Adab Dunya Wa Din

Al-Mawardí d. 450 AH
131

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Editorial

دار مكتبة الحياة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1407 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Sufismo
[فَصْلٌ مَا يَصْلُحُ بِهِ حَالُ الْإِنْسَانِ فِي الدنيا] فَصْلٌ: وَأَمَّا مَا يَصْلُحُ بِهِ حَالُ الْإِنْسَانِ فِيهَا فَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، هِيَ قَوَاعِدُ أَمْرِهِ وَنِظَامُ حَالِهِ، وَهِيَ: نَفْسٌ مُطِيعَةٌ إلَى رُشْدِهَا مُنْتَهِيَةٌ عَنْ غَيِّهَا، وَأُلْفَةٌ جَامِعَةٌ تَنْعَطِفُ الْقُلُوبُ عَلَيْهَا وَيَنْدَفِعُ الْمَكْرُوهُ بِهَا، وَمَادَّةٌ كَافِيَةٌ تَسْكُنُ نَفْسُ الْإِنْسَانِ إلَيْهَا وَيَسْتَقِيمُ أَوَدُهُ بِهَا. فَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الَّتِي هِيَ نَفْسٌ مُطِيعَةٌ: فَلِأَنَّهَا إذَا أَطَاعَتْهُ مَلَكَهَا، وَإِذَا عَصَتْهُ مَلَكَتْهُ وَلَمْ يَمْلِكْهَا. وَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ فَهُوَ بِأَنْ لَا يَمْلِكَ غَيْرَهَا أَحْرَى، وَمَنْ عَصَتْهُ نَفْسُهُ كَانَ بِمَعْصِيَةِ غَيْرِهَا أَوْلَى. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَطْلُبَ طَاعَةَ غَيْرِهِ وَنَفْسُهُ مُمْتَنِعَةٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ: أَتَطْمَعُ أَنْ يُطِيعَك قَلْبُ سُعْدَى ... وَتَزْعُمُ أَنَّ قَلْبَك قَدْ عَصَاك وَطَاعَةُ نَفْسِهِ تَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا نُصْحٌ، وَالثَّانِي انْقِيَادٌ. فَأَمَّا النُّصْحُ فَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْأُمُورِ بِحَقَائِقِهَا فَيَرَى الرُّشْدَ رُشْدًا وَيَسْتَحْسِنَهُ، وَيَرَى الْغَيَّ غَيًّا وَيَسْتَقْبِحَهُ. وَهَذَا يَكُونُ مِنْ صِدْقِ النَّفْسِ إذَا سَلِمَتْ مِنْ دَوَاعِي الْهَوَى. وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ. فَأَمَّا الِانْقِيَادُ فَهُوَ أَنْ تُسْرِعَ إلَى الرُّشْدِ إذَا أَمَرَهَا، وَتَنْتَهِيَ عَنْ الْغَيِّ إذَا زَجَرَهَا. وَهَذَا يَكُونُ مِنْ قَبُولِ النَّفْسِ إذَا كُفِيَتْ مُنَازَعَةَ الشَّهَوَاتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] . وَلِلنَّفْسِ آدَابٌ هِيَ تَمَامُ طَاعَتِهَا، وَكَمَالُ مَصْلَحَتِهَا. وَقَدْ أَفْرَدْنَا لَهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بَابًا وَاقْتَصَرْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى مَا قَدْ اقْتَضَاهُ التَّرْتِيبُ، وَاسْتَدْعَاهُ التَّقْرِيبُ. وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الْأُلْفَةُ الْجَامِعَةُ: فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَقْصُودٌ بِالْأَذِيَّةِ، مَحْسُودٌ بِالنِّعْمَةِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ آلِفًا مَأْلُوفًا تَخَطَّفَتْهُ أَيْدِي حَاسِدِيهِ، وَتَحَكَّمَتْ فِيهِ أَهْوَاءُ أَعَادِيهِ، فَلَمْ تَسْلَمْ لَهُ نِعْمَةٌ، وَلَمْ تَصْفُ لَهُ مُدَّةٌ. فَإِذَا كَانَ آلِفًا مَأْلُوفًا انْتَصَرَ بِالْأُلْفَةِ عَلَى أَعَادِيهِ، وَامْتَنَعَ مِنْ حَاسِدِيهِ، فَسَلِمَتْ نِعْمَتُهُ مِنْهُمْ، وَصَفَتْ مُدَّتُهُ عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ صَفْوُ الزَّمَانِ عُسْرًا، وَسِلْمُهُ خَطَرًا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَنْ جَابِرٍ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ آلِفٌ

1 / 146