Abu Hanifa y los Valores Humanos en su Doctrina
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
Géneros
وهي مسألة في نطاق قانون المرافعات حسب تقسيمات القانون الوضعي، وهي مسألة ذات شعبتين، وفي كل منهما اختلف أبو حنيفة وابن أبي ليلى، وقد ذكرها أبو يوسف هكذا:
إذا أثبت القاضي في ديوانه الإقرار وشهادة الشهود ثم رفع إليه ذلك ولا يذكره، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا ينبغي له أن يجيزه. وكان ابن أبي ليلى يجيز ذلك. «ثم» قال أبو حنيفة: إن كان يذكره ولم يثبته عنده أجازه، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجيره حتى يثبته عنده وإن ذكره.
10
وهنا، ينبغي أن نلاحظ من أول الأمر: أن أبا حنيفة لم يل القضاء، وأن ابن أبي ليلى كان قاضيا، وكذلك كان أبو يوسف، بل كان قاضي القضاة، والقاضي تعرض عليه المشاكل العملية التي تتطلب حلولا قد يفطن لها الفقيه الذي يطبق الفقه عمليا، على حين لا يفطن لها الفقيه نظريا فقط.
وفي الحق، أنه من العسير عمليا أن يتذكر القاضي كل ما مر به من الخصومات والقضايا وما حصل من الإجراءات في كل منها. وما اتخذت السجلات في المحاكم إلا لإثبات ما يجري في القضايا، فيجب لذلك أن تكون بهذا الاعتبار أوراقا رسمية يعتمد عليها ويؤخذ بما يثبت فيها، وإلا لخلت هذه الأوراق الرسمية من الفائدة، وذهب الغرض الذي جعلت من أجله، وعجز القاضي عن البت في أكثر ما يعرض عليه ويطلب منه الحكم فيه؛ لإنهاء الخصومات قضائيا.
ومن ثم، كان نظر القاضيين (ابن أبي ليلى، وأبو يوسف) أدق وأنجح عمليا، ومن هنا نرى كيف يستفيد الفقه من القضاء إلى حد كبير، ومن ثم أيضا، كان رأي ابن أبي ليلى أدق في الناحية الثانية من المسألة، وهي أن القاضي لا يجيز الإقرار والشهادة ونحو ذلك، إلا إذا كان ثابتا عنده في أوراقه الرسمية، ولا يجيز شيئا من هذا إن كان يتذكره ولم يثبته؛ فالإنسان عرضة للنسيان، وذاكرته عرضة للخطأ، كما هو مشاهد وملموس.
وكأن شمس الدين السرخسي رأى الأمر بحاجة إلى تبرير رأي الإمام أبي حنيفة، مع ميله لرأي أبي يوسف الذي هو رأي محمد أيضا، فقال:
11
وهذا منهما (أي من الصاحبين) نوع رخصة؛ فالقاضي لكثرة اشتغاله يعجز أن يحفظ كل حادثة؛ ولهذا يكتب، وإنما يحصل المقصود بالكتاب إذا جاز له أن يعتمد على الكتاب عند النسيان، فإن الآدمي ليس في وسعه التحرز عن النسيان، ألا ترى إلى ما ذكر الله تعالى في حق من هو معصوم فقال:
سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله ! وفي تخصيصه بذلك بيان أن غيره ينسى، وسمي الإنسان إنسانا لأنه ينسى، قال الله تعالى:
Página desconocida