A Vision of an Islamic Commonwealth
فكرة كمنويلث إسلامي
Editorial
دار الفكر المعاصر بيروت-لبنان / دار الفكر دمشق
Número de edición
إعادة الطبعة الثانية ١٤٣١هـ = ٢٠٠٠م
Año de publicación
ط١
Ubicación del editor
سورية
Géneros
مالك بن نبي
مشكلات الحضارة
فكرة كمنويلث إسلامي
دار الفكر المعاصر بيروت-لبنان
دار الفكر دمشق-سورية
1 / 1
مالك بن نبي
- مفكر إسلامي بارز
- ولد فى مدينة قسنطينة بالجزائر عام ١٣٢٣هـ / ١٩٠٥م.
- درس القضاء بالمعهد الإسلامي المختلط.
- انتقل إلى باريس فنال شهادة الهندسة الكهربائية من المعهد العالي للهندسة. وهناك أصدر عددٌ من كتبه المهمة.
- أعطته ثقافته المنهجية قدرة على إبراز مشكلات العالم المتخلف بوصفها قضية حضارية، فوضع كتبه كلها تحت عنوان (مشكلات الحضارة).
- لجأ إلى القاهرة عام ١٩٥٦ فأقام بها، وأصدر فيها بعضًا من كتبه، وكان غالب ما يكتب بالفرنسية.
- عاد إلى الجزائر بعد استقلالها، فعين مديرًا عامًا للتعليم العالي وأصدر فيها بقية كتبه.
- استقال من منصبه عام ١٩٦٧، ليتفرغ للعمل الفكري .. حتى توفي سنة ١٣٩٣ هـ/١٩٧٣ م.
1 / 2
مالك بن نبي
فكرة كمنويلت إسلامي
تَرْجَمَة الطَّيّب الشَّرِيفْ
دار الفكر المعاصر بيروت-لبنان
دار الفكر دمشق-سورية
1 / 3
إعادة الطبعة الثانية
١٤٣١هـ = ٢٠٠٠م
ط١: ١٩٦٠م
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
في عام ١٩٧١، ترك أستاذنا مالك بن نبي ﵀ في المحكمة الشرعية في طرابلس لبنان، وصية سجلت تحت رقم ٢٧٥/ ٦٧ في ١٦ ربيع الثاني ١٣٩١هـ الموفق لـ ١٠ حزيران ١٩٧١، وقد حملني فيها مسؤولية كتبه المعنوية والمادية.
وتحملًا مني لهذه الرسالة، ووفاءً لندوات سقتنا على ظمأ صافي الرؤية، رأيت تسمية ما يصدر تنفيذًا لوصية المؤلف (ندوة مالك بن نبي).
والتسمية هذه، دعوة إلى أصدقاء مالك بن نبي وقارئيه، ليواصلوا نهجًا في دراسة المشكلات، كان قد بدأه.
وهي مشروع نطرحه بوصفه لعلاقات فكرية، كان ﵀ يرغب في توثيقها.
وإنني لأرجو من أصدقاء مالك وقارئيه، مساعدتنا على حفظ حقوق المؤلف في كل ما ينشر بالعربية، أو الفرنسية مترجمًا من قبل المترجمين، أو غير مترجم. فقد حملني ﵀ مسؤولية حفظ هذه الحقوق، والإذن بنشر كتبه. فإن وجدت طبعات لم تذكر فيها إشارة إلى إذن صادر من قبلنا، فهذه طبعات غير مشروعة، ونرجو إبلاغنا عنها.
طرابلس لبنان
١٨ ربيع الأول ١٣٩٩
١٥ شباط (فبراير) ١٩٧٩
عمَر مسْقاوي
1 / 5
مقدمة
فكرة كمنويلث إسلامي
كان مفكرنا الأستاذ مالك بن نبي قد وضع الخطوط العامة لمشروع فكرته في نهاية الخمسينات. وقد أعطاني المشروع حينما كنت طالبًا في القاهرة لأطبعه على الآلة الكاتبة. وحينما راجع الطباعة صحح بخطه كلمة (الكمنويلث) ولم أكن أدري أن هذا الصنيع سيعطي بعد ثلاثين عامًا لهذه الوثيقة قيمة تاريخية، باعتبارها أثرًا من آثار هذا المفكر الكبير.
لذا وفي معرض إعادة طبع كتاب (فكرة كملنويلث إسلامي) أرى من الملائم أن ننشر الخطوط العريضة التي كان قد وضعها لمؤلفه، وأن أضيف إلى هذه الوثيقة وثيقة أخرى أعتز بها كثيرًا، هي كلمة الإهداء التي وجهها إلي إثر صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، والتي ننشرها بخط المرحوم مالك بن نبي. فعسى أن يكون مالك بن نبي قد أجيبت دعوته بما نقوم به من الإشراف على طبع مؤلفاته، وعسانا أن نكون قد بلغنا الأمانة ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.
وكتاب (فكرة كمنويلث إسلامي) يستمد مسوغاته من الخريطة السياسية والحضارية التي نشرت رقعتها على الكرة الأرضية حيث تركزت القوة في محور واشنطن- موسكو واستتبع ذلك وحدات جغرافية سياسية كمنطقة حلف الأطلنطي والمنطقة السوفياتية ومنطقة الصين الشعبية ومنطقة الوحدة الهندية.
وقد بدا العالم الإسلامي في إطار الجغرافيا السياسية في نهاية الخمسينات خارج الألوان التي تميز كل وحدة عن سواها على خريطة العالم. وقد لاحظ
1 / 7
بن نبي أن المسلم المنتمي إلى رقعته الجغرافية يستبطن هامشيته على خريطة العالم وهذا يدفعه إلى أحد احتمالين:
فإما أنه يقوم بثورة تستجيب للعوامل النفسية والاجتماعية الخاصة به.
وإما أنه يستجيب لثورة تأتيه من الخارج في غياب قيادة حكيمة ترسم له خطة سيره.
كانت هذه أفكارًا ورؤى، تشغل فكر مالك بن نبي ذلك الزمن، وهو يتطلع إلى سير التطورات الثورية والشعارات التي تنوش فكر النخبة والجيل الصاعد، فتوزعه بددًا إلى تيارات تضج بها نهاية الخمسينات، وتُوَرِّثُ الانقسامات الحادة والتناقضات على سطح المجتمع الواحد، وتركس الإرادة عن خطى الغد.
لذا كان كتابه هذا إشارات في ضباب ذلك الزمن، تضيء سبل التطلع إلى غدٍ بانت معالمه اليوم، حين يعاد رسم الخريطة السياسية للشرق والغرب. فتبرز وحدة أوروبا كحقيقة ترتد إلى عمق أصولها وترأب صدع (البيت الأوروبي) على حد تعبير غورباتشوف.
هكذا يصحو العالم الإسلامي، الذي قسمته الثورات المستوردة، على حقيقة واقعه: إنه مطرود من المعسكر الاشتراكي في ظل (البروستريكا)، ومنهوب من المعسكر الرأسمالي، خالي الوفاض رسالةً وثروةً بل تربك خطاه النزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية. وتتخذ الأصولية سبلًا لها في ضباب جديد تنثره في أجوائنا رياح العصر الإسرائيلي لتعثر به الأقدام، حين تشتد الانقسامات مرة جديدة على سطح المجتمع.
فإذا كنا اليوم نطوي صفحة يمين الأمس ويساره، فها نحن نعيد سيرتنا في الدوران حول أنفسنا، حين نفتح صفحة الأصولية المتشددة الرافضة، والاعتدال
1 / 8
المتسربل بحتميات الواقع، بينما المشروع الإسرائيلي يستكمل طريقه برؤية تزن الخطى وتحكم وسائلها.
مالك بن نبي في (فكرة كمنويلث إسلامي) يرسم إطارًا لمشروع يمنح العالم الإسلامي موقعًا له في خريطة العالم المعاصر، يستمد رسالته من وسطية عقيدته كشاهد على الناس جميعًا.
ومن الطبيعي أن الشهادة وعي وإدراك لدقائق مسيرة العالم الحديث. وهي فوق ذلك قدوة في السلوك والمبادرات والحضور المؤثر في هذه المسيرة.
فالمجتمع المتخلف عن الحضارة وخطى الغد لا تقبل له شهادة أبدًا. وهو كالفرد المنحرف والمتخلف عن مسيرة السلوك الاجتماعي تسقط شهادته في ميزان العدالة.
تلك قضية الحضارة ومشكلتها التي يطرح لها مالك بن نبي إطارها الجغرافي في (فكرة كمنويلث إسلامي) وهو كان قد حدد إطارها الفكري في مختلف كتبه.
وهذا الكتاب الذي نصدره اليوم سوف يجد له في كتابات مالك بن نبي اللاحقة، عبر الستينات وحتى وفاته، توضيحًا أكبر لمداه خصوصًا في كتاب (المسلم في عالم الاقتصاد) وكتاب (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي).
والتطورات التي نشهدها اليوم في عالمنا المعاصر سوف ترفد القارئ بفهم أعمق لفكرة ابن نبي التي عرضها في نهاية الخمسينات واستمدت مسوغاتها من تلك الحقبة.
عمر مسقاوي
دمشق ٤ شباط ١٩٩٠ م
1 / 9
ـ[لوحة: فكرة كمنويلث إسلامي]ـ
1 / 10
ـ[لوحة: رسم دراسة لفكرة كمنويلث إسلامي]ـ
1 / 11
الخطوط العامة للكتاب
فكرة «الكمنويلث» الإسلامي
١ - المبررات الجغرافية السياسية:
أ - هناك ناحية جديدة أصبح يتسم بها العالم في الوقت الحاضر: فتحت تأثير العامل «الفني» الذي أدى إلى تركيز «القوى» في محور واشنطن- موسكو ظهرت مناطق متسعة مخططة تمثل وحدات جغرافية سياسية تركزت في كل منها القوى، وأصجت على وشك التركيز مثل المنطقة الأطلنطية (الخاضعة لتخطيط مارشال). والمنطقة السوفياتية، ومنطقة الصين الشعبية، ومنطقة الوحدة الهندية.
ب - وفي غمار هذا العالم المخطط يشعر الرجل المسلم بعدم جدواه. وبأن أحداث التاريخ تسجل دون أن يكون له دخل فيها (كعضو في منطقة جغرافية سياسية غير مخطّطة) يرى أن تطور العالم قد سبقه.
٢ - مبررات سيكولوجية:
أ - وبما أنه يستبطن هذه المعطيات يصبح المسلم يفكر بمقتضاها بمصير العالم الإسلامي فتراه يحمل بين جنباته بذور ثورة.
ومن ثم يجد نفسه أمام احتمالين:
١ - هل بوسع العالم الإسلامي أن يقوم بثورة طبقًا لتطورات معينة؟ أي طبعة تخطيط يراعى فيه العوامل النفسية والاجتماعية الخاصة به.
٢ - أم في حالة عدم وجود قيادة حكيمة ترسم له خطته يرى العالم الإسلامي نفسه مندفعًا (بضرورة انسجامه في التطور العالمي الذي لا زالت سرعته تتزايد) إلى ثورة تأتيه من الخارج أي ثورة لن يكون في مقدوره التحكم فيها.
1 / 12
ب - ومن هنا فإن ضرورة تكتل العالم الإسلامي تبدو أول ما تبدو كضرورة نفسية أي كوسيلة تخفف من تهويل القضية في الضمير الإسلامي وبالتالي وسيلة فعالة للحد من بعض النزعات المفرقة التي يمكنها دفع العالم الإسلامي إلى ثورة تأتيه من الخارج.
٣ - مبررات فنية:
ولكن ما نكاد أن نحاول مواجهة التخطيط من الناحية الفنية حتى نجد موضوع التخطيط نفسه كأنه انعدم، لأننا نحاول التخطيط لعالم إسلامي، فنجد أنفسنا أمام عوالم إسلامية.
الخلاصة:
فيترتب إذن على ما سبق شيآن:
أ - ضرورة التخطيط للعالم الإسلامي.
ب - ولكن لا يمكن هذا التخطيط إلا عن قاعدة اتحادية بعيدة عن فكرة (الإسلامستان) التي ينادي بها قادة الباكستان أحيانًا، ولا يمكن وضعها موضع التنفيذ إلا إذا كانت في صورة كمنويلثية.
1 / 13
رسم دراسة لفكرة كمنويلث إسلامي
ملاحظة:
إذا تعرضا لفكرة كمنويلت إسلامي باعتبارها موضوع بحث يرمي إلى تخطيط وحدة جغرافية سياسية معينة أو إلى مجرد معرفة نظرية للوقوف على معلومات أوسع بشأن هذه الوحدة يوجب أن يتضمن هذا البحث بعض الحقائق الأساسية والمقتضيات المنطقية التي تميز موضوع البحث وتبرر الحل الذي يراد إيجاده.
١ - حقائق أساسية:
أ - لقد احتفظ العالم الإسلامي في المرحلة التي يجتازها الآن بوحدته الروحية التي تعد له عاملًا جامعًا أساسيًا ومبدأ موحدًا يجب أن يطبق، في أي محاولة لتخطيطه تطبيقًا يناسب تجانس المشروع من الناحية السيكولوجية وتناسق عناصره من الناحية الفنية.
ب - لكن بجانب وحدته الروحية يبدو العالم الإسلامي في مرحلته الحاضرة متعدد الجوانب كأنه ليس عالمًا واحدًا بل عوالمًا:
١ - العالم الإسلامي الزنجي أو الإفريقي.
٢ - العالم الإسلامي العربي.
٣ - العالم الإسلامي الإيراني (فرس، أفغان، باكستان).
٤ - العالم الإسلامي الملايو (أندونسيا، ملايو).
٥ - العالم الإسلامي الأصفر.
1 / 14
جـ - ونظرا لوحدته من ناحية وتعدده من ناحية أخرى يبدو أن العالم الإسلامي أصبح في مرحلة ينسجم فيها جانبه الروحي ويتشعب جانبه الدنيوي حتى أننا في هذه الظروف لو تعرضنا لمشكلة الخلافة مثلًا- لما كان في وسعنا أن نتغافل عن لزوم تحديد قانوني جديد لمعنى الإمامة في الإسلام.
٢ - المقتضيات المنطبقة:
أ - لكي ينتظم الكمنويلث الإسلامي طبقًا لأوضاعه الخاصة ولانسجامه مع تطور العالم المخطط، يجب أن يخطط ككتلة للعوالم الإسلامية يرأسها المؤتمر الإسلامي كجهاز «فدرالي».
ب - ودستور الاتحاد يجب أن يقوم على دراسة جديدة للإمامة مع استخدام الرابطة الاقتصادية حيثما وجدت بطبيعتها مثلًا بين مصر والسودان والرابطة القومية مثلًا في البلاد العربية.
جـ - تحديد مهمة الكمنويلث الإسلامي في العالم.
1 / 15
ـ[لوحة: غلاف الطبعة الأولى]ـ
1 / 16
مدخل
في هذه الصفحات التي نتناول فيها موضوع: (كملنويلث إسلامي) (Commonwealth islamique) ليس للقارئ أن ينتظر وجود حل جاهز، بينما المشكلة التي تستدعي حلًاّ كهذا، ما تزال هي نفسها لم توضع بعد تمامًا. وسوف يتاح للقارئ- خلال تتبعه لنا- أن يعرف البعض من أسباب هذه الثغرة. ولكن ينبغي علينا منذ الآن، أن نحدد الحدود المفروضة التي نستطيع تناول الموضوع في نطاقها، فالعالم الإسلامي، وهو في المرحلة الراهنة من تطوره، ليس مجهزًا لهذا النوع من العمل؛ فتجهيزه في هذا النطاق ليس كافيًا، لأسباب عديدة: منها ما هو ذو صبغة نفسية، ومنها ما هو ذو صبغة مادية. وسنعود لتناول هذه المسألة التي تمثل مظهرًا من المظاهر الأساسية فيما ندعوه بـ (اللافعالية)، التي أشرنا إليها في مناسبات شتى، والتي نرجئ تحليلها إلى ما بعد.
ومهما يكن من شيء، فموضوعنا لا يتطلب عملًا إداريًا، أو مجرد مقايسة نظرية (Spéculation)، ولكنه يستدعي عملًا دقيقًا، على مجال القضية نفسها، وتحقيقًا مُعَمَّقًا على صعيد العالم الإسلامي؛ مضافًا إلى ذلك أن تحقيقًا من هذا النوع، لا يمكن أن يقوم به فرد منعزل، لأنه من مهام هيئة مشتركة من الأخصائيين، الذين يتقاسمون فيما بينهم المظاهر والقطاعات المختلفة لهذه المهمة، كل في دائرة اختصاصه، بنفس الطريقة التي سارت على منوالها هيئات العلماء الذين تقاسموا أعمال السنة الجغرافية- الطبيعية (Géo-physique) الجارية على مساحة الكرة الأرضية لدراسة خصائصها. وهذا يعني أن دراستنا يجب أن تتناول
1 / 17
تحت إشراف (مركز للبحوث) لَمَّا يوجد بعد في العالم الإسلامي، حيث المنشآت التي تستطيع أن تقم بهذا الدور لا تعدو أحد أمرين:
إما أن تكون قد شاخت وهرمت، كما هو الحال في يومنا هذا بالنسبة إلى الهيئات التي سبق أن لعبت دورًا هامًا في الحياة العقلية للعالم الإسلامي، وإما أنها لا تزال حديثة وشابة، ومن ثَمَّ فهي لم تتكيف بعد مع عمل علميّ واسع النطاق.
صحيح أن جهودًا قيمة تبذل في مصر، بقصد التكيف مع ضرورات البحث، في مجالات عدة، ولكن العالم الإسلامي بصفة عامة يجتاز فترة تحول و(حَمْلٍ)؛ فبعض الأشياء قد أصبح ميتًا، ولم يعد صالحًا للاستعمال، وبعضها الآخر لما يولد بعد. ومن هنا نجمت فترة من (اللاتكيف)، يتعين على المنشآت والأفراد؛ الأشياء والأفكار، أن تجتازها جميعها بالضرورة، لكي تتكيف مع عالم جديد، لما تزل مقاييسه بعيدة عن متناولنا حتى الآن. إنها فترة ذات صبغة طفولية يمكن أن يعوِّق فيها فعل الإنسان المسلم وفكره، من جرات مركبات معينة، خاصة بوشطه. وفيما عدا ذلك، فالمسلم- لكي يتفوّق على بعض مركبات نقصه بإزاء عالم راضخ للتصميم، وللمنهج (التيلوري)؛ المنهج الذي يعمد إلى تنظيم العمل بشكل مُنَمٍّ لحصوله، حيث يستشعر نفسه، بطريقة غامضة، أنه غير متكيف مع هذا العالم- قد اتخذ بالنسبة له، وبسهولة مرموقة، بعض الدعاوى التي تترجم عمومًا عن حقائق معينة. ونحن عندما نواصل تحليل الأشياء أبعد من ذلك، نلاحظ التأثير التنويميّ لهذه الدعاوى التي تخدر وعينا، في نوع من الانقياد المترفع بإزاء العالم الراضخ للتصميم ... فنحن على سبيل المثال، نتقبل على حق ما هو متعارَف من أن المادة تحظى في العالم المخطط، بمرتبة القيمة العليا، وأحسب أننا متفقون على هذه النقطة؛ ولكن لنواصل أبعد من ذلك: فالحق أننا نرى المجتمع الإسلامي الراهن- كما سلف أن أشرت إلى ذلك منذ عشر
1 / 18
سنوات، في كتابي (وجهة العالم الإسلامي) - يتخذ بالنسبة إلى المادة موقفًا غريبًا:
فالواقع أن المادة قد واكبت تيارًا. فكريًا مزدوجًا، ففي العالم الراضخ للتصيم، وللمنهج التيلوري، توجد نزعة مادية رأسمالية أو (بورجوازية) نوعيًا، ونزعة مادية ماركسية أو (بروليتارية) نوعيًا كذلك. فالنزعة الأولى تلتقي في الغرب، مع رفاهية طبقة مالكة لمصالحها وأذواقها وأشيائها. والنزعة الثانية، تمثل مذهب نضال طبقة كادحة، وتلتقي مع أصول هذا النضال، وتصوراته وأفكاره. وإذا بالعالم الإسلامي، الذي يريد الانفلات من أسر المادة - متخذًا من وجهة نظرية نفس التحفظ بالنسبة إلى كل من النزوعين اللذين تواكبهما- يسقط لا شعوريًا في النزغة الأولى، ذلك أنه في الحقيقة منحصر التعلق - في المرحلة الراهنة من تطوره- (بالأشياء) لا (بالأفكار). ونحن نستطيع أن نفهم هذا الميل، على ضوء السيكولوجية الصبيانية: فالطفل لا يرى في العالم أفكارًا، ولكنه يرى أشياء؛ فكومة من قطع الحلوى، أثمن لديه بكثير من كومة من الجواهر! .. وكل المجتمعات البشرية تمر بهذه المرحلة من الصبيانية؛ وليس لغير ما سبب، أن يكون (لينين) قد كرَّس أحد كتبه (لأمراض الماركسية الصبيانية). غير أن هذا النزوع الفكري قد واكب، في العالم الإسلامي، استمراء السهولة. وإنه لمن المؤكد، أن شراء سيارة (كدلاك) أو ثلاجة، أسهل بكثير من الحصول على (الأفكار) الضرورية لصنعهما. ومن ثَمَّ نصل إلى هذا التقرير المتميز، المُتَمَثِّل في أن المادة التي كان من نتائجها في العالم المصمِّم التنمية من كمية (الأفكار)، كان من نتائجها العكسية في العالم الإسلامي، مضاعفة (الأشياء) فحسب .. ولا أحب أن أدفع بهذا التحليل الذي نجازف معه بالخروج عن الإطار الضيق المرصود لهذا المدخل، إلى أبعد من ذلك؛ مع أننا لو واصلنا أشواطًا أخرى، لعثرنا على تقريرات غير منتظرة. إلا أن هناك خلاصة لها أهميتها
1 / 19
بالنسبة إلى موضوعنا وهي: أن (الفكرة) ليس لها فعاليتها الكافية في العالم الإسلامي، أو هي لا تلعب دورها فيه. ولا ريب في أن فحص كل العوامل التي كان لها مفعول ما، في هذا القصور، سيكون ذا أهية بالغة. ولكن المؤكد، أن أحد مظاهر هذا القصور، هو ما نلاحظه في التطور الراهن للعالم الإسلامي، من تخلف بالنسبة إلى التطور العام. وإن هذا المظهر بالذات، لهو الذي تتضمنه بصفة خاصة، دراستنا هذه، لأنه يتصل بكل العوامل النفسية- الزمنية، التي تبرر فكرة (الكمنويلث).
1 / 20
القسم الأول:
مشروع دراسة شاملة
1 / 21