كان أول مناهض عظيم لليوتوبيا، المؤلف المسرحي الكوميدي الإغريقي أرسطوفانيس (448-380 قبل الميلاد)، يكتب وفي الوقت نفسه يناقش الكثير من الموضوعات التي كان يناقشها الكتاب المؤمنون باليوتوبية. من المنظور اليوتوبي، كانت أهم مسرحياته «برلمان النساء»، وفيها نجحت مجموعة من النساء في الاستحواذ على المجلس التشريعي وسن شكل من أشكال الشيوعية، وفشلت تشريعاتهن ليس لأنها كانت سيئة، ولكن لأن الجنس البشري لم يكن قادرا على قدر الإيثار المطلوب. وهذا سبب نموذجي يساق لرفض اليوتوبيات. ساق أرسطوفانيس نقطة مماثلة في مسرحيته «بلوتوس»، وفيها يرد البصر إلى إله الثروة الكفيف، وعندئذ يعيد توزيع الثروة على مستحقيها، ثم ما يلبث الجشع البشري أن يعيد توزيعها مرة أخرى على نحو غير عادل.
ولما كان الفيلسوف الإغريقي أرسطو (384-322 قبل الميلاد) قد رفض يوتوبيا أفلاطون، وتهكم بشدة على الدول المثالية الأخرى التي ناقشها، فعادة لا يعتبر من المؤمنين باليوتوبية، لكنه في الباب السابع من كتابه «السياسة» عرض بنوع من التفصيل للخصائص الأساسية للدولة المثالية.
رأى أرسطو أن أفضل دولة هي دولة تكون قريبة من الاكتفاء الذاتي قدر الإمكان في إطار الحدود التي يفرضها عدد قليل من السكان وإقليم صغير المساحة، وقامت اليوتوبيا التي تصورها على إمكانية معرفة المواطنين بعضهم لبعض. كما وفرت يوتوبيا أرسطو أفضل حياة لمواطنيها: حياة العقل، أو الحياة التأملية، التي ليست حياة انعزالية متقوقعة، بل حياة التواصل الفكري. رأى أرسطو أن من شأن هذا أن يستلزم وجود فئة من الناس لا تتمتع بحق المواطنة لتقوم بالعمل الحقير؛ مما يحرر المواطنين ويجعلهم يعيشون حياة كاملة ورائعة. وناقش في مواضع أخرى - بعبارات أعم - خصائص ما قد يطلق عليه أفضل دولة ممكنة. (3) الأساطير والأدب بعد توماس مور
بعد أن كتب مور كتابه «يوتوبيا»، فقدت معظم الأساطير قوتها تدريجيا، لكن استمر جوهرها في القصص الأمريكية الأفريقية التي على غرار قصة أرض كوكين، التي وجدت بالتوازي مع الأناشيد الدينية الزنجية التي تحدثت عن مباهج الحياة الآخرة، والأغاني المرتبطة بحالة الكساد التي سادت في ثلاثينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة، مثل «ذا سويت بوتيتو ماونتينز» و«ذا بيج روك كاندي ماونتينز».
وتطلعنا قصة أحد العبيد على اقتناعه بما يلي:
في أركانساس ترقد الخنازير حولنا مطهية، والشوك والسكاكين مغروسة بها تدعوك لتناولها، والفطير في كل مكان يقلى في برك من الدهن، والأشجار تثمر بالمال، وكل ما كان عليك فعله هو التقاط المال من عليها كما تلتقط القطن من منبته ...
وتضم أغنية «ذا سويت بوتيتو ماونتينز» ما يلي:
أوه، تنمو السجائر على النباتات المعرشة، وينبت البيض ولحم الخنزير على الأشجار، والأرض تثمر الخبز، وتنضح الينابيع بالخمر حتى ركبتيك، والخير حولك كثير ووفير.
يمكن إيجاد صورة مختلفة من الأسطورة اليوتوبية التقليدية في رواية «الأفق المفقود» (1933)، التي أنتجت في فيلم من إخراج فرانك كابرا (1937)، المستندة في جوانب منها إلى أسطورة شامبالا، الأسطورة البوذية التبتية التي تدور حول مملكة أسطورية مخفية في مكان ما داخل قارة آسيا حيث يعيش بعض من البوذاسفيين؛ وهم أكثر البوذيين استنارة. تتحول المملكة في الرواية إلى شانجري-لا؛ وهو مجتمع مفقود في هضبة التبت يعيش الناس فيه لأعمار مديدة للغاية.
ليس هذا الموضع الملائم لسرد تاريخ الأدب اليوتوبي، لكن من الضروري ذكر نبذة عنه وعن كيفية استخدامه. غالبا ما اتسمت اليوتوبيات التي ظهرت بعد يوتوبيا مور بالتركيز على المدينة. زعم - على وجه الخصوص - المؤرخ والناقد المعماري لويس مامفورد (1895-1990) أن المدينة واليوتوبيا مرتبطتان ارتباطا وثيقا، والاقتباسات التالية من يوتوبيات تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين تصور رؤى للعمارة اليوتوبية.
Unknown page