أما الحضور فإنهم بعد أن رعبوا من صاحب الكلب الأسود، جعلوا يحدقون في الكلب، وينظرون إلى صاحبه نظرات المستطلع الفاحص، فقال لهم وهو يبتسم: أحق أن هذا البارون بلغ بعينيه الشريرة هذا الحد؟
فأجابه أحد الفرنساويين قائلا: هذا الذي يروونه عنه، أما أنا فلا أصدق شيئا مما يقولونه عن تأثير العين.
قال: ولكنك مخطئ، ثم حدجه ببصره، فارتعش الفرنساوي، وحبس لسانه عن الكلام.
وكان أحد الإنكليز حاضرا، فخطر له أن يقاوم نظرات صاحب الكلب الأسود، وبعد هنيهة صاح قائلا: لعل عينك شريرة أيضا؟
فأجابه بملء السكينة قائلا: نعم! وعند ذلك ابتعد عنه الذين كانوا يجاورونه على المائدة مسرعين، فقال لهم وهو يبتسم: لقد أخطأتم بخوفكم مني، فإن نظراتي لا تصيب الناس بالسوء إلا حين أريد أن أسيء إليهم، فاطمئنوا ولا تخافوا، فإني حسن النية، ولا أريد أن أسيء إليكم في شيء.
فاطمأن الحاضرون بعض الاطمئنان، وعاد إلى الحديث فقال: إن لي نظرات ممغنطة ولها قوة خفية عجيبة أبلغ بها ما أشاء، وأنوم من أشاء، فإذا كان هذا البارون يسيء إليكم بوجوده بينكم فإني أنقذكم منه.
قالوا: ولكن كيف؟
أجاب: بنظرة.
وقد عاد إلى الفرنساوي زهوه وذكاؤه بعد اطمئنانه، فقال له وهو يضحك: إنك تنقذنا منه، وبعد ذلك؟!
فضحك صاحب الكلب الأسود أيضا، وقال: تريد أن تقول ومن ينقذكم مني بعد ذلك؟! أجاب: هو ذاك. - أنا أنقذكم من نفسي، فإني مسافر بعد غد صباحا . - ومن الآن إلى هذا العهد؟ - أخلصكم من صاحبكم، فأين يمكن أن أراه. - في الردهة عند المساء. - حسنا! فاعتمدوا علي. ولم يفه بعد ذلك بكلمة، وأتم طعامه بملء الشهوة، ثم خرج من القاعة يتبعه كلبه.
Página desconocida