ومن ذلك نفهم أنَّ الرؤيا الصَّادقة قد يتأخَّر تأويلها، فقد ترى الرؤيا ويقع تأويلها وتتحقَّق بعد عشرات السّنين.
مِسْكُ الختام
كانت أوَّل شخصيَّة ظهورًا في القِصَّة شخصيَّة يُوسُفَ - ﵇ ـ: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)﴾، وآخر شخصيَّة ظهرت في القصَّة شخصيَّة يُوسُفَ - ﵇ - أيضًا، إذ قال - ﵇ - مناجيًا ربَّه: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾ أي أعطيتني حظًّا مِنَ الملك ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ أي وعلَّمتني شيئًا من تعبير الرؤى، و﴿مِنْ﴾ فيهما للتبْعِيض والتَّجزئة؛ إذ لم يُؤْتَ - ﵇ - إلَّا بعض التَّأويل وبعض الملك؛ لأن الملك كلَّه لا يملكه إلَّا الله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)﴾ [الانفطار].
﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ خالق السَّموات والأرض ومبدعهما ﴿أَنْتَ﴾ يا ربِّ ﴿وَلِيِّي فِي﴾ داريّ ﴿الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.
وبعد هذا الثَّناء جَاءَ الدُّعاء: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا﴾، سأل - ﵇ - الله تعالى أن يتوفَّاه على الإيمان والإِسلام حين يتوفَّاه، وأن يحفظ عليه إسلامه، وأن يثبِّت عليه دينه وإيمانَه إلى أن يلقاه. كأنَّه ينظرُ إلى وصيَّة آبائه المشار إليها بقوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)﴾ [البقرة].
﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)﴾ من النَّبيين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، سائلين الله تعالى أن يتوفَّنا مسلمين، وأن يلحقنا بالصَّالحين، إنَّه جوادٌ كريمٌ.