قالوا: وأية فائدة لك من ذلك؟
أجاب: هذا أمر لا أستطيع أن أبوح به، ثم انقطع عن الحديث.
وفيما هم على ذلك سمعوا دويا هائلا لا يقاس به دوي الرعود القاصفة، فتكسر زجاج النوافذ، واهتز المنزل اهتزازا عنيفا، وتشوه وجه البحيرة بالزبد، وأخذت أجراس الكنائس تدق، فجزعوا جزعا شديدا، ما خلا فيلكس فإنه ابتسم ابتسام المطمئن، وقال: لقد وفى صاحب الكلب الأسود بما وعد.
أما هذا الدوي فقد كان سببه أن قطعة عظيمة من الثلج انهارت من قمة الجبل، فكسرت ما كان في طريقها من أشجار الغابة، وهبطت على المنازل فدمرتها.
الفصل الثامن والعشرون
في تلك الليلة قبل انهيار جبل الثلج بقليل، كان رجلان يتحدثان في ذلك المنزل الذي يقيم فيه الرجل المريض، والذي كان يظهر صاحب الكلب الأسود فوق سطحه.
أما هذان الرجلان فقد كانا ميشيل خادم البارون دي نيفيل وبول سالبري، وأما الرجل المريض فقد كان البارون دي نيفيل نفسه، ذلك الرجل صاحب العين الشريرة الذي ألقى الرعب في قلوب المقيمين في فندق الملوك الثلاثة، ولم يكن مرضه إلا من تقريع ضميره؛ لذلك الجرم الذي ارتكبه ولشدة خوفه من الموت.
فكان ملازما الفراش منذ شهرين، وقد خلا طبيبه الذي كان يعوده كل يوم بخادمه ميشيل في ذلك الصباح، وقال له: إذا كان لسيدك أهل في فرنسا، فيجب أن تكتب إليهم؛ كي يحضروا إليه، فإنه لا يتم هذا الشهر.
وبعد ذهاب الطبيب أصيب البارون بذهول شديد، ذهب بصوابه وأعقبه هذيان، فكانت تتراءى له أشباح مختلفة، ويردد ذكر اليوم الأخير، وعقاب الله الرهيب.
وقد كان ميشيل وبول سالبري يتحدثان في غرفة مجاورة لغرفة المريض، فقال بول: هل أنت واثق مما تقوله لي؟ - كل الثقة. - ألم يكتب البارون وصيته؟ - كلا، ولمن يوصي بثروته وهو لا أهل له؟ - يوصي بها لي ولك. - هذا الذي أرتئيه، ولكنه لم يكتب وصيته بعد. - ولكنك تعلم مع ذلك ما قاله لنا الطبيب. - دون شك. - إذن إن الوقت غير متسع. - بل لدينا نحو شهر. - إن الإسراع محمود في هذا الموقف. - هو ذاك، ولكننا سنظفر بالمال على أي حال، فإني أعرف أين وضع محفظته، وكل ما فيها أوراق مالية تبلغ قيمتها نحو نصف مليون فرنك. - والعقارات لمن تكون؟ - ستكون لك، إنما لا أحب أن ألح عليه بكتابة وصيته. - لماذا؟ - ألم تعلم أنه يوجد في هذه القرية قوم من الباريسيين؟ - نعم. - أتعلم من هم؟ - كلا. - إذن، فاعلم أن واحدا منهم يدعى فيلكس، وهو صاحبنا الملقب «بأبي النحوس»، فذعر بول وقال: ابن البارون؟ أهذا ممكن؟ - هذه هي الحقيقة. - لقد كانت تمر ساعات بالبارون يشتد عنده تقريع الضمير، فيظهر ميله إلى إرجاع الثروة إلى ابن أخيه. - كلا، فإن هذا لن يكون! - وقد اتفق لي أني رأيت فيلكس وأصحابه يمرون بالقرب من هنا. - إنك ترعبني بهذه الأقوال. - ولكن فصل الشتاء قد هجم، وسيعودون إلى باريس. - لا يهدأ لي بال إلا بعد سفرهم.
Página desconocida