فنهضت ريحانة وتبعتها جلنار حتى أقبلتا على الباب، فإذا هناك صالح (أي الضحاك) وفي وجهه أثر البغتة، فقالت ريحانة: «ما وراءك؟»
قال: «أدخلاني إلى مكان لا يسمعني فيه أحد سواكما.»
فدخلتا به إلى غرفة وأقفلتا الباب، فجلس وجلنار في قلق، وقلبها يخفق خفقانا شديدا حتى بدأ صالح بالكلام فقال لها: «هل سمعت بما حدث اليوم في مجلس أبي مسلم؟»
قالت: «كلا.»
فقص عليها ما دار بين أبي مسلم ووالدها كأنه كان حاضرا، حتى بلغ إلى أمر أبي مسلم بقتل والدها، فاقشعر بدنها وامتقع لونها، ثم أخبرها بتوسط خالد بالعفو عنه، وأنهم أجلوا قتله وحبسوه. فلما سمعت ذلك استغربته وظنت نفسها في حلم وقالت: «حكم على والدي بالقتل. ولماذا؟»
قال: «لأنه زوجك إلى ابن الكرماني ورغب في مصاهرته وهو عربي. وكان مولاي الدهقان يتظاهر بتأييده لحزبه الفارسي، وأبو مسلم يقتل على الشك كما لا يخفى عليك.»
فأطرقت ثم التفتت إلى ريحانة كأنها تستطلع رأيها، فرأتها أشد حيرة منها، فنظرت إلى صالح وقالت: «هذا وقت المروءة وصدق الخدمة.» وترقرق الدمع في عينيها.
فوقف صالح وقال: «إني رهن أمرك يا مولاتي، والذي أراه.» وسكت، فازدادت جلنار قلقا لتردده فقالت: «قل ما الذي تراه؟»
قال: «لا أرى أحدا يقدر على التوسط في ذلك سواك.»
فجاء قوله موافقا لما في خاطرها؛ لأنها طالما تمنت مقابلة ذلك الحبيب، وقد جرى ما جرى بينه وبينها ولم يتخاطبا ولا تشاكيا مع اعتقادها أنه يحبها. وكانت عند سماعها بالحكم على والدها قد عزمت على الذهاب بنفسها لمخاطبته في شأنه؛ إذ لا بد من أن يتشعب الحديث إلى التشاكي، فيطمئن خاطرها، وتثق من حبه، فلما أشار صالح بذهابها انبسطت نفسها، وبان البشر على وجهها، ووقفت بغتة بدون إرادتها، فقال لها صالح: «أتذهبين الآن؟»
Página desconocida