قال: حسنا! فاذهب بعد غد، أجاب: بعد غد يكون يوم أحد، وأرى الأفضل أن أذهب في هذا المساء فأبيت في روانيير مزرعة سيدي البارون.
قال: أتبيت خارج المنزل؟ ... كلا ... كلا، لا أريد ... وقد أخذ يرتجف من الرعب أمام خادمه بعد أن كان يكلمه بلهجة الآمر المتكبر، فعاد ميشيل قحته وقال له: أما آن لك أن تتعود المبيت وحدك في غرفتك؟ أفلا تستطيع الرقاد إلا إذا كنت معك؟
قال: اسكت ... اسكت ، هذا الذي أريده. - ومع ذلك فإنك تعلم أن صورة الكونت دي نيفيل التي تمثل صورة ولده السيئ البخت ليست موجودة في غرفتك فقد أحرقتها بيدك.
قال: اسكت ... اسكت!
أجاب: كما تريد يا سيدي، ثم تركه وانصرف، فجلس البارون وراء نافذة تشرف على النهر، واسترسل إلى التفكير العميق، وكان كثير الحزن والهم، فلبث على ذلك إلى المساء، فدخل عليه ميشيل يخبره بإعداد العشاء، ورآه حزين النفس، فقال له: أرى أنك يا سيدي البارون تتمنى لو فعلت فعل «يوشع بن نون»، فأوقفت الشمس في فلكها، فإنك لا ينتابك الخوف إلا بعد غيابها، ولا تزال تتوهم أنك ترى صورة الكونت مع أنك أحرقتها. - لقد قلت لك إني رأيتها. - ذلك خيال مثله لك الوهم. - قلت لك اسكت، فقد رأيتها بعيني أمس. - أرجو ألا تبدو لك هذه الليلة، فتنام مستريحا، والآن تفضل إلى المائدة فقد أعد لك العشاء، فمشى البارون وهو يضطرب، وسار ميشيل في إثره وهو يقول في نفسه: لا بد لي من نيل المائة ألف فرنك.
الفصل الثامن عشر
والآن فلنقل كلمة عن هذه الصورة التي يخافها البارون هذا الخوف الشديد، فإنه بعد أن نقلت الكونتيس إلى مستشفى المجانين استولى البارون على منزلها، وكانت فيه صورة زوجها الكونت في شبابه وهو يشبه «السيئ البخت» أتم الشبه، فأبقى الصورة في إطارها والإطار في الجدار، وفي تلك الليلة حلم حلما عجيبا؛ إذ مثل له أن الكونت خرج من ذلك الإطار وسرت فيه الحياة، فدنا منه وقال له: أيها البارون إنك لص سارق!
وقد صاح لهذا الحلم صيحة منكرة، فأسرع إليه خادمه ميشيل، ونظر البارون إلى الجدار فوجد الصور لا تزال في موضعها، وقال كلمات متقطعة لاضطرابه سمعها الخادم، فقال في نفسه: لا شك أن مولاي البارون قد ارتكب جريمة، ولا بد لي أن أعرفها.
وفي الليلة التالية رأى البارون نفس الحلم، ولكن الكونت تمثل له بشكل المتوعد، فصحا من رقاده منذعرا، فلبس ملابسه وعاد من فوره إلى باريس.
وقد مضت ثمانية أيام دون أن يعاوده هذا الحلم، فنسي الصورة واطمأن، ولكنه في الليلة التاسعة رأي الحلم نفسه، فذعر ذعرا شديدا ونادى خادمه، وقال له إنه رأى الصورة.
Página desconocida