شكل 5-2: أورشليم الجديدة الهابطة على الأرض موصوفة في سفر رؤيا يوحنا (الإصحاح 21، الآية 16). وهذا التصوير من منسوجة يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر.
وهكذا، في حين قد لا يتوفر سبيل لدخول جنة عدن، فثمة جنات بديلة ربما تكون متاحة.
رغم أن توقعات نهاية العالم والحكم الألفي للمسيح قد أسكتت بسبب مضامينها الراديكالية، فقد كانت ذات تأثير عظيم، ويمكن تتبع آثارها بطول العصور الوسطى، عندما أصبح محور تركيزها الأمل على قدوم آخر إمبراطور عادل يحكم العالم الذي كان من المفترض أن يقيم فترة من الإصلاح على الأرض قبل مجيء المسيح الدجال. ويمكن ملاحظة هذه التوقعات في الحركات السياسية في إنجلترا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وفي معتقدات البيوريتانيين الأمريكيين، والثورة الأمريكية في مرحلة لاحقة. ومؤخرا، ظهرت سلسلة الروايات الأمريكية «المخلفون» التي تضم 13 رواية، إضافة إلى قصص مصورة وأفلام وألعاب فيديو وكتب للأطفال، وغيرها من الأعمال ذات الصلة، وكلها تصف المتبقين على الأرض بعد الاختطاف؛ وهو معتقد يقوم على الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي، وفيه ينتقل كافة المؤمنين الناجين من الأرض للسماء للقاء المسيح في وقت واحد، خلال الصراع بين الخير والشر وحتى المجيء الثاني للمسيح. (3) جزيرة القديس برندان وأرض برستر جون
أضيفت صورتان بالغتا التأثير إلى اليوتوبية المسيحية في العصور الوسطى؛ وهما: جزيرة القديس برندان، وأرض برستر جون التي تعود لأواخر القرن الثاني عشر. ظهرت جزيرة القديس برندان في الخرائط في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وعندما أبحر المستكشف فاسكو دا جاما (1460 / 1469 تقريبا-1534)، حمل رسائل إلى برستر جون؛ لذا ظل القديس برندان وبرستر جون حاضرين في الخيال المسيحي لقرون.
مع دخول المسيحية إلى أيرلندا، اصطبغت قصص الرحلات المأثورة المعروفة باسم «الإمراما» بصبغة مسيحية أو حلت محلها قصص رمزية مسيحية تستخدم الشكل نفسه. وكان أكثرها شهرة «رحلة القديس برندان»، التي ربما كتبت عام 800 ميلاديا، التي توجد منها عدة نسخ مختلفة بلغات شتى. وفي النسخة التي ربما تكون الأقدم، يبحث برندان وبعض رهبانه عن أرض القديسين الموعودة، الموصوفة بتعبيرات تدل على التقشف. وفي نسخ أخرى أكثر تفصيلا، يزور برندان ورهبانه الجنة، التي يحرس بابها تنانين وسيف عظيم، لكن يرحب بهم رسول الرب ويسمح لهم بدخول الجنة؛ حيث :
لن يشقى من يسكنها، ولن تهب عليها رياح عاصفة، ولن يكون بها حر ولا زمهرير، لا نصب ولا جوع، لا عطش ولا عوز. ستكون هناك وفرة من كل ما يشتهيه المرء، وسيطمئن الجميع أنهم لن يفقدوا أكثر ما يريدونه ويحتاجون إليه؛ فسيكون حاضرا لهم دائما وفي كل الأوقات.
أصبحت القصة العظيمة الأخرى، أرض برستر جون، من الأساطير المهمة التي تعود لأواخر العصور الوسطى. ومن المفترض أن جون ماندفيل زارها ووصفها في عمله «رحلات السير جون ماندفيل» (1499)، إلى جانب الكثير من الأماكن الحقيقية والخيالية، مثل مجتمع الأمازونيين وأحد الوحوش. أبحر كثير من المستكشفين لإيجاد تلك الأرض؛ وقال كثيرون عند عودتهم إنهم عثروا عليها. وسواء اكتشفت تلك الأرض أم لا، فقد ظلت السمات الأساسية لها كما هي تقريبا. كان برستر جون هو نموذج الحاكم المسيحي المقدس، والأرض التي كان يحكمها يمكن للمسيحي الحق أن يعيش عليها حياة مسيحية كاملة؛ وهو أمر لا يمكن تحقيقه في أي مكان آخر. ويجب أن تكون تلك الحياة المسيحية الكاملة يوتوبية. لا يمكن أن تكون حياة مثالية لأن الكمال يجب أن يرتقب الحكم الألفي للمسيح، ولكنها يمكن أن تكون أفضل بكثير في ظل حكم أمير مسيحي صالح لا في ظل أي نظام حكم آخر. أطلق على أحد أشكال الأدب في تلك الحقبة «دروس للأمراء»، وكان يخبر الأمراء بكيفية التصرف كي يكونوا أمراء مسيحيين صالحين؛ ومن ثم يحققوا حياة أفضل لكل رعاياهم.
كافة هذه الأوصاف للأماكن اليوتوبية هي استجابات تفصيلية للعنة خروج آدم وحواء من الجنة، لكن لا يمكن للجنس البشري الوصول لأي من تلك الأماكن دون تدخل الرب. حتى الصالحون لا يختارون أنفسهم ببساطة، بل يختارهم الرب. وهذا حقيقي أيضا بشأن اليوتوبيا الأخيرة؛ الفردوس. (4) الفردوس والجحيم
لا توصف الأحوال الحقيقية للجنة أو الفردوس على النحو الذي وصفت به جنان الأرض، إلا أن الفردوس شبيهة على نحو كبير بعصر من العصور الذهبية، باستثناء أنه ليس همها الأساسي هو المتعة مثلها. وبطبيعة الحال، لا يوجد هناك موت لأنه قد وقع بالفعل. وعادة لا يحتاج الوجود الروحي إلى الطعام أو المأوى أو الجنس أو العمل؛ فالتوحد مع الرب يوفر كل ما هو مطلوب للأبد.
قدم «نهاية العالم لبولس»، الذي يعود للقرن الرابع وأصبح مشهورا في المعتقد المسيحي الغربي، وصفا مبكرا للفردوس والجحيم أصبح جزءا من الثقافة الغربية. وكانت الفردوس جنة نموذجية على غرار جنات الأرض. وفيما يلي جزء من وصف تلك الجنة:
Unknown page