Luminarias del pensamiento islámico en la era moderna
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Géneros
إنه بناء على استعفاء حضرة الأستاذ الشيخ محمد الإنبابي من وظيفة مشيخة الجامع الأزهر، ووثوقنا بفضائل وعالمية حضرة الأستاذ الشيخ محمد العباسي المهدي، قد اقتضت إرادتنا توجيه هذه الوظيفة لعهدته كما كانت قبلا، علاوة على وظيفة إفتاء السادة الحنفية المتحلي بها من السابق، وصدر أمرنا للمومى إليه بذلك في تاريخه، ولزم إصدار هذا لدولتكم إشعارا بما ذكر» في 2 أكتوبر سنة 1882م الموافق 18 ذي القعدة سنة 1299ه.
وكان بعض علماء الأزهر سعوا لتنصيب الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري، وكتبوا كتابة بذلك، وأخذوا يوقعون عليها ويطوفون بها على العلماء، ففاجأهم الأمر بإعادة المترجم، وذهب سعيهم وتعبهم أدراج الرياح.
ثم استمر المترجم جامعا للمنصبين قائما بشئونهما أتم قيام، حتى كانت سنة 1304ه وفيها بلغ الخديو أن جماعة من الأعيان والتجار مثل محمد باشا السيوفي وأخيه أحمد باشا يجتمعون للسمر بدار المترجم في أغلب الليالي فيتكلمون في الأمور السياسية، ويظهرون أسفهم من وجود الإنجليز بمصر وموافقة الحكومة لهم فيما يحاولون، وغير ذلك من هذه الشئون، فحنق الخديو وأرسل من يحضرون إليه محمد باشا السيوفي فلم يجدوه بل وجدوا أخاه أحمد باشا، ومضى هذا معهم إلى القصر، فوبخه الخديو توبيخا شديدا، وقال له: «يخيل لي أنكم تريدون إعادة الثورة العرابية»، فتبرأ من ذلك، وحلف أن اجتماعهم لم يكن إلا بقصد السمر والائتناس.
ثم قابل الخديو المترجم في إحدى المقابلات الاعتيادية فلم يهش له كعادته، بل قال له وقت الانصراف: «يا حضرة الأستاذ، الأجدر بالإنسان أن يشتغل بأمور نفسه ولا يتدخل فيما لا يعنيه ويجمع الجمعيات بداره»، فما كان جواب المترجم إلا أن قال له: «إنني ضعفت عن حمل أثقال الأزهر وأرجو أن تعفوني منه»، ولم يكن الخديو يتوقع منه هذا الرد، فغضب وقال مستفهما: «ومن الإفتاء أيضا؟»
فقال له: «نعم ومن الإفتاء أيضا» ... ثم انصرف.
ولم يكن المترجم ممن يغرب عنهم أن مثل هذا السبب لا يدعو إلى الاستقالة خصوصا أن الخديو صرفه بالحسنى مع من اتهم معه، ولكن كان هناك سبب أقوى أغضب رئيس النظار نوبار باشا الأرمني؛ وذلك لحادثة رفعت عنها دعوى أمام المحاكم الأهلية، واقتضى الأمر طلب كشف وجه إحدى المخدرات للتحقق منها، فامتنعت عن الإسفار محتجة بعدم جوازه في الشريعة، واستفتي المترجم فأفتى بعدم الجواز، فشكاه رئيس النظار إلى الخديو ووصفه له بأنه أصبح عقبة أمام القضاة معارضا لأحكام القضاء، ثم طلب عزله فيما يقال أو يقيله الخديو من الوزارة.
فلما قال الخديو للمترجم ما قال، تيقن أن المراد عزله فاستقال، وأمر الخديو يوم الثلاثاء 3 ربيع الثاني من السنة المذكورة بإعادة الشيخ محمد الإنبابي للأزهر، وإقامة الشيخ محمد البناء للإفتاء، وبقي المترجم بداره التي على الخليج، واشتغل بإصلاح قسم منها تشعث، فأعاده إلى رونقه الأول، وصبغ حيطانه بالأصباغ، وهو القسم المطل على الخليج، وصار يمضي وقته بالنظر في شئونه الخاصة والاشتغال بالعلم، إلى أن أعيد إلى الإفتاء.
وأصيب في أواخر أيامه بفالج وهو يتوضأ لصلاة الجمعة أبطل حركته، ثم تعافى قليلا وصار يخرج في عجلته
2
للتنزه وعليه عباءة من الصوف، وأشير عليه بالإقامة بحلوان لجفافها فانتقل إليها، وأقام بها برهة لم يستفد فيها شيئا، فعاد لداره بالقاهرة، ووافته منيته في الساعة الخامسة من ليلة الأربعاء 13 رجب سنة 1315ه عن اثنتين وسبعين سنة، بعد أن لازمه المرض نحو أربع سنوات، فأذن له على المآذن، وحزن الناس لموته حزنا شديدا، وتكاثرت الجموع على داره لتشييع جنازته، فقيل إن عدد المشيعين بلغ نحو أربعين ألفا، والمصلين عليه خمسة آلاف.
Página desconocida