وقد جاء في المنقول: حبّ الوطن من الإيمان. وعن علي كرّم الله وجهه: عمرت الدنيا بحب الأوطان. وعن إبراهيم بن أدهم رضه أنه قال: ما عالجت شيئًا أشدّ من منازعة النفس للوطن. وقال عبد الملك بن قريب الأصمعي: سمعت أعرابيًا يقول: إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحببه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكاؤه على ما مضى من زمانه. ولولا ما عمتني من الإحسان الظاهري وأصّله الله تع ما أسلى عنها لذهبت نفسي شعاعًا لفقدها ولم تهنني الأيام من بعدها.
لكن في إنعامه ما يُسلي الغريب عن أوطانه ويُعيد للمرء في أيّام المشيب شرخ شبابه وقديم زمانه فالله تع يعضده بالملائكة المقرّبين ويبقي دولته على تعاقب الأيّام والسنين وأَتوخّى في ترتيب ذلك أيّام الخلفاء الراشدين ومن خلفهم من بني أميّة والعبّاسييّن وعندما تمّ كتابي وكمل وارتدى بالفوائد واشتمل وسمّيتُه بالأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة راجيًا أن يكون مرهفًا لغرمات من وُضع له وإن كانت مستغنيةً عن الأرهاف وسميرًا يغنيه في أوقات خلواته عن ذي الإكرام والجلال مستوهبًا منه موادّ التوفيق والإفضال إذ لا حول إلاّ به ولا معوّل إلاّ عليه ولا قوة إلاّ منه سائلًا من وقف على ما جمعتُه ولفقتُه ووضعتُه ونمقتُه من ذوي الأخذ والنقد وأولى الحلّ في المعارف والعقد إصلاح ما يرى فيه ممّا لا يقبله التمييز ويرتضيه من تقصير في العبارة أو تطويل في مكان الإشارة أو خلل وقع في الترتيب أو زلل أخلّ به مقتضى التهذيب ملتمسًا منه أن يسبل عليه ستر المسامحة عالمًا أنّ الاعتداد إنّما هو بالنيّة الصالحة متيقنًّا أن التأريخ معرض للتصديق والتكذيب وأنّ واضعه سائق نفسه إلى التعنيف والتثريب والله تع أسأل غفرًا وآمل سترًا وأرغب أن يشرح لي صدرًا ويبدل عسري يسرًا وأصدر القول بالأهمّ من تكميل غرضي في هذا الكتاب وهو أربعة مقاصد.
المقصد الأوّل في
ذكر الشام واشتقاق اسمه
حكى أبو الحسين أحمد بن فارس في كتاب اشتقاق أسماء البلاد قال: الشام فعل من اليد الشؤمي وهي اليسرى. يقال أخذ شأمةً أي على يساره وشأمت القوم ذهبت على شمالهم. وقال قوم: هو من مشؤوم الإبل وهي سودها وحضارها هي البيض. قال أبو ذؤيب:
فما تُشْتَرى إلاّ بِرِبْحٍ سِباؤُها ... بَناتُ المَخاضِ شُؤْمُها وَحِضارُها
وفي كتاب الله ﷿ في المعنى الأوّل) وَأَصْحابُ المَشْأَمَةِ (. قال الأعشى:
عَلى أَثَرِ الأَدِلَّةِ وَالبُعايا ... وَخَفْقِ الناعِجاتِ مِنَ الشآمِ
وقال أبو بكر محمّد " بن " القاسم الأنباريّ: في اشتقاق اسم الشأم وجهان أحدهما يجوز أن يكون مأخوذًا من اليد الشؤمى وهي اليسرى. قال الشاعر:
وَأَنْجى عَلى شُؤْمَى يَدَيْهِ فَرادَها ... بأَظْماءَ مَرْفوعِ الذُؤَابَةِ أَسْحَما
والثاني أن يكون فعلًا من الشؤم. وقال ابن المقفّع: سُمّيت الشام بسام بن نوح وسام اسمه بالسريانيّة شام وبالعبرانيّة شيم. وهشام بن محمّد المعروف بابن الكلبيّ ينكر هذا ويقول: إنّ سامًا لم ينزل هذه الأرض قطّ وإنّما سُمّيت الشام بشامات بها حمر وسود وبيض. وقال غيره: سُمّيت الشام لأنّها عن شمال الكعبة كما أنّ اليمن عن يمينه. وقال أيضًا هشام بن الكلبيّ: لمّا تفرّق الناس من أرض بابل بوقوع صرح النرود أخذ بعضهم يمنةً فسُميّت الأرض الّتي نزلوا بها يمنًا لأنّها عن يمين البيت وأخذ آخرون شأمةً فسُميّت الأرض الّتي نزلوا بها شأمًا لأنّها عن شأمة البيت أي شماله.
المقصد الثاني في
ذكر أوّل من نزل به
1 / 2