12
ذات يوم وهما في سوق القات قابلوا «كريم نورين» صدفة. عرف مريانا، فصاح طربا: «هل لحقت بي يا حبيبتي؟!» وتعجب لماذا نبذت إلى الجزيرة! وسألها عن شريكاته .. ثم أخبرها كيف وصل هو إلى الجزيرة، قائلا: في آخر مرة كنت عندكن في المنزل قبل سنة ونصف، كان الوقت ليلا، أغط في النوم. شعرت بأن صخرة سقطت علي وكتمت أنفاسي. نهضت عريانا وأنا أشعر أنني أنسلخ عن جسدي. وقفت أشاهد نفسي ملقيا بجانبكن، فزاد جنوني حين شاهدت نفسي اثنين. خرجت إلى الشارع وكأن روحا شريرة سكنت جسدي، مشيت والغضب يتملكني، أحدث نفسي بصوت عال. ضحك رجل أمامي، فلطمته، وضربته، أتت شرطة مراقبة السلوك وأرسلوني إلى هنا؛ لأبقى عشر سنوات لإعادة تأهيل سلوكي.
ثم نظر لمروان وسأل مريانا: من هذا الرجل الذي يشبهني؟!
أخبرته عن قصته .. فغضب كريم واهتاج، وأقبل نحو مروان يشتمه، ويخبره أنه حل محله، وبسببه طرد من الفردوس. هجم عليه واشتد العراك بينهما. فض العابرون العراك بينهما، وذهب كريم وهو يهدد مروان بالانتقام منه. قال مروان لمريانا: «هذا هو عالمي الحقيقي، رأيته أنت بنفسك.»
ظل كريم يترصد مروان لينتقم منه، وجده في سوق القات، وتصارعا الاثنان، كان المشاهدون مندهشين للشبه الكبير بينهما. لم يفرقوا بين مروان وكريم نورين. كان الأخير يقول: أنت أخذت موقعي في الحياة. طردتني من الجنة وأرسلتني إلى هنا للعقاب. لا بد أن أعيدك إلى الجحيم الذي أتيت منه. روحك الشريرة سكنتني. لن أتركك تعود إلى الفردوس مرة أخرى. ستنقل وباء الماضي إلى هذا العالم، كما نقلته إلي. أنت فيروس الماضي الخطير، سأخلص هذا العالم منك.
استل نورين سكينا ورفعها ليطعن مروان، حينها تلاشى الأخير، ولم يعد المشاهدون يرون أمامهم إلا كريم نورين.
في تلك اللحظة كانت غصون نائمة في غرفته، قامت فجأة وهي لم تدر بالمعجزة التي حدثت لابنها. فقد تغير لون جسده من اللون الوردي الغامق الى لون وردي خفيف، وتوقف الصديد الذي كان يسيل من القروح. نظرت إلى التقويم كان التاريخ الرابع والعشرين من شهر يناير 2016م. تحدث نفسها: «ابني له تسعة أشهر بين الحياة والموت، ابني سيولد من جديد.»
خرجت من الغرفة والبهجة في عينيها، تدعو حميدة، فلم تستجب الأخيرة، تظن أن غصون توهمت شفاء ابنها. عادت مسرعة لترى ابنها، وقد أخرج من فمه أنبوبة التنفس الصناعي وأصبح يتنفس طبيعيا، يفتح فمه ببطء ويتألم .. يحرك سبابته اليمنى. هتفت بصوت عال: «ابني شفي كما شفي النبي أيوب!» سمعت حميدة هي وأولادها نداء غصون، وراحت تردد: «لا حول ولا قوة إلا بالله، جنت غصون على ابنها.» ثم هرعت إلى غرفة مروان، رأته فاندهشت، يحرك فمه ببطء، كذلك هرع الأولاد، وجدوا أن ما حدث لوالدهم معجزة. راحت حميدة تثني مفاصل يديه ورجليه ببطء، وجدتها صعبة الحركة، فمنذ تسعة أشهر لم يستطيعوا تدليكه، كشخص أصيب بالجدري المنقرض. سمعوا مروان وهو يهذي بأسماء غريبة ويتأوه من الألم يقول: «مريانا، ولدي .. ناريس، سناء، فرضانا.» فتح عينيه، وتلفت يسرة ويمنة، كانت الرؤية عنده غير واضحة، وبعد عشر دقائق استطاع أن يرى أمه وزوجته حميدة وأولاده، وهم ينظرون إليه بفرح بهيج. كان أمامه: عمر، سليم، سالم، نبيل وابنته فاطمة. اندهش وهو يرى أولاده أمامه، ثم قال: «ماذا جرى لي يا حميدة؟» حرك يده ببطء ومسح وجهه، وقال: «ماذا جرى للحيتي؟!» ثم نظر إلى سرته وقال: «لماذا أعادوا لي الحبل السري؟» قالت حميدة بفرح غامر ودموعها تنهمر: الحمد لله على السلامة .. لقد كنت في غيبوبة طويلة دامت تسعة أشهر، وكنت أشبه بالجثة الهامدة، وأكلتك القروح. لقد ولدت من جديد!
ثم فتح مروان عينيه، وقال ما أذهلهم: لم أكن مريضا يا أولادي، أظنني كنت في الجنة، وطردت منها. وا أسفاه عدت إلى الجحيم!
نظروا إليه بدهشة وهو يسأل: «أين ابناي معاوية وعلي؟» صمت الجميع ولم يجبه أحد. كانت غصون تقول ببهجة: ابني عاد إلى الحياة .. جلست بجوار ابنها، وراح هو يخبرها عن طفولته حتى عن لباس القابلة التي ولد على يدها، ماذا كانت ترتدي؟ .. خرجت غصون دون عصاها التي تتكئ عليها دائما، ثم جلست تبكي وتهتف كالمجنونة وتلطم خديها وفخذيها، وتقول: «ابني كان في الجنة، لم يكن يهذي. أبوكم كان في الجنة يا أحفادي.» ظلت تهتف، كنت أعرف أن ابني سيشفى من المرض: «كان عند ملائكة الحساب .. لم يكذب!» ثم غشي عليها.
Unknown page