Zahirat Madd Wa Jazr Bihar
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Genres
78
ثم ينتقل البكري لطرح مختلف الآراء التي قالها العلماء حول تفسير الظاهرة دون أن يضيف لها أي رأي جديد.
قال البكري: «فأما علة المد والجزر فمختلف فيها، فقد قيل: علة ذلك القمر على ما بين أبو معشر. وقال قوم: هي الأبخرة التي تتولد في باطن الأرض، فإنها إذا كثفت دفعت حينئذ ماء هذا البحر فلا يزال على ذلك حتى تنقص موادها فيتراجع الماء حينئذ إلى قعور البحار فكان الجزر، فهذا يدل عليه كونه في كل أوان وفي غيبة القمر وطلوعه. وقال آخرون إن هيجان البحر كهيجان بعض الطبائع بالإنسان ثم تسكن. وقال آخرون إن الهواء المطل على البحر يستحيل دائما، فإذا استحال عظم ماء البحر، ثم يعاقب ذلك استحالة ماء البحر فيتنفس ويعود البحر إلى ما كان عليه، وإن الماء يستحيل هواء والهواء يستحيل ماء. وقال الشرعيون: كل حال لا يعلم له في الطبيعة مجرى فهو فعل إلهي لا يدخله قياس ولا يدرك بحس.»
79
بعدها ينقل لنا أقوال المسعودي (الذي رمز إليه بالحرف س) وأبو معشر. حيث قال: «قال س: وقد زعم قوم من نواتية (رؤساء السفن) البحر الفارسي أن المد والجزر لا يكون فيه إلا مرتين في العام ، فإذا كان الصيف كان الماء في مشارق البحر بالصين وما والاه وفي الشتاء بالضد.
قال س: رأيت بمدينة كنباية من أرض الهند، وهي مملكة البلهرى، وكانت على خليج من البحر أعرض من النيل، فيجزر الماء في هذا الخليج حتى يبدو الرمل وقعر الخليج ويبقى فيه اليسير من الماء. فرأيت الكلب على هذا الرمل الذي نضب ماؤه وصار كالصحراء، وقد أقبل المد وأحس به الكلب فأقبل يشتد ليفوت الماء، فلحق الماء بشدة دفعت الكلب فغرقته.
وأما علة ما لا يظهر فيه مد ولا جزر من البحار فهي التي تبعد عن مدار القمر ومسافته بعدا كبيرا، وقيل إنها التي يكون الغالب على أرضها التخلخل فينفذ الماء منها إلى غيرها من البحار وتنفس الرياح الكائنة في أرضها.»
80 (4) المبحث الرابع: علماء القرن (6ه/12م)
ناقش في هذا القرن ظاهرة المد والجزر اثنان من العلماء العرب. أحدهما رجع إلى النظريات اليونانية، والآخر اعتمد نظرية الكندي دون أية إضافة جديدة. (4-1) الشريف الإدريسي
استعرض محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الإدريسي (توفي 560ه/1165م) في بداية تفسيره لظاهرة المد والجزر في البحار آراء الفلاسفة اليونانيين السابقين فقط، دون أن يأتي على ذكر ما طرحه الكندي أو أبو معشر. وهذا أمر مستهجن؛ لأن الأفكار التي طرحها الكندي أو أبو معشر كانت منتشرة وشائعة بشكل كبير منذ أن نشراها في أعمالهم في القرن (3ه/9م).
Unknown page