Zahirat Madd Wa Jazr Bihar
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Genres
فإذا تغير فحمي ظاهر الأرض وبطن البرد، أجمد تلك اللزوجات والدهانة، وحدث النتن، انحصار تلك الدهنية والمائية في جسم تلك الطينة. فإذا عادت عليها حرارة، أحالته إلى شدة الإحماء، فقبلت من الحمي أكثر مما قبلت أولا.
ولا تزال كذلك تزداد في كل دور حتى يكمل عفنها ونتنها وحميها، فيرتفع بخارها عظيما مغالبا للماء الذي عليها، خارقا له، حتى ربما أهلكت تلك الأبخرة بغلظها وشدة نتنها وحميها وضعف القلوب عن تنسمها من داخل تلك الآبار.
فإذا ارتفعت تلك الأبخرة علا الماء الذي فيها عن سمت وجهه قبل علوها، وظهر فيها غليان، يغلب الهواء له، ظاهر للحس، وهذه الحال تسمى الخب، في كل ما عرضت فيه من نقائع المياه، صغرت أو عظمت، فيعرض في لجج البحار، التي قد عرض لطينها هذا العرض، غليان شديد، وموج متلاطم سيال. ويعلو سطح الماء فيها علوا شديدا، مع تلاطم الأمواج وشدة الدوي والنتن، نتنه لانبثاثه في الجو الواسع غير مهلك، كما يهلك نتن المواضع المحصورة في الجو كالآبار والبلاليع.
وهذا العرض مشهور عند من يسلك البحار، كما حددنا الخب، وهو نوع من أنواع ظهور الماء وزيادته.
فإذا قدمنا ما قدمنا فلنقل الآن على المد السنوي، وهو الزيادة في ماء البحار في وقت محدود من السنة، في موضع دون موضع، بحركة الأشخاص العالية، فنقول: إنا قد ذكرنا في غير موضع من أقاويلنا الطبيعية أن الريح الجارية بحركة الأشخاص العالية ريحان هما الهابتان من الأقطاب: إحداهما الهابة من جهة القطب الشمالي، تسمى الشمال، والأخرى الهابة من جهة القطب الجنوبي، [و]تسمى الجنوب.
وهاتان الريحان هما سيلان الهواء إلى خلاف جهة الشمس، أعني أن الشمس إذا كانت في الميل الشمالي، سال الهواء إلى الميل الجنوبي، وإذا كانت في الميل الجنوبي، سال الهواء إلى الميل الشمالي؛ للعلل التي قدمنا وصفها في أقاويلنا التي ذكرنا فيها الرياح، وهي أن الشمس إذا سامتت جهة من الأرض أحمت ذلك الجو حميا شديدا، فاتسع، واحتاج إلى مكان أوسع، وانقبضت الجهة من الجو المضاد لجهة الشمس، لشدة بردها ببعد الشمس عنها، فاحتاج إلى مكان أضيق، فسال الهواء المتسع إلى جهة الهواء المنقبض المحتاج إلى مكان أضيق، لأنه لا فراغ مطلقا
8
ولا نقصان مطلقا للجرم.
فإذا كانت الشمس في الجهة الشمالية سال الهواء إلى الجهة الجنوبية، فيسيل ماء البحر بحركة [الهواء] إلى جهة البحر الجنوبية؛ فلذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف بهبوب الرياح طامية عالية، فيسمى ذلك مدا سنويا، وتقل المياه في جهة البحر الشمالية لسيلانه إلى الجنوب، فيسمى ذلك جزرا سنويا.
فإذا صارت الشمس في جهة الجنوب سال الهواء بالجنوب إلى جهة الشمال للعلة التي قدمنا ذكرها، فسالت جهة ماء البحر الجنوبية إلى جهة الشمال، فطمت الجهة الشمالية وعلا الماء فيها، وسمي ذلك مدا سنويا، وقلت المياه في جهة البحر الجنوبية ونقصت، فسمي ذلك جزرا سنويا.
Unknown page