59
كنت أمر مع بضع عشرات - تحولوا خلال عدة شهور إلى مئات - من البوابة الخشبية لمعتقل «القلعة» الشهير.
وكان الإنجليز قد أنشئوا داخل المبنى الأثري سجنا حربيا ظل يستقبل الثوريين والسياسيين حتى بعد جلائهم عن
مصر
سنة
1954 . وفي عام 1981 استقبل آخر نزلائه، وهم مجموعة الأصوليين الإسلاميين الذين قتلوا
أنور السادات ، وأغلق بعدها، ثم تحول إلى متحف للشرطة.
يتألف السجن/المتحف من عنبر طويل تعلوه سلسلة من الزنازين الصغيرة التي شيدت على جانبي ممرين مفتوحين. وفي أربعة من هذه الزنازين توجد الآن «مانيكانات» تمثل سجناء من عهود مختلفة، تميزها اللافتات المثبتة إلى جوار الأبواب. وتشير ثلاث من هذه اللافتات إلى عهود المماليك والعثمانيين و
محمد علي ، ويظهر فيها السجناء في ملابس تلك العهود، مقيدين بسلاسل حديدية إلى أوتاد. وتتغير الصورة في الزنزانة الرابعة التي تعلن لافتتها عن «سجين من العصر الحديث»، فنشاهد داخلها «مانيكانا» يرتدي الملابس العصرية (قميص وبنطلون) ويضع على عينيه نظارة طبية ويمسك كتابا. وهي صورة تثير الإعجاب بالمصمم الذي أدرك الارتباط بين التمرد والوعي، لكنها للأسف تفتقر إلى الدقة التاريخية.
ذلك أني حللت في هذه الزنزانة ذاتها وبقيت ثلاثة شهور محروما من الصحف والراديو والكتب والورق والقلم. وهي كلها حقوق عادية كان يتمتع بها المعتقل السياسي أيام الاستعمار الإنجليزي. •••
Unknown page