Luminarias del pensamiento islámico en la era moderna
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Géneros
ولقد كانت له وهو رئيس لتحرير الجريدة الرسمية يد عاملة في حركة الأفكار، ولم يكن ممن يدعون إلى الإصلاح من طريق الثورة عندما هبت أعاصير الثورة العرابية، ولما أن رآها قائمة لنصرة أغراض هي مبادئه ومبادئ أستاذه اتصل بها، وألقى في نارها حطبا، وقد حوكم مع زعمائها، وحكم عليه بالنفي ثلاث سنين وثلاثة أشهر، فسافر رحمه الله إلى سورية في حدود سنة 1299ه/1883م وأقام فيها سنة، وسافر إلى أوروبا على موعد بينه وبين أستاذه وصديقه السيد جمال الدين، فأقام فيها عشرة أشهر معظمها في باريس، وهناك أصدرا معا جريدة «العروة الوثقى» التي كان السيد الأفغاني مدير سياستها والشيخ محمد عبده محررها الأول.
وكانا ألفا جمعية من مسلمي الهند ومصر والمغرب وسورية، غرضها السعي في جمع كلمة المسلمين، وإيقاظهم من رقادهم، وإعلامهم بالأخطاء المحدقة بهم وإرشادهم إلى طريق مقاومتها، إلا أنه في آخر سنة 1301ه/1884م احتجبت الجريدة بعد ثمانية أشهر لقيت فيها كل مصادرة في الهند ومصر، وأخفق حلم السيد جمال الدين الأفغاني بإنشاء دولة إسلامية تنهض بالشرق نهوضا يزاحم الغرب بالمناكب ويحد من عدوانه.
ثم سافر الأستاذ إلى تونس فأقام فيها أياما، وسافر إلى بلاد أخرى متنكرا لتوثيق عقود العروة الوثقى السرية، وألقى عصا السير بعد ذلك إلى بيروت، فأقبل عليه أهل العلم والفضل من جميع الملل والطوائف، وكانت داره مدرسة يؤمها الأذكياء وعشاق المعارف والآداب، وقد وصلته روابط ود بمحيي الدين بك حمادة فتزوج بنت أخي هذا الصديق بعد وفاة زوجته الأولى.
وفي أوائل سنة 1303ه/1885م دعي للتدريس في المدرسة السلطانية لإحياء اللغة والدين فيها، وكان يشتغل مع التدريس بالتأليف والكتابة، وقد ألف «رسالة التوحيد» هناك، ونقل إلى العربية رسالة «الرد على الدهريين» التي كتبها السيد جمال الدين باللغة الفارسية، وشرح كتاب «نهج البلاغة» و«مقامات بديع الزمان الهمذاني».
وعاد الأستاذ في سنة 1306ه/1888م من منفاه، ولكن الخديو توفيق خشي أن يربي له تلاميذ على أفكاره ومنازعه، فلم يرض بتعيينه معلما كما كان يشتهي، بل عينه قاضيا بمحكمة بنها الأهلية، ومنها انتقل إلى محكمة الزقازيق فمحكمة عابدين.
وفي سنة 1308ه/1890م عين مستشارا بمحكمة الاستئناف الأهلية، وفي سنة 1312ه/1894م جعلته الحكومة المصرية عضوا في مجلس إدارة الأزهر، وهو أول مجلس أسس بسعيه ليكون رسول الإصلاح.
ولست بقين من المحرم سنة 1317ه/3 يونيه 1899م عين مفتيا للديار المصرية، وفي هذه السنة عينها جعلته الحكومة عضوا في مجلس شورى القوانين.
كان عند الأستاذ ميل إلى تعلم لغة أجنبية، فلم تدع له الحوادث متسعا، لكن تعلم لغة أجنبية كان أمنية من أمانيه لم تزل تعالجها همته الكبيرة حتى بلغتها، تعلم اللغة الفرنسية بعد أن عاد إلى مصر واشتغل بالقضاء ، وهو ابن أربع وأربعين سنة، وأحكمها قراءة وكتابة وحديثا، كما ذكره أكثر من ترجموا له، وكان رحمه الله يقول: «من لم يعرف لغة من لغات العلم الأوروبية فلا يعد عالما في هذا العصر.»
وقد سافر إلى أوروبا عدة مرات، واستفاد من سياحاته ومن مطالعاته لكتب الغربيين في الفنون المختلفة، وظهر أثر ذلك في أفكاره وكتاباته ودعواته الإصلاحية.
أقام الأستاذ في القضاء الأهلي حوالي عشر سنين، ظهرت فيها كمالاته الأخلاقية والعلمية، وانصرف في أثنائها إلى درس اللغة الفرنسية والمطالعة والقيام بأعباء منصبه، وتلك كانت مدة تجمع لوثبة الإصلاح التي بدأت يوم دخوله مجلس إدارة الأزهر فتعيينه مفتيا للديار المصرية.
Página desconocida