98

وبصير الأقوام مثلي أعمى

فهلموا في حندس نتصادم!

قال التلميذ: خرجنا من البنية المطمورة ومن المنجم المحفور ودخلنا المتاهة المغلقة يا مولاي. هذا تناقض والحق لا يتناقض. فماذا أقول للمؤتمرين من رأي الشيخ في حقيقة الحق بين هذه الأمور؟

فهتف به الشيخ ضاحكا وقد سرى عنه بعض السآمة: بل التناقض للحقائق يا بني لا للأباطيل. •••

إن الأباطيل تتغير وتتبدل فيسهل التوفيق بينها بقليل من النقص هنا وقليل من الزيادة هناك، أما الحقائق فهي التي تقف في سبيلنا وقفة الصخور. لا تحيد من يمين ولا من شمال، وعلينا نحن أن نسلك بينها ونتحول من حولها، فإن أردت أن أتحول بك في دروبها قليلا فاعلم إذن أننا نتبع العقل فيما هو للعقل من رأي وتفكير وتجربة ومشاهدة، وأننا نتبع الفطرة فيما هو للفطرة من ذوق وطمأنينة وتسليم، وأننا لا نطلب من الفطرة أن تصبح عقلا ولا من العقل أن يصبح فطرة، وإنما نستشير كليهما حيث يشير. •••

وبدا لأبي العلاء أن تلميذه المصغي إليه يستريح ويستقر على ما سمع، فأدركته عارضة من لعب العبقرية ولعب الطفولة الخالدة. وهل العبقرية الخالدة إلا حياة متجددة؟ وهل يلعب الطفل إلا لما يدركه من جدة الحياة وإقبالها؟ فكما يرى الطفل من ينامون إلى جانبه وهو يقظان فتأبى عليه شيطنة الحياة العارمة إلا أن يوقظهم معه ويعديهم بمساس من القلق الذي يشتمل عليه، كذلك العبقري لا يطيب له أن يأرق وحده والناس هادئون؛ فمن ثم إن شئت يقظات الأحلام والناس نيام، وشيطنة الخلود والفانون سادرون في موت الجمود، قل إن شئت إنها جدة تلطف جدها، وإنها حلاوة تخالط مرارتها، ولكنها - بعد كل ما يقال - لا تخلو من جانب اللعب فيها وجانب الرياضة، ولن يستحق الجد ما ليس فيه لعب ولا رياضة. •••

بدا ذلك لأبي العلاء فأومأ إلى تلميذه يسأله وقد كف هو عن سؤاله: أراك صدقت وآمنت. فما لك لا تسأل: ومن الذي يستشير العقل؟ ومن الذي يستشير الفطرة؟ أفي الإنسان شيء خارج العقل وخارج الفطرة فهو الذي يكون منه السؤال ثم يكون الجواب إما من العقل المسئول أو من الفطرة المسئولة؟ وما الرأي إذا كان السائل هو الفطرة والمجيب هو العقل؟

وما الرأي إذا وقع الخلاف على السؤال وعلى الجواب؟

وفوجئ التلميذ، ولكنها مفاجأة وقعت منه موقع السرور والتأهب، لأنه انتظر بعدها مزيدا من الاستفسار ومزيدا من التفسير. فقال: إذن أنت يا مولاي من الجبريين؟! ولا أدري كيف فاتني الساعة أن أذكر ذلك وأنت القائل:

والعقل زين ولكن فوقه قدر

Página desconocida