119

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Editorial

دار مكتبة الحياة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1407 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Sufismo
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: جَاءَ الْعَقْلُ وَالشَّرْعُ مَعًا مَجِيئًا وَاحِدًا لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: سَبَقَ الْعَقْلُ ثُمَّ تَبِعَهُ الشَّرْعُ؛ لِأَنَّ بِكَمَالِ الْعَقْلِ يُسْتَدَلُّ عَلَى صِحَّةِ الشَّرْعِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: ٣٦] . وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ إلَّا عِنْدَ كَمَالِ عَقْلِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الدِّينَ مِنْ أَقْوَى الْقَوَاعِدِ فِي صَلَاحِ الدُّنْيَا، وَهُوَ الْفَرْدُ الْأَوْحَدُ فِي صَلَاحِ الْآخِرَةِ.
وَمَا كَانَ بِهِ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَحَقِيقٌ بِالْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ بِهِ مُتَمَسِّكًا وَعَلَيْهِ مُحَافِظًا، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْأَدَبُ أَدَبَانِ: أَدَبُ شَرِيعَةٍ وَأَدَبُ سِيَاسَةٍ. فَأَدَبُ الشَّرِيعَةِ مَا أَدَّى الْفَرْضَ، وَأَدَبُ السِّيَاسَةِ مَا عَمَرَ الْأَرْضَ. وَكِلَاهُمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَدْلِ الَّذِي بِهِ سَلَامَةُ السُّلْطَانِ، وَعِمَارَةُ الْبُلْدَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَنْ خَرَّبَ الْأَرْضَ فَقَدْ ظَلَمَ غَيْرَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ:
مَا صِحَّةٌ أَبَدًا بِنَافِعَةٍ ... حَتَّى يَصِحَّ الدِّينُ وَالْخُلُقُ
وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ سُلْطَانٌ قَاهِرٌ تَتَأَلَّفُ مِنْ رَهْبَتِهِ الْأَهْوَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ، وَتَجْتَمِعُ لِهَيْبَتِهِ الْقُلُوبُ الْمُتَفَرِّقَةُ، وَتَكُفُّ بِسَطْوَتِهِ الْأَيْدِي الْمُتَغَالِبَةُ، وَتَمْتَنِعُ مِنْ خَوْفِهِ النُّفُوسُ الْعَادِيَةُ؛ لِأَنَّ فِي طِبَاعِ النَّاسِ مِنْ حُبِّ الْمُغَالَبَةِ عَلَى مَا آثَرُوهُ وَالْقَهْرِ لِمَنْ عَانَدُوهُ، مَا لَا يَنْكَفُّونَ عَنْهُ إلَّا بِمَانِعٍ قَوِيٍّ، وَرَادِعٍ مَلِيٍّ. وَقَدْ أَفْصَحَ الْمُتَنَبِّي بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:
لَا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنْ الْأَذَى ... حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
وَالظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ ... ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لَا يَظْلِمُ
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الظُّلْمِ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا عَقْلٌ زَاجِرٌ، أَوْ دِينٌ حَاجِرٌ، أَوْ سُلْطَانٌ رَادِعٌ، أَوْ عَجْزٌ صَادٌّ. فَإِذَا تَأَمَّلْتهَا لَمْ تَجِدْ خَامِسًا يَقْتَرِنُ بِهَا وَرَهْبَةُ السُّلْطَانِ أَبْلَغُهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ وَالدِّينَ رُبَّمَا كَانَا مَضْعُوفَيْنِ، أَوْ بِدَوَاعِي الْهَوَى مَغْلُوبَيْنِ. فَتَكُونُ رَهْبَةُ السُّلْطَانِ أَشَدَّ زَجْرًا وَأَقْوَى رَدْعًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ قَالَ:

1 / 134