والزط هم البوهيميون بعينهم، والكلمة مصحفة من كلمة أوروبية قديمة أطلقت عليهم؛ لأن الأوروبين حسبوهم قادمين من الديار المصرية، فسموهم تارة «جيتو» وتارة «جبسي»
Gipsy
من كلمة جبسيانو أو إجبسيانو التي يطلقونها على المصريين، إلى أن قامت طائفة منهم في أواسط أوروبا، فغلب عليهم اسم البلد الذي أقاموا فيه، واشتهروا من ثم بالبوهيميين.
والبوهيمية بعاداتها وأساليبها معروفة لم تتغير منذ تسربت إلى بلاد الحضارة، وأولها التشرد وقلة المبالاة بالعرف الاجتماعي، وطلب الكسب اختطافا أو اختلاسا، أو متاجرة باللذات والشهوات حيثما اتفقت، وهذه على الأقل هي البوهيمية كما اصطلح عليها العرف الشائع بين أبناء الحضارة وصفا لما عهدوه من عادات «الزط» المترحلين.
وكان هؤلاء الزط ينزلون حيث نزلوا إلى جوار الحواضر، ومعهم فتياتهم يردون لهم البيوت والديار، وقد يكشفن لهم ثغرات المدن للإغارة عليها كلما أمكنتهم الفرصة أو العوز.
قال ابن خلدون: «هم قوم من أخلاط الناس غلبوا على طريق البصرة وعاشوا فيها».
وتفاقم خطبهم أيام الخليفة المعتصم فاجترءوا على مهاجمة المدن، ونهب بيادرها وحمل أرزاقها، ولم يأمن شرهم حتى جرد لهم قائده عجيفا، وحصرهم بقطع الأنهار وسد مسالك الطرق، ثم أسر منهم أكثر من عشرة آلاف مقاتل نقلهم إلى عين زربة، فأخذهم الروم بنسائهم وذراريهم في غارة من غاراتهم على تخوم آسيا الصغرى.
أما في جيل أبي نواس فلم يكن قد وفد منهم على جيرة البصرة غير طلائع متفرقة، يقطع بعضهم الطريق في البادية، وينزل بعضهم إلى جوار الأرباض المتطرفة، ويجرون على عاداتهم التي تلخصها كما أسلفنا كلمتان: التشرد والتحلل من عرف المجتمع وآداب الحضارة.
وكانت الثقة التي اشتهرت باسم «الشطار» بعض طلائع هؤلاء الأخلاط، وهم المثل المقتدى به عند أبي نواس كما جاء في مجونه وخمرياته، ومنها فيمن يقول: إنها لامته على صحبتهم جاهلا شرورهم:
وملحة باللوم تحسب أنني
Página desconocida