قالوا: الملائكة بنات الله، فيصح أن يكون الضمير في قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ﴾ عائدًا على الفرق الثلاث، أو على بعضهم. وقد عرفنا من قبل أن القرآن يجري على الأسلوب المعروف في المخاطبات؛ حيث يسند إلى القوم ما صدر من بعضهم، فلما قال: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠] يكفي في صحة معنى الآية أن يكون هذا القول قد صدر من طائفة منهم.
﴿سُبْحَانَهُ﴾:
سبحان: مصدر لسَبّح بمعنى: نَزَّه، وهو منصوب بفعل لم يسمع من العرب التصريحُ به معه، والأصل: أُسبّحه سبحانًا، فحذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، وأضيف إلى ضمير المنزه. والمعنى: تنزيه الله تعالى عن السوء، وتبعيده عنه؛ أي: الحكم بنزاهته وبعده عن السوء. والتنزيه يتناول التنزيه بالقلب، وهو اعتقاد أن الله بريء من كل ما لا يليق بكماله، وباللسان؛ كقول: سبحان الله، والأول هو الأصل، والثاني ثمرة له؛ لأن الإنسان إذا اعتقد شيئًا، ظهر من قلبه على لسانه.
﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾:
هذا إضراب عن مقالاتهم التي نسبوا بها إلى الله اتخاذ الولد، وأخذ في الاستدلال على بطلانها. اللام في قوله: ﴿لَهُ﴾ للاختصاص الكامل، وهو الملك الحقيقي. و﴿مَا﴾ اسم موصول يراد منه الكائنات: ما يعقل منها، وما لا يعقل، ومن جملة هذه الكائنات: من ادعوا أنه ولد الله، والمعنى: أن قولهم: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ زعمٌ باطل؛ فإن جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض مملوك لله، يوجد ما يشاء، ويتصرف فيه كيف يشاء، فلا حاجة له تعالى إلى اتخاذ الولد؛ إذ الولد إنما يسعى إليه الوالد، أو يرغب فيه؛ ليعتز