47

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Editorial

دار مكتبة الحياة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1407 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Sufismo
فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٩] يَعْنِي الْخَطَّ ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] يَعْنِي الْخَطَّ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الْخَطُّ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ، وَحُسْنُهُ أَحَدُ الْفَصَاحَتَيْنِ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى: الْخَطُّ سَمْطُ الْحِكْمَةِ بِهِ يُفْصَلُ شُذُورُهَا، وَيُنَظَّمُ مَنْثُورُهَا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ: اللِّسَانُ مَقْصُورٌ عَلَى الْقَرِيبِ الْحَاضِرِ وَالْقَلَمُ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ وَهُوَ لِلْغَابِرِ الْكَائِنِ مِثْلُهُ لِلْقَائِمِ الدَّائِمِ. وَقَالَ حَكِيمُ الرُّومِ: الْخَطُّ هَنْدَسَةٌ رُوحَانِيَّةٌ، وَإِنْ ظَهَرَتْ بِآلَةٍ جُسْمَانِيَّةٍ. وَقَالَ حَكِيمُ الْعَرَبِ: الْخَطُّ أَصْلٌ فِي الرُّوحِ وَإِنْ ظَهَرَ بِحَوَاسِّ الْجَسَدِ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ كَتَبَ الْخَطَّ فَذَكَرَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ آدَمَ ﵇ كَتَبَ سَائِرَ الْكُتُبِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ فِي طِينٍ ثُمَّ طَبَخَهُ فَلَمَّا غَرِقَتْ الْأَرْضُ فِي أَيَّامِ نُوحٍ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ - بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فَأَصَابَ كُلُّ قَوْمٍ كِتَابَهُمْ. وَبَقِيَ الْكِتَابُ الْعَرَبِيُّ إلَى أَنْ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إسْمَاعِيلَ فَأَصَابَهُ وَتَعَلَّمَهَا.
وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ إدْرِيسُ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُعَظِّمُ قَدْرَ الْخَطِّ وَتَعُدُّهُ مِنْ أَجَلِّ نَافِعٍ حَتَّى قَالَ عِكْرِمَةُ: بَلَغَ فِدَاءُ أَهْلِ بَدْرٍ أَرْبَعَةُ آلَافٍ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لِيُفَادَى عَلَى أَنَّهُ يُعَلِّمُ الْخَطَّ، لِمَا هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ عِظَمِ خَطَرِهِ وَجَلَالَةِ قَدْرِهِ وَظُهُورِ نَفْعِهِ وَأَثَرِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ﴾ [العلق: ٣] ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: ٤] . فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْكَرَمِ، وَأَعَدَّ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ الْعِظَامِ، وَمِنْ آيَاتِهِ الْجِسَامِ، حَتَّى أَقْسَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ ﷾: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: ١] . فَأَقْسَمَ بِالْقَلَمِ وَمَا يُخَطُّ بِالْقَلَمِ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ كَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَذَكَرَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ

1 / 60