ومنهم من قال : العلم باستحالة اجتماع الضدين وإن كان ضروريا ؛ إلا أنه مستند إلى علم ضرورى ؛ فإن من نفي الأعراض لا ينكر طرو الألم واللذة عليه ، ولا يستريب في ذلك. وإنما هو مستريب في كون هذه الصفات مغايرة للذوات. والعلم باستحالة اجتماع هذه الأضداد لا يتوقف على كونها مغايرة للذوات. فإذا ما توقف عليه الضرورى ، ضرورى. وما ليس بضرورى ؛ فالضرورى غير متوقف عليه. (1)
والحق عندى في ذلك متوقف على تلخيص محل النزاع ؛ ليكون التوارد بالنفي (2) والإثبات على محز (3) واحد.
فنقول : العلم بالنسبة الواقعة بين مفردات القضية بعد تصور مفرداتها ؛ قد يقال له ضرورى. بمعنى أن العلم بها (4) غير مكتسب ولا مقدور ، وإن كان نظريا كما أسلفناه في القسم الثانى (5).
وقد يقال : العلم بالنسبة ضرورى ، بمعنى أنه لا يتوقف بعد العلم بالمفردات على النظر / والاستدلال.
فإن كان الأول : فالقضية نظرية (6). ولا منافاة بين كونها نظرية ، وبين كون العلم بها غير مقدور.
وعلى هذا فلا يمتنع استناد مثل هذا الضرورى الذي هو نظرى إلى العلم النظرى. وإن كان الثانى : فالقول باستناد مثل هذا الضرورى إلى العلم النظرى : إما بمعنى أنه يستند إلى علم نظرى خارج عن العلم بالمفردات ، أو نظرى متعلق بالمفردات.
فإن كان الأول : فهو تناقض ؛ إذ الكلام (7) فيما لا يفتقر بعد تصور مفرداته إلى النظر ، فإذا قيل بافتقاره إلى النظر ؛ فقد خرج (8) عن أن يكون ضروريا بهذا الاعتبار.
Página 92