قال: «نعم؛ لأنها حينما شاهدت هذا الخاتم هان عليها كل صعب في سبيل مرضاة صاحبه.»
فأظهر أبو مسلم الاستحسان والإعجاب، وأشار إلى الضحاك أن يجلس وقال: «إذا وفقت إلى ما تقول وفتحنا مرو، كان لك عندنا مقام رفيع ورتبة عالية.»
فأثنى الضحاك على ذلك التلطف ولم يجلس، وقال: «إن أسمى ما تتوق إليه نفسي من الرتب أن أكون حائزا على رضا مولاي. وإذا أذنت لي بالانصراف الآن ذهبت لإتمام ما اتفقنا عليه.»
قال: «لا ينبغي أن تتعجل في الأمر على هذه الصورة لئلا يفسد علينا تدبيرنا، ولا أظن أن الدهقانة توفق إلى تنفيذ ذلك قبل جلسة أخرى تقنعها فيها بلباقة ومهارة. وهي الآن لا شك نائمة؛ فالأفضل أن تبيت الليلة عندي، فإذا طلع النهار ذهبت في هذه المهمة.»
فأظهر الطاعة وهو يفضل الذهاب لإتمام ما أبرمه مع شيبان، فوقف ولم يحر جوابا، وسكت أبو مسلم وأخذ يخطر في الغرفة ذهابا وإيابا، فعلم الضحاك أنه يفكر في أمر هام، فظل ساكتا لعل أبا مسلم يعدل عن استبقائه عنده. وبعد برهة وقف أبو مسلم بجانب الضحاك بغتة، وألقى يده على كتفه بلطف، فاستأنس الضحاك بهذا التحبب، وأصاخ بسمعه لما سيقوله أبو مسلم، فإذا هو يتفرس في عينيه تفرس المستطلع، ثم قال بعبارة رقيقة ناعمة: «هل أنت تشعر حقيقة بمنزلتك عندي وعظم ثقتي بك؟»
وكان الضحاك قد خشي ذلك التفرس لما يعتقده من سوء قصده، ولما يعلمه من صدق فراسة أبي مسلم - ويكاد المريب يقول خذوني - فلما سمع منه ذلك التلطف سري عنه وأجاب: «كيف لا أشعر بذلك وقد سلمتني خاتمك وعهدت إلي بأسرارك؟»
قال أبو مسلم: «لا يزال عندي سر آخر. هل أكاشفك به؟»
قال الضحاك: «لك الأمر فيما تريد. أما أنا فإني طوع إرادتك.»
قال أبو مسلم: «اجلس إذن وأصغ.» قال ذلك وأجلسه ويده على كتفه، فجلس الضحاك وهو يتطاول بعنقه ليسمع ذلك السر الجديد؛ لعله يساعده على بلوغ مأربه.
الفصل الأربعون
Página desconocida