97

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Editorial

دار مكتبة الحياة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1407 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Sufismo
قَلْبِك، وَاجْعَلْ أَبْعَدَ أَمْلِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِك، وَكُنْ كَأَنَّك تَرَى ثَوَابَ أَعْمَالِك وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا إمَّا مُصِيبَةٌ مُوجِعَةٌ، وَإِمَّا مَنِيَّةٌ مُفْجِعَةٌ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
خَلِّ دُنْيَاك إنَّهَا ... يَعْقُبُ الْخَيْرَ شَرُّهَا
هِيَ أُمٌّ تَعُقُّ مِنْ ... نَسْلِهَا مَنْ يَبَرُّهَا
كُلُّ نَفْسٍ فَإِنَّهَا ... تَبْتَغِي مَا يَسُرُّهَا
وَالْمَنَايَا تَسُوقُهَا ... وَالْأَمَانِي تَغُرُّهَا
فَإِذَا اسْتَحْلَتْ الْجَنَى ... أَعْقَبَ الْحُلْوَ مُرُّهَا
يَسْتَوِي فِي ضَرِيحِهِ ... عَبْدُ أَرْضٍ وَحُرُّهَا
فَإِذَا رَضَتْ نَفْسُك مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَا وَصَفْت اعْتَضْت مِنْهَا بِثَلَاثِ خِلَالٍ:
إحْدَاهُنَّ: أَنْ تَكْفِيَ إشْفَاقَ الْمُحِبِّ وَحَذَرَ الْوَامِقِ فَلَيْسَ لِمُشْفِقٍ ثِقَةٌ، وَلَا لِحَاذِرٍ رَاحَةٌ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تَأْمَنَ الِاغْتِرَارَ بِمَلَاهِيهَا فَتَسْلَمَ مِنْ عَادِيَةِ دَوَاهِيهَا، فَإِنَّ اللَّاهِيَ بِهَا مَغْرُورٌ، وَالْمَغْرُورُ فِيهَا مَذْعُورٌ.
وَالثَّالِثَةُ: أَنْ تَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ السَّعْيِ لَهَا، وَوَصَبِ الْكَدِّ فِيهَا، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا طَلَبَهُ، وَمَنْ طَلَبَ شَيْئًا كَدَّ لَهُ، وَالْمَكْدُودُ فِيهَا شَقِيٌّ إنْ ظَفِرَ وَمَحْرُومٌ إنْ خَابَ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبٍ: «يَا كَعْبُ، النَّاسُ غَادِيَانِ: فَغَادٍ بِنَفْسِهِ فَمُعْتِقُهَا، وَمُوبِقُ نَفْسَهُ فَمُوثِقُهَا» . وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﵉: تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَلَا تَعْمَلُونَ لِلْآخِرَةِ وَأَنْتُمْ لَا تُرْزَقُونَ فِيهَا إلَّا بِعَمَلٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا أَنْ لَا تَبْقَى عَلَى حَالَةٍ، وَلَا تَخْلُوَ مِنْ اسْتِحَالَةٍ، تُصْلِحُ جَانِبًا بِإِفْسَادِ جَانِبٍ، وَتَسُرُّ صَاحِبًا بِمُسَاءَةِ صَاحِبٍ، فَالرُّكُونُ إلَيْهَا خَطَرٌ، وَالثِّقَةُ بِهَا غَرَرٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا مُرْتَجِعَةُ الْهِبَةِ وَالدَّهْرُ حَسُودٌ لَا يَأْتِي عَلَى شَيْءٍ إلَّا غَيَّرَهُ وَلِمَنْ عَاشَ حَاجَةٌ لَا تَنْقَضِي. وَلَمَّا بَلَغَ مَزْدَكُ مِنْ الدُّنْيَا أَفْضَلَ مَا سَمَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ نَبَذَهَا وَقَالَ: هَذَا سُرُورٌ، لَوْلَا أَنَّهُ

1 / 111