والبرود الأسمال، فمن رآه كثيرًا وما حل من قبله محلًا أثيرًا، أو قابل صفحات وجهه بالإعراض، أو أرسل سهام نظره فما أصابت منه الأغراض؛ فذاك أمر به علي قضى الباري، وشيء جرى به القلم وما هو إلا كالجبانة أزور فيها قبور أصحابي، وأتردد منها إلى أجداث أترابي وحبابي، وألتف في أكفان شيبي الذي نزل بي وأقسم أنه ما يرحل إلا بي، فقد ذكرت فيه جماعة رأيتهم وما راءيتهم، ودانيتهم حق الصحبة وما داينتهم، ورثت حبال صبري التي ورثتها لما رثيتهم، ممن انتفعت بعلومهم، ورفعت بين نجومهم، وشركت بعضهم في ماله، وتركت النظر إلى البدر لأنه ما فاز بمثل جماله، ولا حاز مثل كماله:
ومعاذ الغله أن أتعزى ... عنه طول الزمان أو أتسلى
فكم فيمن ذكرته من جرعني ما غصص، وجرعني رداء الصبر وقلص، وتقدم أمامي وهو يقودني إلى حفرتي بزمامي، وغادرني بعده وحيدًا، وأخذ حظي معه وراح. وأهل هذا العصر يريدون شيئًا جديدًا، ولله أبو عبادة البحتري حيث يقول في رثاء المتوكل ووزيره الفتح بن خاقان:
أأطلب أنصارًا على الدهر بعدما ... ثوى منهما في الترب أوسي وخزرجي
مضوا أممًا قبلي وخلفت بعدهم ... أخاطب بالتأمير والي منبج
والله أسأل أن يجمعنا في دار كرامته، ويمد علينا ظل لطفه ورحمته، ويجرينا على ما ألفناه وألفناه من نعمته:
وإن استطع في الحشر جئتك زائدًا ... وهيهات لي يوم القيامة أشغال
1 / 39