فصاحب العقد الفريد - ابن عبد ربه - من أعلم الرواة بأخبار الشعراء، ولكنه يروي عن أبي نواس بعض الأخبار التي نقلناها فيما تقدم عن الأميين وأشباه الأميين، ويضيف إليه أخبارا مشهورة عن ذي الرمة وصاحبته مية، وتغني بها تلك الأخبار التي تدور حول البيتين المنسوبين إليه وهما:
على وجه مي مسحة من ملاحة
وتحت الثياب العز لو كان باديا
ألم تر أن الماء يخبث طعمه
ولو كان لون الماء في العين صافيا
وقد سئل ذو الرمة عنهما فأنكرهما وقال: وكيف أقول هذا وقد قطعت دهري وأفنيت شبابي أشبب بها!
فيأتي صاحب العقد الفريد، ولا يبالي كذب الرواية من أصلها، ويحتفظ بها ليسندها إلى أبي نواس بلسان أبي بكر الوراق، وهذا مقام من المقامات الفنية التي يؤلفها خاصة الأدباء تأليفا؛ ليذكروا فيها ملحة أو طرفة عن ذلك الشاعر المجدود.
روي عن أبي بكر الوراق عن الحسن بن هانئ أنه قال: «حججت مع الفضل بين الربيع حتى إذا كنا ببلاد فزارة، وذلك إبان الربيع، نزلنا منزلا بإزاء ماء لبني تميم ذا روض أريض ونبت غريض، تخضع لبهجته الزرابي المبثوثة والنمارق المصفوفة، فقرت بنضرتها العيون وارتاحت إلى حسنها القلوب، وانفجرت لبهائها الصدور، فلم نلبث أن أقبلت السماء فانشق غمامها، وتدانى من الأرض ركامها، حتى إذا كانت كما قال أوس بن حجر حيث يقول:
دان مسف فوق الأرض هيدبه
يكاد يدفعه من قام بالراح
Página desconocida