183

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Editorial

دار مكتبة الحياة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1407 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Sufismo
لَكِنَّ طَاقَةَ مِثْلِي غَيْرُ خَافِيَةٍ ... وَالنَّمْلُ يُعْذَرُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي حَمَلَا
وَرُبَّمَا تَحَسَّرَ بِحُدُوثِ الْعَجْزِ بَعْدَ تَقْدُمْ الْقُدْرَةِ عَلَى فَوْتِ الصَّنِيعَةِ وَزَوَالِ الْعَادَةِ حَتَّى صَارَ أَضْنَى جَسَدًا وَأَزِيدَ كَمَدًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكُنْتُ كَبَازِ السُّوءِ قُصَّ جَنَاحُهُ ... يَرَى حَسَرَاتٍ كُلَّمَا طَارَ طَائِرُ
يَرَى طَائِرَاتِ الْجَوِّ تَخْفِقُ حَوْلَهُ ... فَيَذْكُرُ إذْ رِيشُ الْجَنَاحَيْنِ وَافِرُ
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ غَيْرَ مُسْتَوْجِبٍ وَالْمَسْئُولُ مُتَمَكِّنًا، وَعَلَى الْبَذْلِ قَادِرًا، فَيَنْظُرُ فَإِنْ خَافَ بِالرَّدِّ قَدْحَ عِرْضٍ، أَوْ قُبْحَ هِجَاءٍ مُمْضٍ، كَانَ الْبَذْلُ مَنْدُوبًا صِيَانَةً لَا جُودًا. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا وَقَى بِهِ الْمَرْءُ عِرْضَهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» . وَإِنْ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ وَسَلِمَ مِنْهُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ غَلَّبَ الْمَسْأَلَةَ وَأَمَرَ بِالْبَذْلِ لِئَلَّا يُقَابِلَ الرَّجَاءَ بِالْخَيْبَةِ وَالْأَمَلَ بِالْإِيَاسِ. ثُمَّ لِمَا فِيهِ مِنْ اعْتِيَادِ الرَّدِّ وَاسْتِسْهَالِ الْمَنْعِ الْمُفْضِي إلَى الشُّحِّ.
وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ الْكِسَائِيّ:
كَأَنَّك فِي الْكِتَابِ وَجَدْتَ لَاءً ... مُحَرَّمَةً عَلَيْك فَلَا تَحِلُّ
فَمَا تَدْرِي إذَا أَعْطَيْت مَالًا ... أَيُكْثِرُ مِنْ سَمَاحِك أَمْ يُقِلُّ
إذَا حَضَرَ الشِّتَاءُ فَأَنْتَ شَمْسٌ ... وَإِنْ حَضَرَ الْمَصِيفُ فَأَنْتَ ظِلُّ
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَسْبَابِ وَغَلَّبَ حَالَ السَّائِلِ وَنَدَبَ إلَى الْمَنْعِ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ فِي غَيْرِ حَقٍّ لِيَقْوَى عَلَى الْحُقُوقِ إذَا عُرِضَتْ، وَلَا يَعْجِزُ عَنْهَا إذَا لَزِمَتْ وَتَعَيَّنَتْ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
لَا تَجُدْ بِالْعَطَاءِ فِي غَيْرِ حَقٍّ ... لَيْسَ فِي مَنْعِ غَيْرِ ذِي الْحَقِّ بُخْلُ
إنَّمَا الْجُودُ أَنْ تَجُودَ عَلَى مَنْ ... هُوَ لِلْجُودِ وَالنَّدَى مِنْك أَهْلُ
فَأَمَّا مَنْ أَجَابَ السُّؤَالَ، وَوَعَدَ بِالْبَذْلِ وَالنَّوَالِ، فَقَدْ صَارَ بِوَعْدِهِ مَرْهُونًا وَصَارَ وَفَاؤُهُ بِالْوَعْدِ مَقْرُونًا. فَالِاعْتِبَارُ بِحَقِّ السَّائِلِ بَعْدَ الْوَعْدِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مُرَاجَعَةِ نَفْسِهِ فِي الرَّدِّ، فَيَسْتَوْجِبُ مَعَ ذَمِّ الْمَنْعِ لُؤْمَ الْبُخْلِ وَمَقْتَ الْقَادِرِ وَهُجْنَةَ الْكَذُوبِ.
ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِمَطْلِهِ بَعْدَ الْوَعْدِ؛ لِمَا فِي الْمَطْلِ مِنْ

1 / 198