Adab Dunya Wa Din

Al-Mawardí d. 450 AH
166

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Editorial

دار مكتبة الحياة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1407 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Sufismo
عَدُوًّا وَلَا يَفْقِدُ حَاسِدًا. وَبِحَسَبِ قَدْرِ النِّعْمَةِ تَكْثُرُ الْأَعْدَاءُ وَالْحَسَدَةُ، كَمَا قَالَ الْبُحْتُرِيُّ: وَلَنْ تَسْتَبِينَ الدَّهْرَ مَوْقِعَ نِعْمَةٍ ... إذَا أَنْتَ لَمْ تَدْلُلْ عَلَيْهَا بِحَاسِدِ فَإِنْ أَغْفَلَ تَأَلُّفَ الْأَعْدَاءِ مَعَ وُفُورِ النِّعْمَةِ وَظُهُورِ الْحَسَدَةِ، تَوَالَى عَلَيْهِ مِنْ مَكْرِ حَلِيمِهِمْ، وَبَادِرَةِ سَفِيهِهِمْ، مَا تَصِيرُ بِهِ النِّعْمَةُ غَرَامًا وَالزَّعَامَةُ مَلَامًا. وَرَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوَدُّدُ إلَى النَّاسِ» . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد ﵉، لِابْنِهِ: لَا تَسْتَكْثِرْ أَنْ يَكُونَ لَك أَلْفُ صَدِيقٍ، فَالْأَلْفُ قَلِيلٌ. وَلَا تَسْتَقِلَّ أَنْ يَكُونَ لَك عَدُوٌّ وَاحِدٌ، فَالْوَاحِدُ كَثِيرٌ. فَنَظَّمَ ابْنُ الرُّومِيِّ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: فَكَثِّرْ مِنْ الْإِخْوَانِ مَا اسْتَطَعْت إنَّهُمْ ... بُطُونٌ إذَا اسْتَنْجَدْتَهُمْ وَظُهُورُ وَلَيْسَ كَثِيرًا أَلْفُ خِلٍّ وَصَاحِبٍ ... وَإِنَّ عَدُوًّا وَاحِدًا لَكَثِيرُ وَقِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: مَا أَفَدْت فِي مِلْكِك هَذَا؟ قَالَ: مَوَدَّةَ الرِّجَالِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مِنْ عَلَامَةِ الْإِقْبَالِ اصْطِنَاعُ الرِّجَالِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَنْ اسْتَصْلَحَ عَدُوَّهُ زَادَ فِي عَدَدِهِ، وَمَنْ اسْتَفْسَدَ صَدِيقَهُ نَقَصَ مِنْ عَدَدِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: الْعَجَبُ مِمَّنْ يَطْرَحُ عَاقِلًا كَافِيًا لِمَا يُضْمِرُهُ مِنْ عَدَاوَتِهِ، وَيَصْطَنِعُ عَاجِزًا جَاهِلًا لِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِصْلَاحِ مَنْ يُعَادِيهِ بِحُسْنِ صَنَائِعِهِ وَأَيَادِيهِ. وَأَنْشَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ جَامِعَةً لِكُلِّ مَا قَالَتْهُ الْعَرَبُ، وَهِيَ لِلْأَفْوَهِ وَاسْمُهُ صَلَاءَةُ بْنُ عَمْرٍو حَيْثُ يَقُولُ: بَلَوْتُ النَّاسَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ ... فَلَمْ أَرَ غَيْرَ خَتَّالٍ وَقَالِي وَذُقْتُ مَرَارَةَ الْأَشْيَاءِ جَمْعًا ... فَمَا طَعْمٌ أَمَرُّ مِنْ السُّؤَالِ وَلَمْ أَرَ فِي الْخُطُوبِ أَشَدَّ هَوْلًا ... وَأَصْعَبَ مِنْ مُعَادَاةِ الرِّجَالِ

1 / 181