كان ذلك في سنة 1894، وقد بدأت قطارات الترام تدرج في العاصمة، فنشر الطالب محمود خاطر كتيبا عنوانه «صيحة الترامواي، أو صوت الويل للحمير والخيل»، قال فيه عن لسان الترام يخاطب جماعة الحمير والخيل:
رأينا من سائقيكم قلوبا غلاظا لا توقفها رهبة، ولا تصدها عن خشونة طبعها رغبة، ولقد رأينا بأعيننا ما أدركه آباؤنا وحدث به تاريخنا، أن أعناقكم وظهوركم كانت ولا تزال مبتلاة بالقروح القتالة، مسلسلة بأغلال الذل والهوان، يمتطيكم رجل أو اثنان أو ثلاثة كأنهم الجبال الرواسي، يجهدونكم فوق الاستطاعة جريا وسباقا ... إلخ.
وكان لأستاذنا «شيخ العروبة» فضل التعارف بيني وبين الأستاذ خاطر بك سنة 1898، وأهدى إلى شيخنا يومذاك نسخة من كتابه «تاريخ المشرق» الذي ترجمه عن ماسبيرو.
وأقرأني في غلافه البيت الآتي لمحمود خاطر:
تاريخ أسلافنا في الشرق مشرقة
يا حبذا لو عملنا مثلما عملوا
قضى الأستاذ خاطر بك حياته العملية في خدمة الحكومة ووظائفها، مبتدئا بالأموال غير المقررة، تحت يد سعادة قليني فهمي باشا، ثم مجلس إسكندرية البلدي فوزارة المالية للمرة الثانية، فوزارة المعارف فوزارة الزراعة. وكان مديرا للتعاون فوضع الأنظمة الإدارية لجمعيات التعاون الحاضرة. ثم نقل إلى القسم التجاري. وأحيل إلى المعاش فاختاره بنك مصر مديرا لمطبعة مصر.
شغف الأستاذ خاطر بك منذ حداثته بالطباعة والكتابة والأدب، فانتدب مساعدا لسكرتير لجنة إصلاح وتحسين الحروف العربية في مطبعة بولاق، التي ألفت سنة 1904 برياسة المرحوم إبراهيم نجيب باشا وكيل وزارة الداخلية يومئذ، وعضوية شيلو بك مدير المطبعة الأميرية، والشيخ حمزة فتح الله، وأمين سامي بك (باشا) ناظر مدرسة المبتديان الناصرية ومدرسة المعلمين، وأحمد زكي بك شيخ العروبة السكرتير الثاني لمجلس النظار. وظل خاطر بك يعمل في هذه اللجنة إلى أن أتمت مهمتها، واستنبطت حروف الطباعة الحاضرة بمطبعة بولاق. وازداد خاطر بك شغفا بالحروف والطباعة.
وعني بقاموس «مختار الصحاح»، فهذبه بوضع مواده على أوائل الحروف مع إفراد مشتقاته التي يصعب على الطالب ردها إلى أصلها مثل «اتأد» ومثل «ايم الله»، وأشار إلى أصلها الذي تطلب فيه وهو «وأد» و«أيمن».
وكتاب «مختار الصحاح» هو الكتاب العربي الوحيد الذي ضرب الرقم القياسي في عدد ما طبع منه، فقد ظهرت منه الطبعة الحادية والعشرون، ومتوسط ما يطبع منه كل مرة حوالي عشرة آلاف نسخة. وكان ينافسه كتاب «الدروس النحوية» لحفني ناصف وطموم وعبد المتعال، ولكن هذا الكتاب كاد يموت، أما مختار الصحاح فلا يزال متداولا وطبعاته متوالية.
Página desconocida