ صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا مسح خدي فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار" أخرجه مسلم ١٨١٤/ ٤، "وجؤنة العطار: وعاء يعد فيه الطيب".
وعن أسامة بن زيد ﵁ كان رسول الله ﷺ يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن بن علي علي فخذه الآخر ثم يضمهما ثم يقول: "اللهم ارحمهما فإني أرحمهما" أخرجه البخاري ٤٣٤/ ١٠، وعن أنس بن مالك ﵁ قال: "ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله ﷺ كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة وكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وأنه ليدخن وكان ظئره قينا، فيأخذه فيقبله ثم يرجع" أخرجه مسلم ١٨٠٨/ ٤، "والظئر: زوج المرضعة، وقينا: حدادا" وعن أبي هريرة ﵁ قال: خرجت مع رسول الله ﷺ في طائفة من النهار، لا يكلمني ولا أكلمه، حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال: "أثم لكع، أثم لكع" "الصغير" يعني حسنا، فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا "قلادة الأطفال"، فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل
1 / 7
واحد منهما صاحبه فقال رسول الله ﷺ: "اللهم إني أحبه وأحبب من يحبه" أخرجه مسلم ١٧٨٢/ ٤، وعن يعلى بن مرة أنه قال: خرجنا مع النبي ﷺ ودعينا إلى طعام، فإذا حسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي ﷺ أمام القوم ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر هنا وهنا ويضاحكه النبي ﷺ حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه، ثم اعتنقه، ثم قال النبي ﷺ: "الحسين مني وأنا من الحسين، أحب الله حسينا، الحسين سبط من الأسباط" أخرجه البخاري ٤٥٩/ ١.
عن أم خالد بنت سعيد قالت: "أتيت رسول الله ﷺ مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسول الله ﷺ: "سنه، سنه" قال عبد الله وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزجرني أبي قال رسول الله ﷺ: "دعها"، ثم قال رسول الله ﷺ: "أبلي وأخلقي" دعا لها باستهلاك ثياب كثيرة، قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر.. يعني من بقائها "أخرجه البخاري ٤٢٥/ ١٠ وعن أنس بن مالك ﵁ قال: "كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير -قال أحبه قال كان فطيما- قال: فكان إذا جاء رسول الله ﷺ قال: "يا أبا عمير، ما فعل النغير بك"؟ قال: فكان يلعب به" أخرجه البخاري ٤٢٦/ ١٠، وقال أبو هريرة: "سمعت أذناي، وبصرت عيناي هاتان رسول الله ﷺ أخذ بيديه جميعا بكفي الحسن والحسين وقدميه على قدم رسول الله ﷺ ورسول الله ﷺ يقول: "ارق"، فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ﷺ، ثم قال رسول الله ﷺ: "افتح فاك"، ثم قال: "اللهم أحبه، فإني أحبه" أخرجه البخاري ٣٤٨/ ١، وقال الطبراني: قال ﵊: "خير بيت في المسلمين يبيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه، أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وجاء رجل إلى النبي ﷺ يشكو قسوة قلبه، فقال له: "أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه
1 / 8
وأطعمه من طعامك يلين قلبك، وتدرك حاجتك" كنز العمال ١٧٣/ ٣.
ومن القيم الخلقية في الأدب الإسلامي أدب العدالة بين الأطفال، فلا يضارون بصور الظلم وأنواعه من الأسرة أو من المجتمع مما يترك أثرا بناء على تهذيب نفسه وفي رقة مشاعره وعمارة وجدانه، فيشب على المحبة والمودة والتعاطف والتعاون، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾، ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾، ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾، ولقد أنقذ الخضر وموسى ﵉ حق اليتيمين من مجتمعهما الظالم الشحيح ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٨٢] هذا ما يجب على المجتمع من رفع الظلم عن المسلم وعن الطفل الضعيف وإرساء العدالة الاجتماعية بينهم، وأما موقف الأسرة من ذلك فقد قال تعالى فيها: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا﴾ إلى قوله ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٩-١١]، في تصوير قرآني معجز، وكذلك في ضرب مثلين متقابلين، أحدهما يور المنفق على أهله وغيرهم ابتغاء مرضاة الله ﷿ ولا يكون ذلك إلا بالعدل، والآخر لا يؤدي ذلك في تصوير قرآني يهز أعماق الكبير ووجدان الصغير، فالأول كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين، والآخر كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا، ثم يزيد الآخر توضيحا وتفصيلا وبلاغة وإعجازا فيقول تعالى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ
1 / 9
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٣-٢٧١] .
والأحاديث الشريفة البليغة التي وردت في ذلك كثيرة وهي عامة للأطفال وغيرهم، لكنني سأقتصر على بعض ما يخص الصغار لعدم الإطالة، قال عامر: "سمعت النعمان بن بشير ﵁ وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة لأبي: لا أرضى حتى يشهد رسول الله ﷺ فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: "أعطيت سائر ولدك مثل هذا"؟، قال: لا، قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، قال: فرجع فرد عطية "أخرجه البخاري ٢١١/ ٥، وقال النبي ﷺ: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ﷿ وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" أخرجه مسلم ١٤٥٨/ ٣.
تلاوة الأطفال للقرآن وسماعه تأديب وتربية وتعليم: قال النبي ﷺ: "أدبني ربي فأحسن تأديبي" لأنه تأدب بأدب القرآن وتخلق بأخلاق القرآن، فقراءة القرآن وسماعه أو حفظه يعرب اللسان ويهذبه فيكون أعظم بيانا وفصاحة وبلاغة وأدبا: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾، ويرقى بالعاطفة فتتسم بالصدق والإخلاص في الإيمان، ويعمر الوحدان بالمشاعر الرقيقة والأحاسيس المرهفة، ويقوم العقل والفكر بقيمه السامية وأخلاقه وتشريعاته الزاكية، وبذلك تتحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة، فحينما حفظ الأطفال سورا قصارا بعد وفاة أبيهم رفع الله العذاب عنه في قبره، فقد سألت النبي ﷺ أمهم وزوج المعذب في قبره عما صنعت بعد دفنه، لذلك قال النبي ﷺ: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]،
تلاوة الأطفال للقرآن وسماعه تأديب وتربية وتعليم: قال النبي ﷺ: "أدبني ربي فأحسن تأديبي" لأنه تأدب بأدب القرآن وتخلق بأخلاق القرآن، فقراءة القرآن وسماعه أو حفظه يعرب اللسان ويهذبه فيكون أعظم بيانا وفصاحة وبلاغة وأدبا: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾، ويرقى بالعاطفة فتتسم بالصدق والإخلاص في الإيمان، ويعمر الوحدان بالمشاعر الرقيقة والأحاسيس المرهفة، ويقوم العقل والفكر بقيمه السامية وأخلاقه وتشريعاته الزاكية، وبذلك تتحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة، فحينما حفظ الأطفال سورا قصارا بعد وفاة أبيهم رفع الله العذاب عنه في قبره، فقد سألت النبي ﷺ أمهم وزوج المعذب في قبره عما صنعت بعد دفنه، لذلك قال النبي ﷺ: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]،
1 / 10
﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٢٩-٣٠]، ﴿مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٢٧]، وعن أبي أمامة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين، ومن قرأ أربعمائة آية كتب من الحافظين، ومن قرأ ستمائة آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثمانمائة آية كتب من المخبتين، ومن قرأ ألف آية أصبح له قنطار، والقنطار مائتا أوقية، والأوقية خير مما بين السماء والأرض، أو قال: خير مما طلعت عليه الشمس، ومن قرأ ألفي آية كان من الموجبين" "أي وجبت له الجنة" رواه الطبراني، وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم وغيره.
وحينما عظم الله ﷿ ثواب القرآن في الدنيا بما تقدم ذكره من قيم السعادة فيها، وفي الآخرة بأعظم وأخلد أنواع السعادة برضوان الله ﷿ لمن قرأه وعمل به، فشفعه فيه وأدخله الجنة -فإنما يحث المؤمن على دوام قراءته وتعليمه لأهله وأولاده ورعيته، فهو مسئول عنهم، وعن الإنفاق على تعليمهم القرآن وعلومه، كما دلت الآيات السابقة في أدب قرآن معجز، والأحاديث الشريفة في بلاغتها الجامعة في أدب نبوي سام، يترك ذلك أثره البليغ والسريع في تأديب الأطفال وتربيتهم إذا ما تعلموها أو قرءوها في مراحل تعليمهم، وبالإضافة إلى ما سبق ما رواه جابر ﵁ عن النبي ﷺ قال: "القرآن شافع مشفع، وماحل به مصدق، من جعله أمامه قادة إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار" رواه ابن حبان،
1 / 11
وعن عبد الله بن عمر ﵁ قال رسول الله ﷺ: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها" رواه أبو داود وغيره، وما رواه معاذ بن أنس الجهني ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "من قرأ: قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة" فقال عمر بن الخطاب ﵁: إنا نستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: "إذا الله أكثر وأطيب" رواه أحمد، وما رواه علي بن أبي طالب ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار" رواه ابن ماجه والترمذي، وعن أبي أمامة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" رواه الطبراني وابن حبان. لذلك حرص عبد الله بن عباس ﵄ الذي دعا له الرسول بدعوته المشهورة ووصاه بوصيته المشهورة التي سنذكرها في مقامها هنا، فقد حرص أن يقرأ المحكم ولم يتجاوز عشر سنين، فقال: "توفي رسول الله ﷺ وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم" مما جعل أطفال المسلمين يتدافعون لحفظ كتاب الله ﷿ وتعلمه حتى ضاقت المساجد بالصبيان، فاضطر الضحاك بن مزاحم -معلم الصبيان ومؤدبهم- إلى أن يطوف على حمار ليشرف على طلاب مكتبه الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي، وكان لا يأخذ أجرا على عمله١.
ولهذا أصبح الأزهر الشريف أعظم جامعة وأقدمها في العالم قاطبة لتخرجه علماء أجلاء ينشرون الإسلام وعلومه في بقاع العالم، لأنهم كانوا يحفظون القرآن الكريم في مراحل الطفولة المبكرة، ويتأدبون بأدبه السامي وبلاغته المعجزة، وكذلك الحديث الشريف.
ومما يضطر الأطفال إلى تأديبهم بأدب القرآن والسنة الشريفة أن
_________
١ منهج التربية النبوية للطفل: محمد سويد ص١١٣.
1 / 12
الإسلام أوجب على الوالدين أن يرعى أولاده الأطفال منذ سبع سنين على سبيل الوجوب والإلزام بتعليمهم الصلاة وأن يعينهم على أدائها، وأن يضربهم عليها إذا ما بلغوا عشر سنين وانصرفوا عنه، قال تعالى:
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: ١٢٣] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود، وعن أبي ثرية سبرة ابن معبد الجهني ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين" رواه أبو داود والترمذي، وفي حديث الرسول ﷺ لأبي هريرة ﵁: "يا أبا هريرة، مر أهلك بالصلاة فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب"، لأن اعتياد الصلاة وتكرارها في اليوم خمس مرات تؤدبهم بما تهدف إليه من قيم أخلاقية كثيرة، وما تشتمل عليه من القرآن والذكر، فتؤدبهم عن طريق حفظ فاتحة الكتاب وترديدها، وحفظ كثير من السور القرآنية وبعض الآيات التي تعقب الفاتحة في الصلاة، وعن طريق سماع القرآن الكريم من الإمام في الصلاة الجهرية، وعن طريق سماع الخطبة في صلاة الجمعة، وهي فن أدبي من فنون النثر الفني، وما اشتملت عليه من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وأدب الصحابة والتابعين والحكم والأمثال والندوات والدروس التي تلقى في المسجد أثناء مصاحبة الطفل لوالده، أو حضوره بنفسه للمشاركة في صلاة الجماعة أو صلاة الجمعة والعيدين بعد أن يعتاد على الصلاة وحده.
1 / 13
وصية الرسول ﷺ للغلام عبد الله بن عباس:
ومن الدروس التي كان يلقيها الرسول ﷺ للأطفال وصيته لابن عمه عبد الله بن عباس ﵄ فيما رواه ابن عباس نفسه إذ قال: "كنت خلف رسول الله ﷺ يوما فقال: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي ٦٦٧/ ٤ وزاد أحمد وغيره: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا".
هذه الوصية النبوية الشريفة تعد لوحة أدبية فنية غنية الألوان والظلال، زاخرة بالقيم الخلقية والقيم الفنية في أدب الأطفال، تحمل طابعين أدبيين، ووجهين إبداعيين، أحدهما: إبداع المصطفى الأدبي الزاخر بقيم خلقية وقيم فنية في تأديب الأطفال، وثانيهما: نموذج أدبي رفيع المستوى، ومثل أعلى في البلاغة البشرية يسير على نهجه أدب الأطفال سواء من إبداعاتهم أو إبداع الأدباء لهم، لأن هذه الوصية تميزت بقيم كثيرة في أدب الأطفال، ومن أهمها:
١- مجالسة الأطفال للكبار، ليحرصوا على التعلم منهم ويستنيروا بمعارفهم ويقتدون بهم في سلوكهم، فقد لازم ابن عباس خير البشر وسار خلفه تأدبا وتقديرا وتوقيرا لمكانة الأستاذ الأول والمعلم الأكبر ﷺ.
٢- تلقى ابن عباس ﵄ الوصية من رسول الله ﷺ ليعمل بها هو وأمثاله من الغلمان والشباب، لأن العبرة بعموم اللفظ والوصية لا بخصوص السبب.
٣- تخصيص ابن عباس ﵄ بهذه الوصية من بين الغلمان فيه دلالة على نجابته، ورجاحة عقله، فقد صدقت نبوءة الرسول ﷺ في خصوصيته، فصار حبر الأمة ورائد التأويل والتفسير لكتاب الله ﷿، ويتميز برجاحة العقل في الحوار، وقوة الحجة ونصاعة الرأي.
1 / 14
٤- تعبير الرسول ﷺ في افتتاح الوصية بقول: "يا غلام"، وفي رواية "يا غلامي" يوحي بحرارة العطف وعميق الحب والحنان، كما يشير إلى قرب منزلته وشدة حرصه عليه، مما يعين على فتح منافذ الإدراك الكثيرة في النفس من عاطفة ووجدان ومشاعر وخواطر وأحاسيس فيكون أكثر إقبالا على الوصية وأعظم قبولا لها.
٥- يتميز أسلوب الرسول ﷺ هنا بالرقة، وتصويره الأدبي بالقرب والتيسير، حيث يقول: "إني أعلمك كلمات" أي يسيرات معدودات، مما يعين على تحريك الانتباه وتفتح القلب، فيستقر مغزاه في القلب والعقل معا.
٦- بلغ التعبير الأدبي الغاية في تصوير الطاعة لله ﷿ والالتزام بالمحافظة على حدوده مما يستحق عليه الجزاء الأوفى من ربه، فيتحقق المراد ويطمئن القلب في ثقة وإقدام وذلك في قوله: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك".
٧- أن يغرس في نفوس الأطفال الاعتداد بأنفسهم وعدم التواكل أو الاعتماد على البشر، لأنهم لا يدفعون عن أنفسهم الضرر، ولا يجلبون لأنفسهم النفع، فكيف يكون ذلك لغيرهم، بل يجب الاستعانة بخالق البشر والخلق جميعا، فهو وحده النافع أو الضار، وقد قضى الله ﷿ بذلك منذ الأزل "فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف" وذلك في تصوير أدبي من جوامع الكلم، يتزاحم بالقيم الكثيرة والمعاني الغزيرة من الإيجاز في الأسلوب وقلة الألفاظ، فلا زالت الوصية تثير كثيرا من القيم الخلقية والفنية الخالدة في تأدب الأطفال والسمو بهم.
1 / 15
وصية لقمان لابنه:
ومن وصايا القرآن الكريم التي أعجزت الفصحاء في بلاغتها وأثرها الإيجابي في النفس في تربية الأطفال وتأديبهم بأدب القرآن الكريم وتجاوبهم مع أخلاقه الخالدة: وصية لقمان لابنه وهو يعظه، فهي درس خلقي وأدبي رباني لا زال يعطي لأطفال كل عصر ما يتناسب مع حضارته ومعطياته، ولكل جيل ما يهيئه ويعده إعدادا قويا وصالحا يتجاوب مع هذه الحضارة وتلك المعطيات الحية، بخلود القرآن الكريم، وازدهار حضارته وأصالة قيمه الخلقية والبلاغية، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٣-١٩] .
في هذا التصوير القرآني المعجز في بيان بلاغي أخاذ، يرسي قيما خلقية وتشريعية لعلاقة النشء مع ربه في قضية التوحيد وعدم الشرك بالله، وعلاقة النشء مع نفسه وعلاقته مع والديه وأسرته، وعلاقته مع مخلوقات الله، كما توضح علاقة الأب بأبنائه منذ المراحل الأولى في حياته، فهو مسئول عن رعيته يرعاهم ويرشدهم بأسلوب يفيض رقة وعطفا وحنانا ويخاطب به العاطفة والعقل والمشاعر والوجدان، في بناء جسد قوي وتهذيب للروح صافية نقية في توازن واتزان بينهما على السواء، وبذلك تصلح الأسرة لتكون خلية حية وقوية في تشكيل المجتمع الإسلامي قويا عزيز الجانب، فيسمو بحضارة الإسلام المتجددة في كل عصر ولكل جيل، لذلك احتوت الوصية على معالم رئيسية في بناء الطفل وتكوينه على
1 / 16
أسس قوية تجمع بين هذه العلاقات المختلفة:
١- تصور الوصية قضية التوحيد وإخلاص العقيدة لله وحده لا شريك له، فالشرك بالله ظلم عظيم وجرم كبير.
٢- تصور الوصية ما يجب على الأطفال من البر والطاعة في غير معصية للوالدين، ومصاحبتهما بالمعروف، مهما اختلفت أحوالهما وعلاقتهما عرفانا بالجميل وإنصافا لأصحاب الفضل عليهم.
٣- الحرص على طاعة الله وتوحيده وطاعة الوالدين والبر بهما في الحياة كلها، فلا يهمل ذلك أو يغفل عنه، لأنه محاسب على ذلك عندما يرجع إلى ربه؛ فالله وحده خلقه وأماته وأعاده إليه ليحاسبه على تفريطه وعصيانه.
٤- تصور الوصية مراقبة الله له في كل حين وإحاطته بكل شيء، ليغرس في نفسه منذ المراحل الأولى للطفولة غريزة المراقبة والحضور والخوف، والتدبر والتفكير العميق، والاهتمام والعزيمة الصادقة، والمتابعة والتواصل، وذلك في تصوير تهتز له العاطفة، ويمتلأ به الوجدان والقلب رهبة ورغبة ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾ .
٥- تنمية القيم والعلاقات الاجتماعية التي تحييها وتجددها: أداء الصلاة ومواصلة الصبر في المعاملة مهما كانت الشدائد والعقبات، والحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليؤدي الطفل دوره الفاعل في بناء نفسه، ولا يقصر في تقدم مجتمعه ورفعته.
٦- تصور الوصية قيما خلقية سامية يتعامل بها مع المجتمع من حوله فلا يؤدي مشاعرهم، فيصدر عنه ما يكرهونه أو يفرق وحدتهم ويفسد المودة بينهم، فتنفره من الكبر والخيلاء والإعجاب بالنفس وهتك الحرمات والخوض في أعراض الناس وتلويث البيئة بالأفعال القبيحة والصور المنفرة والأصوات المزعجة وذلك في صور يهتز لها الوجدان وينخلع منها القلب وتتفق مع الفطرة والعقل جميعا ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ...﴾ .
٧- تؤكد الوصية أن القيم الإنسانية والخلقية بما يتفق مع فطرة الإنسان في كل عصر ولكل الأجيال، فما أوصى به لقمان في الماضي البعيد أقره الإسلام، ولا زال يقره ويحث عليه في الحياة الدنيا؛ لأنها قيم ثابتة وحية ترتبط بوجود الإنسان وحياته.
1 / 17
أدب الإسلام في استئذان الأطفال:
حث الإسلام على إفشاء السلام وتبادل التحية بصفة عامة لإشاعة السلام والأمن، ونشر المحبة، والتعاون على البر والتقوى، لا الإثم والعدوان، قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٦١]، ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ [الذاريات: ٢٤،٢٥]، وعن كلدة بن الحنبل ﵁ قال: أتيت النبي ﷺ فدخلت عليه ولم أسلم فقال النبي ﷺ: "ارجع فقل السلام عليكم أأدخل" رواه أبو داود والترمذي.
وكذلك الإستئذان في الدخول على الآخرين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٢٧-٣١] .
وعن سهل بن سعد ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر" رواه البخاري ومسلم، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: ٦١]، عن أنس ﵁ قال: قال لي رسول الله
1 / 18
ﷺ: "يا بني إذا دخلت بيتك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك" رواه الترمذي، وعن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع" رواه البخاري ومسلم، هكذا حث الإسلام على أدب إفشاء السلام وتبادل التحية بين الناس، مؤكدا على أن يبدأ به الصغير على الكبير توقيرا له وعرفانا بفضل الله عليه.
لكن أدب استئذان الأبناء والأطفال في الدخول على آبائهم وأمهاتهم داخل البيوت وعلى غيرهم من باب أولى، فقد صوره القرآن الكريم تصويرا بلاغيا معجزا ليحدده في أوقات ثلاث فقط، وما عداها فمجاله مفتوح غير مقيد به في غير ذلك من الأوقات، لأن هذه الأوقات الثلاثة يجنح الإنسان فيها إلى عدم المكاشفة ويميل إلى التكتم والراحة ويتخفف من ثيابه، ويفضي إلى نفسه بأسرار لا يحب أن يتطلع عليها غيره أو يستغرق في التأمل والتدبر أو في النوم، فيكره أن يزعجه أحد بالدخول ولو ابنه، ليتجدد نشاطه بعد ذلك، ويعيد إلى الجسد طاقاته وحيويته، فيباشر أعماله في دأب ونشاط، لذلك كان من الواجب على الأطفال أن يتأدبوا بأدب الإسلام ويتخلقوا بخلق القرآن الكريم والسنة الشريفة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ٥٨-٥٩]، وهذه القيم الحضارية -التي أدب بها القرآن الكريم والسنة الشريفة- أدب رباني أبهر العقول وباتت مبهورة بهذا التشريع السماوي الذي يتفق مع الأدب الجم، والذوق الرفيع، والرقي الإنساني وسمو المبادئ الإنسانية التي اصطفى بها الله ﷿ هذه الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، فيعم الخير والبركة على من ألقى السلام والتحية وآنس الاستئذان، وعلى من رد التحية والسلام وسمح بالدخول: ﴿تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ "يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك"، "رجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله"، ومن كان الله ضامنه وكفيله فلن يتعرض للأذى مطلقا.
1 / 19
أدب القصة القرآنية والنبوية للأطفال:
تسيطر القصة بعناصرها الفنية، ويرغبون فيها أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى، فيستغرقوا فيها حتى النهاية، ربما في جلسة واحدة مهما طالت؛ وذلك لبنائها الفني المحكم، الذي يعتمد على تطور الأحداث وفاعلية الحركة، وحيوية عناصر التشويق والإثارة، وتوقع الحلول، والخروج من الأزمة.
لذلك تعامل بها القرآن الكريم مع أهل الكفر والعناد في مكة غالبا، لينفذ إلى أعماقهم من جميع منافذ الإدراك في النفس لئلا يكون لهم حجة بعد قصص الرسل وغيرها، فهم في عنادهم أشبه بالأطفال في قلة حيلتهم، وضعف موارد التلقي والاستيعاب عندهم، لذلك غلبت القصة على التنزيل في مكة المكرمة.
وقد ضربت القصة القرآنية المثل الأعلى في الإثارة والتشويق، وجلال التعبير، ومثالية القيم الخلقية، فانبهرت بها عقول الأطفال وأخذت بتلابيب عواطفهم، واستجابت لها وجداناتهم تأثرا واقتناعا، وخاصة القصص التي تثير فيهم مراحل طفولتهم المبكرة، وقد وصلت أحداث مراحلها إلى الإعجاز، الذي فوق طاقة البشر: مثل قصة طفولة موسى ﵇ وإلقائه في اليم، ونجاته على يد عدوه اللدود فرعون، ليصير ولدا حميما له في معية أسرته، كما جاء في سورة القصص وغيرها، قال تعالى: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ
1 / 20