ولازمة الارتداد
Regression .
لازمة التلبيس والتشخيص
فلازمة التلبيس والتشخيص لا غنى عنها في هذا الضرب من الشذوذ الجنسي، وهو عشق الإنسان لذاته من الناحية الشهوانية، فالشاذ في حب جنسه أو حب الجنس الآخر يجد طلبته ويقضي مأربه، أما الذي يشتهي بدنه فليس في وسعه أن يقضي مأربه منه بغير الاحتيال لذلك بالتلبيس والتشخيص، فهو يلبس شخصيته شخصا آخر يتوهم أنه هو ذاته أو يحل محل ذاته، كما يفعل جالد عميرة حين يضع أمامه صورة، أو يتخيل في ذهنه عشيقة يتوهم أنه يواقعها، يحدث للمصاب بالاشتهاء الذاتي أن يختار شخصا آخر يحله محل نفسه في أوصافه البدنية أو الخيالية، ويتعلق به وهو في الواقع متعلق بذاته.
ولازمة العرض تشمل الإظهار بجميع درجاته، فإذا أمعن في الجسدية والشواغل الحسية شوهد المصاب به، وهو يكشف عورته، ويعرض أعضاءه ويتعرى من ثيابه أو يلبس الثياب التي تشبه العري، ولا تستر ما وراءها.
ولكن الأكثر الأعم في لازمة العرض أنها لا تمعن هذا الإمعان إلا في حالة الجنون، وما يقاربه، وإنها تتحول إلى إظهار ولفت الأنظار على أساليب لا تحصى، وقد ينتهي بها التناقض أحيانا إلى إعلان التقوى والظهور بين الناس بآثار التعذيب والتمريغ، وسمات العبادة، وإذلال النفس بتشويه الجسد وتلويثه.
ومن لم ينته التناقض به هذا المنتهى يشاهد عارضا نفسه بالأزياء الغريبة والألوان الصارخة، ماضيا في كل عمل من أعماله العامة على سنة الاشتهار بالمخالفة، على القول الشائع: «خالف تعرف».
أما الارتداد فهو يعتري الشواذ على أطوار منوعة، وإنما يعتري النرجسيين من تلبيس ذواتهم بغيرهم، أو خلع ذواتهم على شخص آخر يلتمسون المشابهة بينهم وبينه، ولكنهم لا يظفرون في كل حين بشخص تام الشبه بهم في كل صفة وصبغة، فإذا اتفق لأحدهم أنه رأى شخصا يشبهه في الملامح والقوام ويخالفه في القوة، فالذي يحدث في هذه الحالة أنه ينتحل صفة القوة لنفسه كأنه ارتدها إليه من الشخص الذي تلبس بملامح ذاته، وتتفاوت درجات الارتداد بتفاوت المصاب في درجات المرض، فمن المصابين من ينتحل صفة ليست له ولكنها قابلة للادعاء، كالقوة والمهارة والمهابة، ومنهم من ينتحل صفة ليست له ولكنها لا تقبل الادعاء، كالطول واللون الأبيض أو الأحمر، فيكون قصيرا ويروض نفسه على اعتقاد الطول، أو أسمر ويروض نفسه على ادعاء البياض والشقرة، بل قد يدعي الوصفين المتناقضين إذا تناول بالتلبيس والتشخيص مثالين مختلفين، وهذه الحالة عرضة للأعاجيب في أوهامها وأخيلتها، فقد تفضي بصاحبها إلى مجاراة الطبيعة والشذوذ في وقت واحد، فيخلع ذاته على امرأة مشتهاة، فهو من هنا طبيعي في حبه للجنس الآخر، ثم يتشبه بالنساء؛ لأنه أعاد إليه بالارتداد خصلة من خصال تلك المرأة لا توجد في الرجال، فهو من هنا شاذ عن السواء يحس إحساس المرأة نحو الرجل الذي تعشقه وتتصباه. •••
هذه اللوازم على أبي نواس في خلائقه الأولية وخلائقه التبعية، وتفسر جميع أحواله حيث لا يفسرها ضرب آخر من ضروب الشذوذ في المسائل الجنسية.
فالشذوذ الذي يميل بصاحبه إلى عشق أبناء جنسه، والعزوف عن الجنس الآخر آفة لا تنطبق على أبي نواس؛ لأنه يغازل الجواري كما يغازل الغلمان، وكلامه كثير في استحسان الفتاة؛ لأنها كالغلام واستحسان الغلام؛ لأنه كالفتاة:
Página desconocida