Adab Dunya Wa Din

Al-Mawardí d. 450 AH
82

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Editorial

دار مكتبة الحياة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1407 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Sufismo
﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَنْكِرْ الْمُنْكَرَ بِيَدِك فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِك، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِك، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» . فَإِنْ أَرَادَ الْإِقْدَامَ عَلَى الْإِنْكَارِ مَعَ لُحُوقِ الْمَضَرَّةِ بِهِ نَظَرَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إظْهَارُ النَّكِيرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ، وَلَا إظْهَارِ كَلِمَةِ الْحَقِّ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ النَّكِيرُ إذَا خَشِيَ، بِغَالِبِ الظَّنِّ، تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا، وَلَمْ يُخْشَ مِنْهُ النَّكِيرُ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ فِي إظْهَارِ النَّكِيرِ إعْزَازُ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِظْهَارُ كَلِمَةِ الْحَقِّ، حَسُنَ مِنْهُ النَّكِيرُ مَعَ خَشْيَةِ الْإِضْرَارِ وَالتَّلَفِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ الْغَرَضُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ بِالنَّكِيرِ وَإِنْ انْتَصَرَ أَوْ قُتِلَ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ كَلِمَةَ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» . فَأَمَّا إذَا كَانَ يُقْتَلُ قَبْلَ حُصُولِ الْغَرَضِ قَبُحَ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِإِنْكَارِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْإِنْكَارُ يَزِيدُ الْمُنْهَى إغْرَاءً بِفِعْلِ الْمُنْكَرِ، وَلَجَاجًا فِي الْإِكْثَارِ مِنْهُ، قَبُحَ فِي الْعَقْلِ إنْكَارُهُ. وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْمُنْكَرِ مِنْ جَمَاعَةٍ قَدْ تَضَافَرُوا عَلَيْهِ، وَعُصْبَةٍ قَدْ تَحَزَّبَتْ وَدَعَتْ إلَيْهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ إنْكَارِهِ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْآثَارِ: لَا يَجِبُ إنْكَارُهُ وَالْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ كَافًّا، مُمْسِكًا، وَمُلَازِمًا لِبَيْتِهِ، وَادِعًا غَيْرَ مُنْكِرٍ وَلَا مُسْتَفَزٍّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِمَّنْ يَقُولُ بِظُهُورِ الْمُنْتَظَرِ: لَا يَجِبُ إنْكَارُهُ وَلَا التَّعَرُّضُ لِإِزَالَتِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الْمُنْتَظَرُ فَيَتَوَلَّى إنْكَارَهُ بِنَفْسِهِ وَيَكُونُوا أَعْوَانَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، مِنْهُمْ الْأَصَمُّ: لَا يَجُوزُ لِلنَّاسِ إنْكَارُهُ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إمَامٍ عَدْلٍ، فَيَجِبَ عَلَيْهِمْ الْإِنْكَارُ مَعَهُ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ: إنْكَارُ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَالدَّفْعُ عَنْهُ لَازِمٌ عَلَى شُرُوطِهِ فِي وُجُودِ أَعْوَانٍ يَصْلُحُونَ لَهُ. فَأَمَّا مَعَ فَقْدِ الْأَعْوَانِ فَعَلَى الْإِنْسَانِ الْكَفُّ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يُقْتَلُ قَبْلَ بُلُوغِ الْغَرَضِ، وَذَلِكَ قَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ. فَهَذَا مَا أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوَامِرَهُ وَأَيَّدَ بِهِ زَوَاجِرَهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَمَا يَخْتَلِفُ مِنْ أَحْوَالِ الْآمِرِينَ بِهِ وَالنَّاهِينَ عَنْهُ. ثُمَّ لَيْسَ يَخْلُو حَالُ النَّاسِ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ، مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ

1 / 96