96

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Editorial

دار مكتبة الحياة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1407 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Sufismo
أَمِنَ وَمَنْ مَرِضَ فِيهَا نَدِمَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، وَمَنْ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ، وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا أَتَتْهُ، وَمَنْ نَظَرَ إلَيْهَا أَعْمَتْهُ، وَمَنْ نَظَرَ بِهَا بَصِرَتْهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: إنَّ الدُّنْيَا تُقْبِلُ إقْبَالَ الطَّالِبِ، وَتُدْبِرُ إدْبَارَ الْهَارِبِ، وَتَصِلُ وِصَالَ الْمَلُولِ، وَتُفَارِقُ فِرَاقَ الْعُجُولِ، فَخَيْرُهَا يَسِيرٌ، وَعَيْشُهَا قَصِيرٌ، وَإِقْبَالُهَا خَدِيعَةٌ، وَإِدْبَارُهَا فَجِيعَةٌ، وَلَذَّاتُهَا فَانِيَةٌ، وَتَبِعَاتُهَا بَاقِيَةٌ، فَاغْتَنَمَ غَفْوَةَ الزَّمَانِ، وَانْتَهَزَ فُرْصَةَ الْإِمْكَانِ، وَخُذْ مِنْ نَفْسِك لِنَفْسِك، وَتَزَوَّدْ مِنْ يَوْمِك لِغَدِكَ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: مَثَلُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَثَلُ ضَرَّتَيْنِ إنْ أَرْضَيْت إحْدَاهُمَا أَسْخَطْت الْأُخْرَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: الدُّنْيَا مَنَازِلُ، فَرَاحِلٌ وَنَازِلٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا إمَّا نِقْمَةٌ نَازِلَةٌ، وَإِمَّا نِعْمَةٌ زَائِلَةٌ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مِنْ الدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا دَلِيلٌ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تَمَتَّعْ مِنْ الْأَيَّامِ إنْ كُنْت حَازِمًا ... فَإِنَّك مِنْهَا بَيْنَ نَاهٍ وَآمِرِ
إذَا أَبْقَتْ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ ... فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِضَائِرِ
فَلَنْ تَعْدِلَ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ... وَلَا وَزْنَ ذَرٍّ مِنْ جَنَاحٍ لِطَائِرِ
فَمَا رَضِيَ الدُّنْيَا ثَوَابًا لِمُؤْمِنٍ ... وَلَا رَضِيَ الدُّنْيَا جَزَاءً لِكَافِرِ
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الدُّنْيَا يَوْمَانِ: يَوْمُ فَرَحٍ وَيَوْمُ هَمٍّ، وَكِلَاهُمَا زَائِلٌ عَنْك فَدَعُوا مَا يَزُولُ، وَأَتْعِبُوا نُفُوسَكُمْ فِي الْعَمَلِ لِمَا لَا يَزُولُ» . وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﵇: لَا تُنَازِعُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ فَيُنَازِعُوكُمْ فِي دِينِكُمْ، فَلَا دُنْيَاهُمْ أَصَبْتُمْ، وَلَا دِينَكُمْ أَبْقَيْتُمْ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا عَمَلَ الرَّاغِبِينَ، فَإِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ. يَعْجَزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ، وَيَنْهَى النَّاسَ وَلَا يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي. يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَا يَعْمَلُ بِعَمَلِهِمْ، وَيُبْغِضُ الطَّالِحِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الدُّنْيَا كُلُّهَا غَمٌّ فَمَا كَانَ مِنْهَا مِنْ سُرُورٍ فَهُوَ رِيحٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الدُّنْيَا كَثِيرَةُ التَّغْيِيرِ، سَرِيعَةُ التَّنْكِيرِ، شَدِيدَةُ الْمَكْرِ، دَائِمَةُ الْغَدْرِ، فَاقْطَعْ أَسْبَابَ الْهَوَى عَنْ

1 / 110