موارد الكتاب
البحث عن موارد المؤلف في كتابه جزء مهم من عمل المحقق، لا لأن الثقة بالمؤلف غير قائمة، بل لأن الوصول إلى موارده يعين على تصحيح النصوص المنقولة منها، لا سيما في غياب الأصول الموثقة من الكتاب؛ وقد يتيسر بذلك تصحيح بعض الأوهام التي تقع في النقل، وقد يتبين أن الوهم ليس من المؤلف، وإنما هو تابع فيه لمصدره. ولهذا البحث فوائد أخرى في تاريخ العلوم وتراجم العلماء وغير ذلك.
ليس من السهل أن نهتدي إلى جميع الكتب التي استفاد منها ابن القيم أو نقل منها في هذا الكتاب أو غيره، لأنه لا يسمّيها دائما. وقد يذكر عنوان الكتاب دون اسم المؤلف ويكون عنوانا مشتركا. وقد يسمي المؤلف، ولكن كتبه لم تصل إلينا، فلا سبيل إلى معرفة كتابه الذي نقل منه. وقد لا يذكر عنوان الكتاب، فيقول: «في بعض التواريخ القديمة» (١/ ١٩٣). وإذا ذكر عنوان الكتاب لم يلزم أن تكون استفادته منه مباشرة من غير واسطة. ثم إذا لم يكن الكتاب المذكور بين يديك لكونه مفقودًا أو غير مطبوع فقد يصعب القطع بحجم الاستفادة والنقل، لأن الإشارة كثيرًا ما تأتي في وسط النص المنقول، فلاتدري أين مبدؤه وأين منتهاه؟ هذه الطرائق في النقل والإحالة ليست غريبة، بل هي مألوفة في مصنفات كثير من علمائنا، ولكنها تجعل الوقوف على مصادرهم وتحديدها مهمة شاقّة ومحفوفة بالشك والتخمين. فالكتاب الذي يعدّ من موارد ابن القيم قد لا يكون منها، وإنما نقل منه بواسطة؛ ومن المؤكد كذلك جهلُنا بكثير من موارده، لأنه لم يشر إليها، ولم نتمكن من معرفتها.
المقدمة / 61