وسألتها الصرافة من جديد: «هل أنت بخير يا مدام زيتون؟»
وابتسمت كاثي، ولوحت بيدها إشارة إلى استهانتها بما حدث.
قالت: «سرحت لحظة وحسب. يوم عصيب!»
وابتسمت الصرافة وقد هدأ بالها.
وقالت كاثي: «أنا بخير.» ثم كتبت الشيك الثاني.
غدت كاثي تنسى بعض الأرقام والأسماء والتواريخ، كما يصعب اليوم عليها التركيز، وهي تقول لأصدقائها إنها سوف يصيبها الجنون، هازئة بذلك ضاحكة منه، فهي واثقة مثلما هم واثقون بأنها ليست على شفا الجنون، وأنها لا تزال كاثي نفسها طول الوقت تقريبا، وهي قطعا كذلك في عيون من يعرفونها، ولكن مرات الذهول - كالتي وقعت لها في البنك - تتراكم، ولم تعد كاثي تتمتع بحدة الذكاء التي كانت تتمتع بها يوما ما، ولم تعد تثق بقدرتها على أداء بعض ما كانت تؤديه في الماضي ، ويوما ما لن تستطيع أن تتذكر اسم أحد العمال الذين تعرفهم منذ عشر سنوات، وقد يأتي اليوم الذي تجد نفسها ممسكة بالتليفون، والطرف الآخر على الخط يرن، ولن تعرف من المتحدث ولا سبب الاتصال.
كان ذلك في خريف عام 2008 وأسرة زيتون منهمكة في الانتقال إلى منزل جديد، كان المنزل نفسه في الواقع - في شارع دارت نفسه - ولكنه قد أخرجت أحشاؤه، واكتمل توسيعه فأصبح ثلاثة أمثال حجمه السابق؛ إذ وضع زيتون تصميما لبناء ملحق به يهيئ لكل طفل غرفته الخاصة، وسوف يسمح لكاثي أيضا أن تدير العمل من المنزل. وأصبح للمنزل الجديد شرفات، وأسقف هرمية، ومطبخ كبير، وأربعة حمامات وغرفتان للجلوس. إنه أقرب ما يكون إلى منزل الأحلام الذي يمكن أن يسكنوه يوما ما.
أما المكتب في شارع دبلن فكان يمثل خسارة كاملة. زاراه بعد خروج زيتون من السجن بأيام معدودة فلم يجدا غير الطين والحشرات. كان السقف قد سقط، وكل شيء داخل المبنى مغطى بالطين الرمادي نفسه، وقامت كاثي مع زيتون بجمع كل ما استطاعا إنقاذه، وهو قليل، ثم باعا المبنى آخر الأمر. وقررا نقل مكتبهما إلى منزلهما. وأصبح لمنزلهما الآن مدخل من شارع دارت - عنوان المسكن - ومدخل آخر من طريق إيرهارت.
وكانت أسرة زيتون قد أقامت في سبعة مساكن، ما بين شقق ومنازل، منذ العاصفة. وأما مكتبهما في شارع دبلن فقد هدم وأنشئت مكانه ساحة انتظار للسيارات. ولم يكن المنزل في شارع دارت قد اكتمل إعداده.
وهما يشعران بالإرهاق.
Unknown page