A Course in Hadith Terminology
دورة تدريبية في مصطلح الحديث
Géneros
العلل الخفية لا يدركها إلا العلماء النقاد الجهابذة
والعلة هنا المقصود بها العلة الخفية التي تلحق الإسناد وتقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها، ولا يطّلع عليها ولا يعرفها إلا العلماء النُقّاد الجهابذة، وهي تلحق الحديث وتقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها، وهذه العلة لا يتسنى لأي عالم معرفتها، بل هذا حكر ووقف على النقاد الجهابذة كـ الدارقطني والبخاري وأحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي وأبي زرعة وغيرهم من الأئمة.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الفن من أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكًا، ولا يقوم به إلا من منحه الله ﵎ فهمًا غائصًا، واطلاعًا حاويًا، وإدراكًا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولذلك لم يتكلم فيه إلا أفراد من أئمة هذا الشأن وحُذّاقهم، وإليهم المرجع في ذلك؛ لما جعل الله لهم من معرفة ذلك والاطلاع على غوامضه، دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك، وقد تقصر عبارة المعلل -يعني: أن الذي يعلل الحديث تقصر عبارته عن ذكر العلة، فقد يقول لك: هذا الحديث معلول، فإذا سألته: ما هي علته؟ لم يستطع التعبير عنها، ولذلك بعض الناس يقول: إن العلة في الحديث كهانة، فهم يعبرون عن غموض العلة وعدم القدرة على التعبير عنها بالكهانة- فلا يفصح بما استقر في نفسه، أي: أنه يشك في أن الحديث معلول، فإذا سألته: ما هي علته؟ قال: في نفسي شيء من الحديث لا أستطيع التعبير عنه.
وذلك مثل الصراف يقول لك: هذا الدولار مضروب، فإذا قلت له: من الذي ضربه؟ قال: لا أعرف، وإذا قلت له: ما هي العلة التي عرفت بها ضربه؟ قال: لا أعرف.
فهو لا يستطيع أن يعبر عن العلة التي لحقت هذا الدولار، وهذا كالحاسة السادسة، فهو لا يستطيع أن يعبر ولا أن يقدم دليلًا ماديًا محسوسًا على أن هذا الدولار مضروب، وإنما وقع في قلبه أن هذا الدولار ليس جيدًا، وبناء عليه امتنع عن أن يقبله، وكذلك الناقد الكبير في هذا الفن يقول لك: إن هذا الحديث معلول، فإذا سألته: ما هي علته؟ قال: لا أعرف، فعبارتي تقصر عن إفادة العلة في هذا الحديث، وتجده يقسم أيضًا على أنه معلول.
فهو متأكد، ولكنه لا يستطيع التعبير عن العلة.
فمتى وجدنا حديثًا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأولى اتباعه في ذلك؛ لأننا نتّبعه في التصحيح، فلِم لا نتبعه في التعليل؟ فكما نتّبعه في تصحيح الأحاديث إذا صححها فلنتبعه أيضًا في تعليل الحديث إذا علله.
وهذا الإمام الشافعي مع إمامته وجلالته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه، فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم الكبار بالعلل، وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيث يصرّح بإثبات العلة.
ويقول السخاوي: وهذا النوع من علوم الحديث -أي: الحديث المعلل- من أغمض أنواع الحديث وأدقها، ولذا لم يتكلم فيه إلا الجهابذة أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب، مثل ابن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن شيبة وأبي حاتم وأبي زرعة، ولخفاء هذا النوع كان بعض الحفّاظ يقول: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل.
وكان عبد الرحمن بن مهدي شيخ الإمام أحمد والشافعي يقول: هو إلهام -أي: إن معرفة العلل إلهام- ولو قلت للقيّم بالعلل: من أين لك هذا؟ لم تكن له حجة يعبر بها، وإلا ففي نفسه حجج للقبول والرفض.
وسئل أبو زرعة الراوي عن الحجة لقوله عندما سئل عن حديث، فقال: معلول؟ فقال: لا أستطيع أن أقول لك ما هي حجتي، ولكن اذهب واسأل ابن وارة -وهو من أئمة الحديث- فإذا قال لك مثل قولي فاذهب إلى أبي حاتم، فإذا قال لك مثل قولنا فاعلم أن الحديث معلول، ففعل الرجل ذلك فاتفقوا جميعًا، فاعلم أن هذا الأمر على الحقيقة، فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام، فلو لم تكن له علة لما اتفق أبدًا كلام أبي زرعة مع كلام أبي حاتم وكلام ابن وارة، فلما اتفقوا دل على أن الأمر فعلًا فيه علة، ولما قصرت عبارة هؤلاء جميعًا عن ذكر هذه العلة دل على أنها إلهام من الله ﷿ لهؤلاء العلماء.
4 / 22